الديك الأبيض..!!! صلاح عووضة الحاجة نفيسة دخلت على شيخ إدريس (الفكي) وهي ترغي وتزبد بعد أن وضعت إبنتها أنثى للمرة الخامسة على التوالي.. فطلب منها الشيخ بهدوئه المعهود أن تجلس لتحكي له ما اتبعته من خطوات كان قد أوصاها بها ليرى إن كانت صحيحة كلها أم داخلتها أخطاء.. فطفقت الحاجة الغاضبة تسرد على مسامعه الخطوات هذه خطوة خطوة حتى إذا بلغت الأخيرة منها الخاصة بالديك فوجئت به يصيح فيها: (بس، بس).. وبعد أن عبث بمسبحته قليلاً وهو مطرق رفع شيخ إدريس رأسه ونظر في عينيّ نفيسة قائلاً لها بنبرة عتاب: (مين قالِّك الديك لونه أحمر؟!.. أنا قلت أبيض، أبيض يا هاجة نفيسة).. وهذه الحكاية من (بلدنا) لا يمكن النظر إليها بمعزل عن حكايات مماثلة منتشرة في طول البلاد وعرضها.. أي لا يمكن انتزاعها عن سياق ثقافة عقل سودانوي جمعي يستند إلى مرجعية دينية منتزعة هي نفسها عن سياقها الصحيح.. فالخرافة تضرب بجذورها عميقاً في تربة الوعي السودانوي حتى تتجلى أحياناً كلماً صادماً مثل الذي نشاهده في خلفيات المركبات من قبيل (يا فلان) و(يا علان) و(يا فلتكان).. وفلان هذا، أو علان، أو فلتكان قد يكون في رحاب ربه من قبل أن تُصنع المركبة التي يستنجد به صاحبها.. وحتى إن كان حياً يرزق فالمغيث هو الله.. والحق في كتابه العزيز يقول: (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).. فهل نحن شعب يمارس الكثيرون منه الشرك دون أن يعوا؟!.. وهل عدم الوعي هذا يصلح أن يكون عذراً شرعياً مثل النوم والجنون والسهو؟!.. وهل وهذا هو مربط (قلم) كلمتنا هذه يتحمل الحاكمون نصيباً من المسؤولية إزاء هذا التغييب الوعيوي سيما إن كانوا يجاهرون برفع شعارات الدين؟!.. فالإنقاذ حين فرضت نفسها وصيةً على شعب السودان باسم الاسلام قالت إنها سوف تعمل على (إعادة صياغة الإنسان السوداني).. وما كنا ندري (حينها) نوع هذه الصياغة إلى أن جاءت معارك (الجهاد) الاستشهادية بأرض الجنوب لتتعالى مع تعالي أصوات ضجيجها مقولات أضحت من أدبيات الثقافة (الإسلاموية) لدى الإنقاذيين.. مقولات هي بمثابة مُحفِّزات غيبية للقتال لم نسمع بمثلها لدى الأولين الذين كان جهادهم مصوباً نحو (الكفار) و(المشركين) و(المرتدين).. فالمجاهدون الأُوَل لم يكن همهم الشاغل مثلاً هو الظفر بالحور العين حتى إذ استشهد أحدهم أُقيم له (عرس الشهيد).. ولم يكن استدلالهم على صحة شهادة نفر منهم هو بأن (يضوع المسك) من أجسادهم.. ولم يكن خلوّ ساحات الحرب من (قرود) تعينهم على النصر هو قدح في أهليتهم لل(كرامات).. كل الأدبيات هذه هي (بدع) في الدين من فعل الإنقاذ تضاف إلى ما هو سائد من بدع اصلاً في بلادنا.. ولسنا في حاجة إلى أن نتساءل الآن عن ماهية (إعادة الصياغة) التي بشرتنا بها الإنقاذ لإنسان السودان.. ففضلاً عما ران على الوعي من غيبيات ترعى حول حمى الشرك تفشت بين أفراد الشعب السوداني (ظواهر أخلاقية) تنخر عميقاً في قيمنا ومُثُلنا وموروثاتنا.. ولعل نظرة خاطفة إلى إحصائيات مستمدة من محاضر الشرطة تنبئنا عن معدل السرعة الذي نُرذل به كل عام حتى بلغ الأمر بداعية إسلامية (محافظ) مثل الكودة إلى أن يدعو لإستخدام (الواقي) تحجيماً لظاهرة الأطفال مجهولي الأبوين.. والآن إذ يقرع البعض طبول الحرب من جديد على خلفية أحداث أبيي فكل الذي نرجوه أن نكون قد طوَّرنا من أدواتنا الخاصة بنزع الألغام حتى لا نسمع أن قروداً (إنتحارية) قد قامت بالمهمة هذه.. وأن لا يتداول الناس مرة أخرى قصة مثل قصة ذاك الذي قيل خلال مراسم (عرسه) أن رائحة مسك جسده قد شمّت من مسيرة كذا وكذا فإذا به يحضر بجسده وروحه و(رائحة سفره).. وأن نقتدي بالمجاهدين من السلف الصالح فلا نجعل من الحور العين (مبلغ همِّنا).. فإن لم نفعل فإن حاجة نفيسة تكون قد أخطأت خطأً فادحاً حين أمرت بذبح الديك الأحمر عوضاً عن الأبيض. اجراس الحرية