\"سودانير\" ..مسيرة الاقلاع والهبوط ..! هاشم عبد الفتاح [email protected] لم يكن العام 1996 قاسيا ومؤلما في مسيرة الاقلاع والهبوط للناقل الوطني \"سودانير \" فحسب ولكنه كان عاما اكثر قساوة وتاثيرا علي رجال الانقاذ وثورتهم التي بدات وقتها تتلمس خطاها وتخرج من طور الشرعية الثورية الي فضاءات الشرعية الدستورية والتواصل مع الاخرين ولكن كان العام 1996 لم يكن متسامحا بقدر ما انه رسم ملامج عابسة في وجه الانقاذ ففيه اشتدت محاولات الاقصاء والاحتواء للنموذج الاسلامي في السودان فسمي هذا العام في الادب السياسي للانقاذ والمراقبين بعام الحزن فهو الذي شهد ميلاد ثلاثة قرارات اممية ضد السودان هي \" 1040-1054-1070\" حيث اشتملت هذه القرارات علي فرض عقوبات علي السودان تتعلق بالحظر الدبلوماسي علي المسوؤلين السودانيين وحظر اخر اقتصادي وجوي علي الخطوط الجوية السودانية \"الناقل الوطني \" بايعاز من الادارة الامريكية وعلي اثر هذه القرارات وتداعياتها عاشت حكومة الانقاذ مرحلة استثنائية اشبه بالقطيعة او العزلة الدولية في وقت نشطت فيه المعارضة السودانية بالخارج بعد ان تبنت خيارات اقصائية وعسكرية لاسقاط الحكومة عبر ما عرف انذاك \" بمقرارات اسمرا في العام 1995\" وفي العام 1996 نفسه خصص البيت الابيض \"20\"مليون دولار لثلاثة دول افريقية هي يوغندا واريتريا واثيوبيا كمساعدة لها باعتبارها دول متعاونة لاسقاط الحكومة في الخرطوم. ومن غير المنطق النظر الي هذه الضغوط بمعزل عن خلفيات وتاثيرات محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس المصري السابق حسني مبارك بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا في العام 1995 ابان زيارته لها وهي المحاولة التي اتهمت فيها القاهرةالخرطوم بتدبير العملية هذا علي مستوي التاثيرات الكلية علي السودان ولكن ما بال الخطوط الجوية السودانيةالتي اخذت حقها كاملا من هذه العقوبات فالقرار 1070 كان بمثابة قطع الماء والهواء من جسم سودانير باعتباره منع الشركة من الحصول علي قطع الغيار وسحب عدد من خطوطها التشغيلية في اوروبا فعادت سودانير \"كالنسر الجريح\" مكسور الجناح لا يقوي علي التحليق فظل في السفح هكذا يحاول الانتصار لارا دته وكبريائه حينا بالبحث عن عوالم واجواء جديدة بعيدا عن العوالم التي تشملها مظلة العقوبات واحيانا بالبحث عن شراكات اخري قد تكون استراتيجية تبعد منها شبهة \"الوصفة السودانية \" فكانت الفكرة بدخول سودانير مع شركة عارف الكويتية كمستثمر اجنبي بواقع 49% من الاسهم و21% من الاسهم لشركة الفيحاء فيما احتفظت الحكومة بالنسبة المتبقيىة 30% وكانت الخطوط الجوية السودانية سنوات العقوبة تاكل من \"سنامها\" وتتردي اوضاعها حينا بعد حين مع استمرار الازمة الدولية بين السودان وامريكا بلغت اقصي مدي لها بقصف مصنع الشفاء في اغسطس 1998 ، غير ان الادارة التي تولت \"مقود\" سودانير بقيادة اللواء نصر الدين محمد احمد في العام 2004 وضعت خطة اسعافية لانقاذ مايمكن انقاذه رغم الظروف والتحديات الماثلة والقاسية انذاك ولكن يبدو ان تلك الادارة افلحت في ان تعيد لسودانير بعضا من مجدها وما فقدته من \"عافية\" وتسترد كذلك بعض خطوطها التي فقدتها بسبب العجز والعقوبات الدولية وقتها شعرت الحكومة السودانية ان الصورة الذهنية بشان سودانير بدات تتحسن وتتعدل حينها فكرت الحكومة في بيعها او بالاحري خصخصتها فكان لها ماتم مع شركة عارف الكويتة في احتفال مشهود بمق الشركة خاطبه الاستاذ كمال عبد اللطيف رئيس مجلس ادارة سودانير انذاك ولكن فيما بعد واجهت هذه الصفقة سيلا من الهجوم والانتقادات ووصفت بانها تمت بلا اسس وبلا تقييم حقيقي لسودانير واصولها وثار البرلمان وطالب بتحقيق فوري في هذه العملية بعد ان اتهمها بالغامضة \"والمكلفتة\" ولعل الخطوة الاخيرة التي لجأت اليها الحكومة باعادة هذا النسر الجريح الي \"الحوش الحكومي الكبير \" يمكن فهم ابعادها بانها مبررا كافيا ومنطقيا لكل ما اثير من انتقادات حول حقيقة الصفقة مع شركة عارف كما ان الخطوة من شانها ان تفتح ملفات وتساؤلات حائرة من شاكلة فضت هذه الشراكة ؟ ومن الكاسب ومن الخاسر فيها ؟ ثم لماذا كان اختيار شركة عارف من اساسه ؟ وهل المعايير التي تم اعتمادها في هذا الاختيار هي ذات المعايير المعمول بها دوليا في ترقية وتطوير الطيران المدني ؟ والسوال الذي نعتقد انه مهم في هذه العملية هل كانت الحكومة السودانية تامل في ان تلعب الكويت دورا موجبا في اتجاه محاولات فك الحظر الامريكي علي طائرات سودانير بحكم العلاقة الجيدة بين الكويت والادارة الامريكية؟ اذن اعادة سودانير الي \"حضن\" الحكومة بنسبة 100% كما قال وزير المالية علي محمود هي محاولة يمكن قراءتها في اتجاهين اولا اما ان الحكومة السودانية ادركت حقيقة فشل شركة عارف وعدم قدرتها علي \"الاقلاع بسودانير\" الي افاق جديدة وذلك لاعتبارات مهنية ومالية وربما سياسية او ان الحكومة نفسها تلقت اشارات موجبة بانتها مدي الحظر الجوي علي سودانير وان واشنطون تنوي اعادة النظر في ملفاتها مع الخرطوم والعمل علي تسويتها بما في ذلك ملف سودانير وبالقدر الذي يضمن المصالح و\"المنافع\" المشتركة وهذا التفكير او الاعتقاد الذي يمكن فهمه في سياق المرافعات السياسية والحراك الدبلوماسي والتواصل بين الجانبين السوداني والامريكي في شكل اقرب الي التطبيع ولهذا فان اي تقدم في اتجاه تنقية الاجواء بين الطرفين فان نتائجه ستكون خيرا علي سودانير وعلي كل فان ادارة الشركة تنتظر فجر جديد يحملها الي حيث تهوي وتريد خصوصا ان الادارة التنفيذية الان تبذل جهودا حثيثة ومقدرة في اتجاه اعادة ترميم اعطابها وتنشيط خطوطها الداخلية والتي كان اخرها خط \" الخرطوم /دنقلا\" .ولهذا تبقي الفكرة التي اقنعت الحكومة بضرورة ضم سودانير الي حضنها هي التي من شانها ان تحدث التحولات المامولة والمنشودة حال تعامل المالية بمنطق الواقع وحتمية اصلاحه