بسم الله الرحمن الرحيم الشرعية السياسية فى السياسة الشرعية محمد ابراهيم العسقلانى [email protected] جوهر الشرعية هو الرضا أى رضا المحكومين عن الحاكم فى أصل توليه أولا ثم عن أعماله لاحقا ، فالشرعية لها أصل يثبت أو ينقض وهو الرضا باصل الولاية ثم هى بعد ذلك متحركة تزيد وتنقص بحسب الاعمال ( الاخفاقات و المنجزات ) اى بحسب الفعالية لذا فتفويض الحاكم ليس ابديا بل يخضع للمراجعة الدورية للنظر فى مدى الفعالية واستمرار الشرعية . جوهر الرضا هو الاقتناع القائم على الاختيار الحر وليس مجرد الاذعان والانقياد الذى يحدث بسبب العجز تحت القهر ، فرغم تشابه المظهر العملى لكل من الرضا والاذعان (و هو الطاعة) فان الموقف النفسى يختلف كليا . النظم العارية عن الشرعية تسعى الى تغطية نفسها برداء من شرعية زائفة بعيدا عن المنبع الحقيقى للشرعية اى ارادة الامة ، فتارة تعتمد الدعاوى والشعارات وتارة تعتمد المنجزات حقيقة او وهمية واخرى تلوح بالخطر الاجنبى او البدائل المخيفة فى محاولات للتعويض عن فقد الشرعية وتبرير الاستمرار. ابرز تاريخ امتنا ثلاث انماط للسلطة :- 1 نمط الرشد : وهى السلطة التى جاءت بالطريق الشرعى عبر الرضا والاختيار الحر وانعقدت ببيعة طوعية . مثل المثال النبوى الكريم للرسول صلى الله عليه وسلم – بأبى هو وأمى _ فى المدينةالمنورة وخلفائه الراشد ين المهديين من بعده ، وجوهره الاختيار الحر. 2 نمط الملك العضوض : وهى سلطة تاسست بالغلبة ثم توارثت الحكم عبر ولاية العهد فى بيت ملكى . مثل الملك الاموى والعباسى ، وجوهره العهد الوراثى . 3 نمط الحكم الجبرى : وهى سلطة تأسست على الغلبة ثم تنتقل عبر توازنات القوى العسكرية . مثل السلطنات العسكرية فى المركز ( البويهيون ، السلاجقة ) او الامارات العسكرية فى الاطراف ( الايوبيون ، الاغالبة ) ، وجوهره الاجبار والاكراه . اذا بحكم الواقع التاريخى انعقدت الامامة – السلطة - بثلاث طرق هى الاختيار الحر،العهد الوراثى و الغلبة ولكن بحسب الشرع لابد ان نفرق بين امامة الرشد التى تنعقد بالاختيار وامامة الغى التى تنعقد بالاكراه والاجبار مغتصبة السلطه ملغية ارادة الامه ثم تعهد بها الى الورثه . فالتمييز ضرورى بين الرشد الشرعى والغى اللاشرعى الذى يمثله الاتى : أ الغلبة : وهى اغتصاب الحكم بالقوة وفرض بيعة الاكراه والاجبار على الناس مما يمثل اهدارا لدور الامة وا فتيئاتا عليها والغاء للشورى ، وقد علمنا التاريخ ما جرته على الامة من مفاسد علاوة على ما اهدرته من قيم ومبادىء. وقد اذعن الصالحون والفضلا ء للامر الواقع بعد ما رأوا ما جره الخروج المسلح من مفاسد اكبر مما هو واقع بالفعل وحاولوا ان يحاصروا الشر فى دائرة الحاكم وحاشيته وان يخدموا الدين فى ميادين اخرى ويتفرغوا لاصلاح الامة عسى الله ان يرفع ما بها وتستعيد رشدها ويكون الغى فلتة متداركة مع اجتناب الفتنة وحقن الدماء وحفظ بيضة المسلمين اما الاثم فى الغصب فعلى الغاصب والمسلمون براء . ويجب ان نلاحظ هنا ما يلي : 1 يعبر الموقف هنا عن تشريع اجتهادى املاه واقع العجز عن ازالة الغى واستعادة الرشد فما بد من الاذعان الى الامر الواقع والعمل فى ظله ولا يعنى ذلك شرعنته بحال . 2 ابدى العلماء الربانيون ممانعة سلبية لحكام الغى ورفضوا التعاون معهم او كتمان العلم فيما يتعلق بشرعيتهم وصدعوا بكلمة الحق فى وجه السلطان الجائر ودفعوا ثمن ذلك. او يقبل السلطان منهم لما يأمن خطرهم او يحس خطر المساس بهم. 3 دائرة تاثير السلطان قديما ضيقة ومحدودة ولكنها تطورت واصبحت واسعة ومهيمنة . 4 ظن الافاضل الصلحاء ان الغى فلتة سرعان ما تتداركها الامة ولكن مع مرور الزمن اصبح هو القاعدة وصار الرشد فلتتة لا يرجوا احد تكرارها لانها ضد طبائع الاشياء التى تسير مع حكم القوى وراى الاحيل والظلم من شيم النفوس . وهذا ما قرره ابن خلدون شخصيا . *(1 ) 5 تدهور الفكر السياسىالاسلامى من الصبر على الغىو الممانعة السلبية الى المزاوجة بين مفاهيم الرشد ومفاهيم الغى الى الاقرار الكامل بالامر الواقع وشرعنة الغلبة وولاية العهد والخنوع التام يأسا من امكان التغيير وايثارا للسلامة . ولكن الاقرار بامامة الغلبة يتضمن الاقرار بالغلبة على الامام فانفتح باب المغالبة فكان الصراع الدموى وانفتح الباب بشريعة الغاب لكل ذى ظفر وناب ! وانتهى الامر لصالح القوى العسكرية فاصبح قواد الجند هم اهل الحل والعقد واصبح قائدهم هو السلطان الذى يقهر الخليفة وياخذ الدنيا باسمه ، واستولى امراء الامصار على ما تحت ايديهم وبرز التمرد المسلح بعضه لاجل الاستحواذ وبعضه للتخريب لا الاصلاح يقوده الزنادقة والغلاة الباطنية لذا لم يكن غريبا ان ينزل الطعن والطاعون فجاء الغزاة من التتار و الصليبيين . ب ولاية العهد : وهى الية انتقال السلطة فى نمط الملك العضوض القائم على الاكراه ، لذا يؤخذ عليها انها تقوم على الاكراه ،بينما البيعة عقد مراضاة بايجاب وقبول وليست عقد اكراه واذعان وايضا البيعة عقد وكالة وليست عقد تمليك فلا تورث ؟! والحاكم وكيل عن الامة فاذا مات رجع الامر الى الامة اما لو عقد لغيره فهو عقد فضولى لايصح للاتى:- 1الاسلام اجاز الوراثة فى المال الخاص ولكنه منعها فى الشأن العام سواء الامامة الدينية او السياسية لانها تقوم على الجدارة والكفاءة اولا ( واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال انى جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتى ؟ قال لاينال عهدى الظالمين ) *(2). 2 الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستخلف احدا من اقاربه ولم يخطر ذلك ببال ابى بكر ونص عمر على حرمان ابنه وسالوا عليا ان يعهد للحسن من بعده فقال: لآمركم ولآانهاكم انتم ابصر ، رضى الله عن الجميع . 3 اما استخلاف غير ذوى القربى من اهل الكفاءة والجدارة فجائز على ان يكون مجرد ترشيح لاينعقد الا برضا الامة عبر الشورى والاختيار الحر كما هو الحال فى استخلاف ابى بكر لعمر واستخلاف عمر للستة . وذلك لاعلاقة له بتوريث الابناء لانه يعتمد الجدارة لا قرابة الدم وعاطفة الابوة لذا لايكون الا لكفء ثقة بخلاف ولاية العهد الوراثى التى آلت الى فساق واطفال لم يجمعوا شيئا من الشرائط . 4 الاستخلاف كما قلنا مجرد ترشيح لا ينعقد الا ببيعة رضا كاقرار من الامة اما ولاية العهد فعقد بين الحاكم الاب والحاكم الابن ولا دور للامة الابيعة الاكراه الموثقة بالطلاق والعتاق. 5 ولاية العهد فتحت باب الصراع الدموى بين الاخوة . بدت مفاهيم الاسلام عن الاختيار الحر والشورى العامة وبيعة الرضا غريبة غربة الرشد الذى بناه الرسول صلى الله عليه وسلم فى عالم الاكاسرة والقياصرة ثم صار فلتة واستناء بسبب الغى الطويل الذى اعقب عمره القصير ! ولكن كيف تكون القدوة و الاسوة فلتة لاتتكرر ؟ وما معنى الاقتداء اذا ؟ ما معنى عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ ؟ واقعيا لم يكن متاحا الاثلاثة مواقف :- 1 الخروج المسلح على حكام الغى واغلبه لم يكن مبشرا بخير وقد تراجع عنه طلاب الاصلاح بعد فشل تجاربه والنتائج المرة التى اثمرها وثبوت مخالفته للسنة النبوية المطهرة فخلت ساحته للزنادقة والغلاة طلاب التخريب او للطامعين طلاب الاسلاب والاستحواذ . *(3) 2 الخنوع والاستكانة التامة للغى وقد وصل ذلك حدود الممالاة وشرعنة الغى طلبا للسلامة او طلبا للدنيا . 3 الممانعة السلبية التى انتهجها علماء ربانيون صدعوا بكلمة الحق ورفضوا التعاون مع الحكام فلم يقبلوا العطاء ولا ولاية القضاء ولم يتورطوا فى خنوع او خروج . ولكن يظل الموقف قاصرا لانه لايزيل غيا ولايعيد رشدا وان برئت الذمة وسلمت النفس . ثم جاء التطور الاجتماعى بخروج البشرية من العصر الابوى ونمو المجتمعات المد نية بالاليات التى تخدم مبادىء الاسلام وقيمه وتحقق مقاصده فى الحكم الراشد والانتقال والتداول السلمى للسلطةوالاعتراض السياسى عليها من ناحية(الصحافةالحره،الاحزاب،البرلمانات المنتخبه) وادوات المقاومة المد نية والضغط الشعبى لازالة حكم الغى من ناحية اخرى ( التظاهر ، الاعتصام ، الاضراب السياسى العام ، العصيان المدنى الشامل ) وبعضنا لازال يصر على معطيات العصر الابوى ويأبى رؤية التطور الكبير الذى حدث ولا يعى الا فردية الحكم ودمج السلطات والبيعة مدى الحياة من ناحية وثنائية الخنوع او الخروج من ناحية اخرى . والله من وراء القصد ويهدى السبيل محمد ابراهيم العسقلانى mohmmedasglani@ yahoo.com الا حالات والتعليقات : *(1) من واقع التاريخ الاسلامى بنى ابن خلدون نظريته فى العصبيه حيث الغلبة هى الطريق الوحيد للامامة التى تتبع الشوكة فى ظل ضعف الوازع الدينى وقوة دافع العصبية وسلطان العادة اما حكم الراشدين ففلتة . انظر المقدمة ص 273 . اشارة الى بيت الشعر القائل : رجعوا لظلم كالطبائع فى النفوس مؤصل نزلوا على حكم القوى وعند رأى الاحيل *(2) سورة البقرة الاية124 *(3) لما نجح العباسيون فى الوصول المسلح الى الخلافة لم يعيدوا الرشد ولا الغوا الملك العضوض بل استبدلوا بيتا ملكيا باخر فعبرالشاعر عن خيبة الامل : ياليت جور بنى مروان دام لنا وياليت عدل بنى العباس ما كانا