مقال مترجم / ربيكا تنسلي، صحفية وعضو بالمجلس العالمي لمراقبة حقوق الانسان تاج الدين عبدالله آدم [email protected] ان السرعة المذلهة التي جابه بها المجتمع الدولي حملة القمع الدموي للعقيد القذافي ضد الانتفاضة الليبية لم تفاجئ احدا بقدر ما فاجأت الدبلوماسيين الذين قاموا بوضع تلك الخطة، ولكنها بالتأكيد اصابت الناجين من المذابح التي ترعاها الدولة في مناطق مثل دارفور ورواندا والبوسنة بالذهول والحيرة بسبب معاييرنا المزدوجة. ان دارفور التي تقع الي الجنوب مباشرة من ليبيا صارت ضحية تدخلنا في العراق فضلا عن نفاقنا السياسي. ان عجزنا في التصدي لحملات التطهير العرقي التي استهدفت الملايين ومقتل 300 الف شخص لهو نتيجة مباشرة للاندفاعات الطائشة لجورج بوش وتوني بلير في العراق، فبينما نهب الان لنجدة بنغازي لا تزال دارفور تدفع ثمن تقاعسنا. علي الرغم من التوتر ومخاوف الفشل التي اعترت الائتلاف المناهض للقذافي في بادئ الامر، الا ان المسئولين والسياسيين احسوا بالفخر واصيبوا بشئ من الدهشة نتيجة للسرعة التي تمكن من خلالها العرب والاروبيون بالتوافق مع الولاياتالمتحدة تحت مظلة الاممالمتحدة في التحضير لتدخل منسق وفعال. بالنظر الي تجارب سابقة، لم يكن نشطاء حقوق الانسان يأملون اكثر من مجرد سماع عبارات الشجب والاستنكار التي اعتادوا عليها من مجلس الامن علي احسن الاحوال خاصة عندما يتعلق الامر بقيام دولة عضو باستخدام القتل المنظم ضد مواطنيها. ذلك لان الغالبية العظمي من الدول الاعضاء تفضل الدفاع عن مبدأ سيادة الدول علي اراضيها بدلا من القيام بواجب وقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، فهي (اي هذه الدول) تفضل الاتكاءة علي مبدأ السيادة واستخدامه في قتل رعاياها بعيدا عن المساءلة القانونية لانها تخشي ان يقوم الاخرون باستغلال خيار التدخل للتغول في شؤونها الداخلية. ان الشلل الذي اصاب الاممالمتحدة في فترة التسعينيات التي سبقت الاطاحة بصدام حسين يمكن تلخيصه في عبارة واحدة هي: مقديشو. الفشل في الصومال هو السبب الذي جعل المجتمع الدولي ان لا يفعل شيئا لوقف تعرض الملايين للقتل في رواندا وعشرات الالاف في البوسنة، فاالتدخل الامريكي في الصومال الذي عبر عنه ببراعه فليم \"بلاك هوك داون\" وضع حدا لفكرة التدخل الليبرالي. هكذا قالت صديقة لي عندما كان الصرب يفرضون حصارهم القاتل علي مدينتها سراييفو: \"نحن نتعرض للابادة الجماعية بسبب مقتل بضع جنود امريكيين في مقديشو\" لقد خشي الساسة –وقتها- من ان الراي العام الامريكي غير مستعد لاحتمال فقد المزيد من ابناء جلدته في مغامرات خارجية غير محسوبة العواقب خاصة عندما لا تكون هناك مخاطر واضحة تهدد المصالح الامريكية. مهما يكن الخلاف حول السبب، فان لعنة مقديشو اصابت ايضا رواندا في العام 1994. وكما شرحت لندا ملفن في مؤلفها الرائع حول التواطؤ الغربي في رواندا، فقد توافق اعضاء مجلس الامن في شهري ابريل ومايو من العام 1994 علي عدم ادراج موضوع رواندا ضمن اجندة النقاش. وبحسب ما افاد قائد قوات الاممالمتحدة في رواندا الجنرال روميو دالير، ان غارة جوية للامم المتحدة كانت كفيلة بالقضاء علي المحطة الاذاعية الحكومية التي ادارت وروجت لحملة الابادة الجماعية. ان محطة \"ملس كولاين\" الحكومية كانت تصدر التوجيهات علي مدار الساعة للجيش حول الطرق والمنافذ التي كان عليه قفلها، والبلدات التي يجب محاصرتها ، والاشخاص المطلوب قتلهم حال وصلوهم الي تلك البلدات ولكننا لم نفعل شيئا، حيث تركنا حملات الكراهية والدعاية وتوجيهات القتل تتواصل. يقول دالير، ان اظهار قوة منسقة وحازمة من جانب المجتمع الدولي في الغالب هو كل ما يتطلبه الامر لوقف الابادة الوشيكة قبل وقوعها، عندها سيدرك الذين يرتكبون الجرائم بان شخصا ما يراقب تصرفاتهم. ان قدرتنا في اظهار الوحدة والجدية ستجبر الذين يمارسون القتل الجماعي علي التوقف برهة لمراجعة حساباتهم قبل المضي قدما في مخططاتهم. ان دارفور هي المثال الابرز علي تردد الاممالمتحدة وتضارب المصالح داخل اروقتها وتلؤكها في اتخاذ اي اجراء حاسم، لكن غزو العراق هو ما حدد مصيرها. فالرئيس السوداني، المشير البشير ما فتئ يوظف موضوع العراق بمهارة في كل محفل ومؤتمر اقليمي لتحذير القادة العرب والمسلمين من ان الغرب يسعي لاستخدام دارفور كذريعة لغزو السودان. وقد نجح البشير في اقناع القادة العرب والمسلمين من انهم سيكونون الهدف التالي في سلسلة حروبات بوش وبلير الشاملة الهادفة الي تغيير الانظمة ، وهؤلاء بدورهم سايروا حالة عدم الاهتمام واللامبالاة التي سادت لدي العرب والمسلمين حول مصير 6 مليون مسلم دارفوري يعيشون في الاقليم. ان حملة البشير التكتيكية اكتسبت مصداقية مع كل مرة يكشف فيها بوش او بلير عن غطرسته وجهله بالمنطقة. لكن المفارقة هي ان كلا الزعيمين كانا مهتمين بصدق عن دارفور، وعملا علي دفع الاممالمتحدة للتعامل بحزم مع البشير بما في ذلك محاولة الحصول علي منطقة حظرجوي لوقف القصف الروتيني للقري. لكن البشير حاكمهما بنفس المنطق الذي كانا يستخدمانه وسعي الي تقويض نواياهما الصادقة. لقد قام نظام الخرطوم منذ 2003 بتدمير الغالبية العظمي من القري التي يقطنها سكان دارفور من الافارقة السود عرقيا عبر اتباع نهج مزدوج: القصف الجوي من جهة، وتأجير مليشيات عربية محلية بالوكالة للقيام بالاعمال القذرة علي الارض من جهة اخري. وسعي الرئيس البشير للتقليل من حجم العنف، نافيا وجود نية الابادة الجماعية وحاول طمأنة الفضوليين والباحثين الاجانب من ان العنف يرجع سببه ل \"احقاد عرقية قديمة\" ...بالطبع مثل هذا الحديث هو عادة ما يود المجتمع الدولي سماعه لكي يتسني له اتخاذ موقف متوازن من الناحية الاخلاقية وبالتالي يعفي نفسه من مسؤلية القيام بواجب التدخل. ان نظام البشير ما زال يعمل علي الحد من دخول وسائل الاعلام للمناطق المتضررة ويقوم بتهديد وطرد وكالات الاغاثة الانسانية ويسعي الي خلق فراغ معلوماتي في الاقليم. كان وزير الخارجية الامريكي آنذاك كولن باول اخبر مجلس الامن عام 2004 بان الابادة الجماعية ترتكب بدارفور وطبقا لذلك كانت هناك مداولات حول فرض الاممالمتحدة لمنطقة حظر طيران ولكن عندها-عندما بلغت الامور تلك المرحلة- فقدت كل من امريكا وبريطانيا مصداقيتها بسبب تداعيات الاحتلال الوحشي الاهوج للعراق. السؤال المطروح الان، ما هو تأثير حملة الناتو في ليبيا علي السودان؟ علي الرغم من ان المحكمة الجنائية الدولية الدولية اصدرت لائحة باتهام البشير بارتكاب الابادة الجماعية بدارفور ، يبدو من المرجح ان الاممالمتحدة ستقوم بتعليق الاتهام كمكافاة له في تعاونه في السماح بانفصال الجنوب كدولة مستقة في وقت لاحق من العام الحالي. وقريبا ستقوم امريكا بازالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب علي الرغم من صداقات البشير مع بن لادن، واحمدي نجاد بايران وحماس وحزب الله. في الوقت الذي تخلصنا فيه من الانظمة الفاسدة في مصر وتونس، نهرول الان بحماس للاستثمار في قطاع النفط في السودان الذي صنفته منظمة الشفافية العالمية كسابع بلد من حيث الفساد في العالم. وفي الوقت الذي نعمل علي معاقبة ليبيا وغيرها من الاقطاعيات العربية المتداعية، نقترب اكثر فاكثر نحو السودان، تلك الدولة البوليسية التي تقبع في قاع الترتيب( التاسع حسب مؤسسة فريدم هاوس) واحدة من اكثر الاماكن المروعة علي سطح الكرة الارضية. في العام 2004 عندما اجريت مقالبة مع احدي الناجيات في معسكر لللاجئين، وهي سيدة في مقتبل العمر،(سنشير اليها باسم حواء لضمان سلامتها) طلبت مني ان اوصل صوتها للغرب: \"نحن نشكرهم علي المساعدة لكن من فضلك قولي لهم ان ما نحتاجه حقا هو نزع الاسحلة من الاشخاص الذين يقتلوننا\" لكن بعد مرور سبع سنوات من ذلك الوقت ما زالت القنابل تتساقط علي حواء وصديقاتها والمدافع مصوبة نحوهن. ربيكا تنسلي، صحفية وعضو بالمجلس العالمي لمراقبة حقوق الانسان تاج الدين عبدالله- صحفي من دارفور