[email protected] جاء في الأنباء (ألوان –الثلاثاء 1 فبراير 2011) أن النائب الأول قد دعى الى حوار سياسي موسع يشمل الأحزاب والمجتمع المدني والى قبوله باصلاحات دستورية وتعديل لهيكل الحكومة وكل ذلك مشروط بثلاث لاءات هي: لا مجال لتفكيك المؤسسات القائمة للدولة لا مجال لقيام انتخابات جديدة لا مجال للحوار المبني على أن الدولة الحالية فقدت شرعيتها. وقال أن كل شيئ سيكون مبنيا على الحرية. قبل أن يرجع ليناقض ما قال به من أن تكون الحرية في ظل التزام بقانون يعلم الجميع أنه أخذ ما منحه الدستور من حريات وأفرغها من محتواها...وهو الموقف الفكري الثابت للنظام الذي ما فتئ يبشر الناس فيه بحرية في حدود القانون - الذي يعني القيود التي يحددها هو وحزبه وأجهزته التشريعية الصورية ومحكمته الدستورية المضحكة. إذن ما الجديد؟؟ اللافت في تصريح النائب والمسكوت عنه هو المبررات التي لم يذكرها لكل هذه الدعوة للأصلاحات –هذا اذا صح وصف مثل ما جاء في حديثه المار ذكره باصلاحات وإذا تبقت للنائب وحزبه من مصداقية. فان المبررات التي ظل جميع الوطنيون يدفعون بها لضرورة جلوس النظام مع كل الأطراف السياسية لمراجعة الأسس الدستورية لدولة الشمال هي ذات المبررات في الدولة الجديدة أو القديمة. وتتمثل في الموقف الحرج للدولة واحتمال تفككها وانهيارها ما لم يصار الى أعادة للنظر تضمن أن تجمع الدولة كل مكونات مجتمعها. فالنظام القائم ما زال قائما على شرعية القوة والقهر وعلى شرعية ليس لها ما يسندها من إرادة الشعب..وذلك بسبب أن النظام قد جاء بانقلاب سرق السلطة ابتداءا وبسبب أن انتخاباته المتعددة لم تقنع أحدا بشرعيتها. وبسبب المخاطر التي نشأت بسبب تمسكه بالسلطة بالقهر والتزوير مما أدى الى أن يكون الحوار معه بالقوة كما في دارفور أو بالإنسلاخ من الوطن كلية كما في حال الجنوب ..وبسبب أن العاقل من يحاول أن يستبدل شرعية القهر بشرعية القبول والاقناع.. ومبرر آخر ينطلق من ضرورة المراجعة لأن الموقف الأرجح و الأخلاقي كان هو الدعوة الى تقديم الرئيس لاستقالته وإجراء انتخابات مبكرة نسبة للفشل الأستراتيجي للنظام في تحقيق الوحدة وهو التزام رئيسي للنظام الذي جاء بدعوى أنه يريد أن يحفظ لنا الأرض التي تتقطع من أطرافها ...أو كما قال.. دعنا نسلم جدلا بأن النظام فعلا يهدف لتحقيق الحرية. وأول ما يتبادر الى الذهن هو التساؤل التالي: هل ايقنت الدولة بدعواها هذه بضرورة الحرية الآن ؟؟ وهل يعني ذلك أنها لم تكن تتحرى مبادئ الحرية في ممارساتها السابقة؟؟ ثانيا هل سيتبنى النظام مفهوما جديدا للحرية أم هو ذات المفهوم القديم الذي يسلب حريات الناس المنصوص عليها بالدستور بقوانين أقل ما يمكن أن توصف به أنها مستفزة أن لم نقل أنها تافهة. ومن مثال ذلك قانون الأمن الوطني الذي أباح لجهاز الأمن الرقابة القبلية للصحف والذي أفتت بدستوريته المحكمة المسماة بدستورية. وقانون النظام العام والقانون الذي يتطلب معه أخذ الإذن للتعبير السلمي عن الرأي... ثالثا ما هو المشكل الذي يحاول النظام معالجته بدعوته الى هذه المراجعات؟ كان سيكون من الأفيد منهجيا وعمليا لو أن الحزب الحاكم قد طرح للناس بوضوح المبررات التي دعت لكل ذلك وكيف ستؤدي المعالجات المذكورة هذه الى حل المأزق. كان من المؤمل أيضا أن يبدي النائب الأول والحزب انفتاحا بقدر حجم التحدي الذي يواجهه البلد وأن يقول بأنهم في سبيل ذلك سيستمعون للجميع ولن تكون هناك شروطا مسبقة...ولكن تصريحات النائب على العكس من ذلك تماما فمن ناحية تدعي أنها تهدف للحرية ومن ناحية أخرى فان الحدود العليا للمواقف التي طرحها تجعل حريته التي يتحدث عنها مثل ديمقراطية...كوريا الديمقراطية. لا بد في الختام من تذكير النائب بسنين مضت يوم كان سيادته طالبا على رأس اتحاد الطلاب في جامعة الخرطوم...يوم كان يرغي ويزبد هو وتنظيمه الاسلامي بالدعو لجامعة حرة أو لا جامعة.... أتراها كانت مثل هي الحرية التي يهتف لها؟؟يا سبحان الله كيف يغير الناس جلودهم... سيدي النائب...إذا كنتم حقا ترغبون في الحوار وإجراء الاصلاحات فلماذا تجدون أن هناك ضرورة لوضع الحدود والمواقف واللاءات؟؟ إم مثل هذه اللغة التي تدعو للحوار وتتخذ مثل هذه المواقف التشددة تسد ابواب الحوار ..وتجعله مونولوجا وليس حوارا...وتكون ليس أكثر من علاقات عامة.. ولكن سيجئ يوم ينتزع الشعب حريته الحقيقية منكم ..طال الزمن أم قصر..والكلمة التي لا بد أن نلخص بها مقالنا هذا بأن الدعوة للحرية من مثل هذا النظام لن تخدع أحدا...فان ما قام على القهر يصبح القهر من بنيته...ولكننا نأمل أن يكون في دروس التأريخ السوداني من أكتوبر وأبريل عبرا...وأن نسيت الطغمة الحاكمة فلعل في دروس تونس ومصر ذكرى للعالمين.