(صواع الملك ) صندوق قومي لعلاج المبدعين! فيصل عبد اللطيف أحمد* [email protected] رحم الله ، الإذاعي البارع ، نجم الدين محمد أحمد، رحل تاركاً في الحلق غصة، وهيج رحيله الذكريات الجميلة التي تقاسمناها أيام الدراسة في كلية الإعلام ، جامعة القاهرة.. تلك الذكريات التي ما تزال تمثل الزاد. وعندما تُباعد الأيام بين الناس، تكون الذكريات هي جسر الأرواح للتواصل .. لم تنقطع صلتي بنجم الدين، هو في الخرطوم وأنا في السعودية، دائماً نتبادل المبادأة بالسؤال عن الأحوال.. والموضوع المشترك باستمرار الذكريات ، والاستفسار عن الزملاء، والشلة ، ثم قضايا العمل . اتصف نجم بخصال فاضلة، فهو السهل، المرح، البار، القنوع، الذي يتحسس للناس الأعذار، ولا يميل إلى اللوم. وللأسف بدأت هذه الخصال تدخل نطاق \" العملة النادرة\" في مجتمع الكثير من قيمه ومقوماته تتآكل.. وبعضها يمارس نفاقاً ورياء الناس. لقد شاء الله أن أعيش قصة \" مرض نجم الدين \" بكثير من التفصيل، فعندما أصابته \" الجلطة\" كنت أقضي اجازة قصيرة في الخرطوم ... وكنت قريباً وهو في العناية المركزة في أحد المستشفيات الخاصة بأم درمان، حتى سفره إلى الأردن، كما تابعت أيام العلاج من الرياض، وتواصلت ً مع الأخ نور الدين إدريس، الذي رافق الفقيد. فجزى الله نوري خيراً على ما بذل، وجعله في موازين حسناته. الخيرون من أمثال نجم الدين، تظل خيريتهم باقية، ليس فقط فيما يذكرهم به أخوانهم وزملاؤهم ومعارفهم من خير، ولكن أيضاً في القضايا الخيرة التي يثيرونها بعد رحيلهم.. على الرغم من أن هذه لحظة مشاعر شخصية ، إلا أنني لم أرد تجاوز موضوع أراه من القضايا الخيرة التي يثيرها ا نجم بعد رحيله . لقد حركت وعكة نجم ورحلته العلاجية في داخلي هماً عاماً، وهو علاج الإعلاميين .. مع ما يطلبه العلاج من أموال لا قبل لكثير جداً من الإعلاميين بها ... فالبعض بالكاد يحصل على الراتب.. وكثير من الصحف لا توفر التأمين الطبي لمنسوبيها، بعض الصحف لا تستطيع، والبعض لها المقدرة ولكن \" أصحابها\" لا يبالون. لا أزعم أنني أعلم كل المصادر التي أسهمت في \" تمويل \" رحلة علاج حبيبنا نجم الدين، ولكني أعلم أن معظم ما تم جمعه كان بالجهود الشخصية ، وبالأخوة ، والزمالة.. وهذا يذكرني قول الزميلة الساخرة آمنة السيدح : \"علاج الصحفيين يتم بالجودية \". لقد رحل نجم الدين ، وهو لا يريد منا غير الدعاء له بالرحمة والمغفرة.. ولكن من سيكون لغيره من الزملاء الكثيرين الموعودين بالجلطة، ومضاعفات ضغوط العمل الإعلامي المرهق نفسياً، وقليل العائد ماديا؟ من لقبيلة المبدعين عموماً؟ حادثت أحد الزملاء في هذا الأمر ف \" نصحني \" بأّلا افتح الموضوع لو لم تكن لدي \" وثائق أو مستندات\" .. وأخاله غضب، لأن الأمر ليس كما أظن أنا أو أسمع ، وأن تمويل رحلة العلاج المعنية شاركت فيها جهات وأشخاص، ورئاسة الجمهورية شاركت أيضاً .. وأكثر من ذلك المسؤولون على أكبر المستويات يهرعون إلى أداء واجب العزاء، وهو ما لا يحدث في بلد غير السودان !! وقال إن الأمر بخصوص مسائل تدبير مال للعلاج يتم بالطريقة السودانية .. انتهت المحادثة مع الأخ الكريم الذي أقدره واحترمه ، والأسئلة التي لا تحتاج وثائق ولا مستندات، باقية .. هل سنظل على الطريقة \"الجودية \" في علاج من يفنون أعمارهم في خدمة الوطن ؟ ربما البعض ممن يصابون بعارض صحي ويلقون استجابة من \" الجودية \" ، هم محظوظون .. لسبب أو آخر .. ولكن كم عدد المحظوظين ؟ هل على الدولة ان تنشىء \" جهازاً أو صندوقاً\" ، كما الأجهزة والصناديق الكثيرة، وتخصصه لتمويل علاج المبدعين؟ على أي حال طريقة \" الجودية\" والتحركات القائمة على العلاقات الشخصية، لاستقطاب مال العلاج غير كريمة.. لأن فيها إهدار للكرامة. فالجودية لهم نظرة .. والتجاوب يختلف حسب كل حالة.. وهذه الطريقة غير عملية لأن الوقت يضيع في \" الشحتة\"، والمرض يتفاقم، والفاتورة تتصاعد . هل يعقل أن نعتمد في علاج مبدعينا على المناشدات، ودعوة \"أهل النخوة\" للتبرع. هل سنعتمد هكذا على \" الطريقة السودانية \" التي لم تعد تناسب العصر؟ هل تعلم الصحف ، وهي تتسول لعلاج صحفييها، حجم التنازل الذي تقدمه ؟ إذا نظرنا إلى ظاهرة\" الجودية\" بعمق أليس فيها خدش للاستقلالية التي تحاول الصحف اثباتها في الترويسة؟ * صحفي بالسعودية