شئ من حتي أوقفوا هذه الحرب المجنونة د.صديق تاور كافي ٭ ظلت الحرب الأخيرة المفتعلة في ولاية جنوب كردفان حاضرة في أذهان طرفيها اللدودين منذ بداية اتفاقية نيفاشا 5002م، كل حسب حساباته ومخططاته التي لا علاقة لها بوطن او مواطن من قريب أو بعيد. يؤكد ذلك الأداء العاثر للشراكة في هذه الولاية طيلة الست سنوات المنصرمة، وإصرار كل طرف على الاحتفاظ بمحاور ارتكازه الدفاعية ضد الآخر، حتى في الفترة التي وُصفت فيها هذه الشراكة بأنها نموذجية وتستحق أن يُحتذى بها. ويؤكده أيضاً حرص الطرفين على المستوى المركزي (الخرطوم وجوبا) على ترك ملفات حساسة ومهمة عالقة برغم الأصوات العالية التي كانت تحذر من تجاهل ملفات مثل احتمالات الانفصال، والترتيبات الأمنية، والحدود ووضعية القوات المنتسبة للحركة من أبناء الجبال، ووضعية المليشيات التابعة للمؤتمر الوطني والمعسكرات غير النظامية، والمناهج التعليمية وغير ذلك. أيضاً يؤكد الاعتقاد بأن هذه الحرب كانت حاضرة في حسابات طرفيها منذ وقت، الطريقة التي اندلعت بها ومستوى العنف ودرجة العداء الذي ظهر فيها، والذي لم يضع أى اعتبار لما يمكن أن يترتب عن هذه الحرب على مستوى الولاية ومواطنيها، وعلى المستوى الوطني لبقية أهل السودان، وأيضاً على مستوى المعطيات التي تخدم الأجندة الدولية في السودان. ٭ وعلى صعيد مواطن ولاية جنوب كردفان بمختلف مكوناته القبلية والفئوية، فهو يعتبر الضحية الاولى لحرب اللاموضوع التي فاجأته وهو يهيئ نفسه للموسم الزراعي مع بداية الخريف، ويهيئ نفسه لحركة الماشية الموسمية وفق مساراتها التقليدية الآمنة، ويتهيأ التلاميذ وأسرهم لبداية العام الدراسي الجديد وهكذا. ولم يكن أى مواطن يتوقع أن تندلع المعارك داخل الأحياء والأسواق والطرقات. ولم يتوقع أن تُستخدم الأسلحة الثقيلة والآليات والمدافع والدانات بل والطائرات فوق رأسه، بما يضطره الى أن ينجو بنفسه من الموت الذي يأتيه من كل صوب وحدب، دون أن تكون له ناقة أو جمل في ما يدور. وبسبب هذه الحرب نشأت معسكرات نزوح ليس فقط في منطقتي الشعير والكويك القريبتين من عاصمة الولاية (كادقلي)، وإنما في مناطق عديدة أخرى في الأبيض والرهد وأبو كرشولا ورشاد وغيرها، فيما وصلت أسر عديدة إلى مدن أخرى منها العاصمة وكوستي وام روابة وسنار وهكذا، ويعيش هؤلاء ظروفاً إنسانية غاية في القسوة والبؤس لم تكن في حسبانهم بأي حال. الحرب التي اندلعت لم تكن حرباً عادية من نوع الحروبات التي ألفها المجتمع خلال السنوات العشرين الماضية، فقد كانت تلك الحروب خارج المدن وتدور بين الجيوش ولا تستهدف المواطن ومصالحه، أما هنا فقد اختلفت الطريقة تماماً، جثث على الطرقات وداخل المنازل، تصفيات على الولاء السياسي، ملاحقات على الشبهات فقط، حرق للمنازل، ونهب شبه منظم للأسواق والبيوت نهاراً جهاراً، هذه حالة لم تخطر على بال أي مواطن في المنطقة، لذلك مثلت صدمة نفسية كبيرة جداً على المجتمع قبل أن تشكل خسارة مادية وزعزعة للاستقرار. ٭ وما لم يدركه كثيرون أن الحرب في جنوب كردفان تعني لبقية أهل السودان غلاءً فاحشاً وأزمة حقيقية على صعيد الحبوب والزيوت واللحوم والمواد الغذائية الاخرى. واستمرار الحرب يعني عملياً خروج مساحة زراعية قدرها اربعة ملايين فدان من الموسم الزراعي ظلت تساهم سنوياً في تغطية احتياجات مناطق عديدة من السودان للغذاء. واستمرار الحرب وعدم توقفها فوراً يعني أنه بعد ثلاثة اشهر من الآن سوف تكون الازمة مستفحلة في كل بيت سوداني على صعيد الغذاء من حيث وفرة المواد وأسعارها. وهذه مسألة ليست بهذه البساطة، لأنها مشكلة حقيقية سوف تواجه السودانيين جميعاً في الشمال وفي الجنوب. ٭ أيضاً يعني استمرار هذه الحرب حدوث مجاعة محققة في الولاية، حيث أن هناك ثلاثة ملايين مواطن بحاجة الى الغذاء الذي كانوا يحصلون عليه محلياً. وثلاثة ملايين مواطن في جنوب كردفان سوف يواجهون هذه الكارثة التي لن تقدر عليها لا أمم متحدة ولا حكومة ولا ديوان زكاة. ٭ لقد أسهمت شراكة نيفاشا ومعها أزمة الانتخابات التكميلية في خلق واقع جغرافي سياسي شديد الحساسية في هذه الولاية، حيث تقاسمت الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني مفاصل الدولة في الولاية بنسبة 54% الى 55% على الترتيب. كما اتكأت الحركة الشعبية على مناطق نفوذها العسكري والقبلي في الحصول على أصوات الناخبين، وكذلك المؤتمر الوطني. ولذلك فإن المعالجة الأمنية فقط لهذه الازمة، سوف تجر الأمور الى منزلقات الفرز القبلي العنصري على شاكلة الحالة الدارفورية بتجاوزاتها الخطيرة، فاستهداف مناطق سيطرة الحركة يعني عملياً استهداف وجود قبلي معين (نوباوي في الغالب)، ونفس الشيء من الملاحقات الأمنية لمنسوبي الحركة، فليس بالضرورة كل هؤلاء هم طرف في ما جرى، فهناك جماعات قبلية في الريف الجنوبي والشمالي والشرقي والغربي من قبائل النوبة رفضت الانخراط في هذه الحرب واستعصمت بنفسها بعيداً عنها. وهناك مجموعات من منسوبي الحركة هم ليسوا جزءاً مما أقدمت عليه قيادة عبد العزيز الحلو، ولكنهم وجدوا أنفسهم فجأة في موضع الاتهام لمجرد أنهم ينتمون للحركة الشعبية التي لم تستشرهم في ما ارتكبت من حماقة لا مبرر لها. ٭ وعلى صعيد العامل الدولي فهو واضح الأجندة والاهداف، ولا يتردد في استثمار مثل هذه المناخات، وتجربة دارفور أبلغ من الشرح والتوضيح. واستمرار المعارك والعمليات يعني تهيئة الفرص لما يسمى بالمجتمع الدولي لفرض أجندته تحت لافتات حماية المدنيين والتطهير العرقي والإبادة الجماعية وحقوق الانسان، ومجرد تصفح سريع للانترنت حول موضوع كردفان يقود سريعاً الى هذه النتيجة. وما يقوم به المؤتمر الوطني والحركة الشعبية هو فعل مؤذٍ للشعب وللوطن ومخاطرة بمستقبله. ومن الضروري التعامل مع حالة جنوب كردفان بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والدولية قبل الأمنية، وهذا يستوجب الوقف الفوري للعمليات استجابةً لنداءات المواطنين وكل الحريصين على استقرار البلد، والعمل الجاد لعودة الأمور إلى حالتها الطبيعية، وإعمال سلطة القانون على الجميع لا سلطة البندقية. الصحافة