[email protected] عند اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا ، عبنا على وزارة الخارجية التصريحات التى أدلى بها ناطقها الرسمى بشأن ما قيل عن تورط الحركات المسلحة في دارفور في الصراع الدائر هناك . وقلنا أن مثل هذا التصريح قد يؤدى الى عقابيل سياسية يتضرر منها المواطن السودانى المقيم في ليبيا بشكل عام . بعد ذلك مات هذا التصريح تحت النشاط الملحوظ للمسئولين فى الخارجية وجهاز السودانيين العاملين بالخارج في الجهود التى بذلوها وما زالوا لأخلاء الجالية السودانية من المناطق المحتربة في ليبيا بما في ذلك المعارضين للحكومة ان هم أرادوا العودة للسودان كما صرح بذلك وزير الخارجية . وشهدنا الجسور الجوية المستمرة التى أعادت مجموعات مقدرة من السودانيين الى البلاد ، وكانت تلك خطوات دبلوماسية موفقة في اتجاه رتق الخرق الذى أفرزته تلك التصريحات . وخلال زيارة الرئيس البشير الي الدوحة مؤخراً ولقائه بالجالية السودانية هناك ، تفجرت تلك التصريحات مجدداً وقال الرئيس أن الحركات المسلحة في دارفور مازالت تقاتل جنباً الى جنب مع قوات القذافى مما سبب المشاكل للأسر السودانية المقيمة هناك . وبتصريحات الرئيس هذه عدنا الى المربع الأول الذى تتهم فيه أعلى سلطة في البلاد مواطنيها بالعمالة والأرتزاق للنظام الليبى في حين تقوم كل الدول الأخرى المتهمة فعلاً بنفى هذا الأمر ( والشينة منكورة ) . وبالطبع كنا نأمل أن يتفق الوفد المرافق للرئيس مع سيادته على الموضوعات التى ينبغى التركيز عليها والموضوعات الشائكة التى ينبغى التعامل معها بحذر . بل كنت آمل أنه بعد أن وقع الفاس في الرأس أن تقوم الجهات المختصة بوزارة الخارجية بايجاد مخرج دبلوماسى لهذا الأمر من قبيل أن الرئيس لم يكن يقصد ما نسب اليه من تصريحات أو أن هذه التصريحات قد أفرغت من محتواها ومعناها الحقيقى الذى قصده الرئيس ، غير أن هذا لم يحدث . ولا زلنا غير قادرين على ضبط التصريحات السياسية التى قد يكون لها آثاراً غير حميدة علي مستقبل العلاقات مع ليبيا من جهة ، وفي اثارة الجبهة السودانية الداخلية بوجه عام والدارفورية على وجه الخصوص من جهة أخرى ، سيما وأن السودانيين بجميع فئاتهم ما زالوا يتطلعون الى حل حقيقى يفضى الى استقرار أهلنا فى دارفورالذين طالت معاناتهم . ولا شك أن هذه التصريحات أطلقت في غير زمانها وفي غيرمكانها ، وكان حجبها أفضل من اطلاقها لجهة عدم استحداث شرخ معنوى ونفسى لا داعى له للمتفاوضين الذين يوجدون في الدوحة أوالحركات الأخرى المتابعة من الخارج . ونورد هنا بعض تعقيدات الحرب الليبية الأقليمية والدولية التى ينبغى التعامل معها بحذر حتى تتضح الأمور : فرض المجتمع الدولى منطقة للحظر الجوى فوق ليبيا بطلب من الجامعة العربية وهذه سابقة نوعية في مضمونها حيث أنها من الممكن أن تتكرر مع أى نظام يقوم بقمع شعبه ، وبالطبع سيقع الشعب بين مطرقة النظام وسندان قوات التحالف التى تسعى لتطبيق أجندتها في المنطقة. وبما أن الغلبة المعترف بها ينبغى أن تكون على الأرض ، فقد بدأت دول التحالف في بحث امكانية تسليح المعارضة . ورغم الأنقسام الذى يبدو أنه يميز مواقفها الأ انها فى نهاية الأمر ستستحدث موقفاً لا يتعارض بالقطع مع مصالحها الأقتصادية. ربما يؤدى تسارع الأمور والرغبة في التخلص من القذافى اذا فشلت المعارضة في اسقاطه ، الى تفضيل التدخل البرى السريع في ليبيا رغم التظاهر والزهد المرحلى الذى أبداه الرئيس أوباما فى غزو ليبيا لأسباب استراتيجية وانتخابية بحته . والغرب لا ينسى للقذافى عداواته السابقة واسقاطه لطائرة بان أمريكان فوق بلدة لوكربى . وفي وقت لاحق سيؤمن الرئيس الأمريكى الموافقات اللازمة من الكونجرس للقيام بعمليات برية ضد ليبيا خاصة وأنه صرح أن العالم سيكون بلا شك أفضل بدون القذافى . وهذاالأمريذكرنا بتشدد الرئيس بوش الأب الذى قال أن الولاياتالمتحدة لن تضرب العراق اذا التزم العراق بعدم غزو السعودية . وبعد الحصول على موافقات دول المنطقة بغزو العراق ، واكتمال الجسر الجوى الأمريكى لهذا الغرض كشر الأمريكيون عن أنيابهم النفطية وقالوا أن صدام ينبغى أن يتم أخراجه من الكويت ( Sadam should be ousted from Kuwait) . أن العولمة وانجازات العلم والتكنولوجيا التى تجسدها تكنلوجيا الأتصالات ما زالت تحظى بدفع أمريكي مؤثر حيث صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية أنها بلادها تعتبر أن حق الأستفادة من الشبكة العنكبوتية هو حق ينبغى أن يكون مكفولاً لكل الشعوب الطامحة الى الحرية والتطور وهو حق يقع في خانة حقوق الأنسان الأساسية ، وأن الولاياتالمتحدة ستعمل على تثبيت هذا الحق وستحارب من أجله لصوص الفضاء وجماعات التهكير والدكتاتوريات المنغلقة على ذاتها . عدم وجود خط فاصل بين معنى الحرية أو الليبرالية الجديدة التى يروج لها الغرب وبين سعيه لتأمين مصالحه الحيوية التى تمثلها الشركات الأمريكية والشركات متعددة الجنسيات . مما تقدم يبدو أن الوضع في ليبيا هو عبارة عن حقل تجارب لما يمكن أن تسفر عنه الأوضاع الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ، وأن تعامل السودان مع مثل هذا الوضع البالغ الحساسية ينبغى أن يبنى على حسابات دقيقة أولها التريث والتحليل قبل اطلاق التصريحات ، ثم التصالح مع الشعب الذى يمثل الترياق الذى يمكن أن يحبط كافة التحركات الدولية السلبية تجاه البلاد . ولا يؤتى التصالح مع الشعب أكله الاّ اذا تم بسط الحريات بشكل لا لبس فيه ولا غموض مع توفير الفرص المتساوية للمواطنين ونبذ الأستعلاء العرقي والجهوي والديني ، والشروع في الأصلاح السياسى والأقتصادى الحقيقى . ويندرج على رأس هذه البنود حل مشكلة دارفور بشكل جذرى مع أيجاد الوسائل الكافية لتحقيق الأستقرار فى جنوب كردفان والنيل الأزرق.