في السياسة: سيدي الرئيس ، بكل الصدق!! د. هاشم حسين بابكر [email protected] اسمح لي سيادة الرئيس بمواصلة كتابي إليك، ففيه براءة للذمة بالنسبة لي أمام الله، وفي سبيل ذلك سأقولها كلمة حق يرضاها الحاكم العادل ويكرهها المستبد، وسأكتبها في كل الحالات ففيها إن شاء الله رضى المولى عز وجل!! والسياسة كما وصفوها ضربان أو نوعان أولاهما سياسة الإنسان نفسه وبدنه وما يختص به والثانية سياسته نحو غيره من ذويه وأهل بلده، ولا يصلح لسياسة غيره من لا يصلح لسياسة نفسه!! وقد رأينا فارقاً كبيراً بين الذي أُعلن قبل نيف وعشرين عاماً وبين ما نعايشه اليوم، وإذا لم يدرك النظام الذي تتربّع على رأسه ولم تدرك أنت هذا التناقض بين ما هو معلن وما هو معيش فلنرفع الفاتحة على النظام وعلى أمل تبدَّد على مدار سنين طويلة تحولت إلى سنين عجاف!! والمولى عز وجل وضع في محكم التنزيل سقفاً لكل أمر، وحدد سقف السنين العجاف بسبعة «يوسف أيها الصديق أفتِنا في سبع بقرات سمان يأكلهنّ سبعٌ عجاف وسبع سنبلات خضرت وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون» صدق الله العظيم, هكذا حدد الله سقفا للسنين العجاف ألا ترى يا سيادة الرئيس أنك ونظامك تجاوزتما السقف الرباني إلى أضعاف ثلاثة وتزيد، ولا أمل يُرجى في ظهور سنابل خضر؟!! وسبع سمان؟!! لا برامج ولا مؤسسية لمقابلة ما هو قادم ونحن لا نراه إلا أعجف أغبر.. ما هي خطة النظام لمقابلة احتياجات الغذاء؟ هل فكر مجرد تفكير بما فعل يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فقد وضع خطة إستراتيجية أنقذت البلاد من مجاعة دامت سنوات سبع!! هل ما تقدمه النهضة الزراعية يمكن أن يكون خطة لمخزون إستراتيجي يقي البلاد شر سبعة أيام عجاف..؟ ناهيك عن سبع سنوات!! سيادة الرئيس إن سياسة النظام تجاه نفسه ليست هي سياسته تجاه مواطنيه وهنا وقعت الكارثة، ووجب الترحم على الجميع النظام ومن يحكم بسبب هذا التناقض، فالفساد الذي استشرى يليه سوط العذاب هكذا أبان لنا رب الكون وسيده!! لم لا تشكل نظامًا حاكمًا جديدًا يشبهنا نحن ذلك الشعب الصابر المحتسب، الشعب السوداني شعب مؤمن وفي حالة إسلام واستسلام كامل لله ولأوامره الإلهية، ويخشى ما يخشى غضب الله عليه وعدم رضاه، لا يأكل الربا خوفاً من حرب الله ورسوله عليه ولكن نظامك أباح الربا بفقه ابتدعوه له وأضفوا عليه صفة الضرورة، فإذا كان هذا فقهًا فكيف يكون الفقه؟!! وفقه من اضطر غير باغ يسري على حالات فردية، فالذي لم يجد أمامه وفي حالة خاصة جداً سوى لحم الخنزير أو الميته أو ما أُهل به لغير الله، ففي تلك اللحظة الخاصة يباح له أكلها. فهو مضطر!! وإن كانت هذه حالة استثنائية تزول بزوال أسبابها، فالعمل بالربا ليس حالة استثنائية فالذي يتعامل بالربا إنما يأكل السحت وبعدها فليستعد لحرب من الله ورسوله!! وقد أعجزتنا الحركة الشعبية وأُجبرنا على توقيع اتفاقية الاستسلام فكيف بنا بحرب من الله ورسوله القادر على كن فيكون!! حينما نزلت رسالة السماء على نبينا عليه الصلاة والسلام أمر المولى عز وجل نبيه أن يبدأ بأهله..«وانذر عشيرتك الأقربين» ومن ثم أنذر الآخرين.. والله يعلم أن العشيرة تضم حمزة سيد الشهداء وأبولهب تبت يداه، وكل منهما يحاسَب بعمله لا بقرابته لرسول الله صلى الله عليه وسلم!! إن الله يحاسب الجميع فرداً فرداً على عمله أي على سياسته تجاه نفسه، فكيف بذلك الحاكم الذي يحاسب على سياسته تجاه أمة بأكملها! أتدرك أخي الرئيس لو ارتكب إنسان مائة سيئة في اليوم كم عام سيقضي في ارتكاب ثلاثين مليون سيئة، لنحسبها معاً فأنا أتعامل مع الأرقام، يحتاج المرء إلى ثمانمائة وخمسة وعشرين عاماً وعمر أمة محمد ما بين الستين والسبعين!! كتب لي أحد القراء أن الشعب السوداني قام بثورتين فريدتين فكيف لا يمكنه أن يقوم بثالثة؟ وأنا أجيب أن الشعب السوداني آنذاك يختلف كثيراً عنه اليوم، حتى في جنوب السودان لم تكن المطالبة بالاستقلال جادة بل كانت أشبه بالتهديد والابتزاز، أما اليوم فكم حركة تمرد في دارفور وفي كردفان وفي النيل الأزرق وفي الشمال وفي الشرق، آنذاك كانوا على قلب رجل واحد وكانت القيادة شبه موحدة، وكان المواطن في أية بقعة من بقاع السودان يجسد أمامه صورة السودان الواحد الموحد، هل يا ترى سودان اليوم هو سودان آنذاك؟!! الإجابة بلا!! إننا يا سيادة الرئيس حين نلجأ للعالم الخارجي في مثل هذه الظروف يجب أن يكون بيتنا مرتباً سياسياً، وما نجني من اتصالاتنا الخارجية يكون عليه إجماع أو ما يشبه الإجماع، فهل سياستنا الخارجية تتواءم مع سياستنا تجاه أنفسنا وتجاه مواطنينا، والسياسة الخارجية كما ذكرت من قبل هي انعكاس للداخلية، فما دام الداخل خرب، فلا شك أن الخارج سيكون خرباً كذلك فما جدوى الزيارات الخارجية والتي ستعكس ذات الضغوط التي نعاني منها داخلياً!! هذا إلى جانب المخاطر جراء تلك الزيارات، والتي إن حدثت لا قدر الله فإن ما بقي من السودان سينهار ولا حول ولا قوة إلا بالله!! وما لم تنل رضى شعبك فلن تنال رضى الآخرين، فإذا كانت أمريكا قد تخلت عن نظام مصر ونظام تونس ومن قبل نظام الشاه وتربطها بهذه الأنظمة روابط قوية ومتينة لا تقارن بما يربط الصين بالسودان ولا يوجد وجه للمقارنة أصلاً، فكيف يكون وضع النظام إن تخلت عنه الصين وهذا أمر هو الأكثر احتمالاً!! فالصين اليوم تكافح لتكون القوة الاقتصادية الأولى في العالم وليست السياسية وما يربطها بأمريكا اقتصادياً أكبر بكثير مما يربطها بالسودان اقتصادياً وسياسياً، وهذا مايرجح كفة التأثير الأمريكي على الصين بأكثر مما يرجح كفة التأثير السوداني على الصين، لأن المصلحة تقتضي ذلك، والصين تمثل دور الضاغط على النظام فهي بدورها الاقتصادي في السودان مدعوماً بالعزلة الداخلية والإقليمية والعربية والعالمية، يمكن أن تكون ورقة ضغط إضافية تستخدمها أمريكا، فالاثنان لا يتنازعان حول السودان بل يتوافق دور العدو مع دور الصديق في أغرب حالة سياسية عرفتها السياسة العالمية!! سيادة الرئيس رتب الدار أولاً ووظِّف الشارع السياسي ليقف مع نظام جديد يستطيع أن يثبت دور السودان ويعكس قوته في الخارج كما في الداخل، وبدون هذا فالأسفار تصبح عبثاً جديداً على كاهل الدولة ولن تأتي بنتيجة تذكر هذا إذا استبعدنا المخاطر المترتبة على تلك الزيارة!! بقيت أيام قليلة جداً لترتيب البيت وبقي ذراع فأين سيسبق الكتاب؟!!