مدير التحرير السابق لصحيفة حزب البشير الرائد شكا وزير الإعلام السوداني أمام البرلمان نهاية الأسبوع الماضي من تخفيض وزارة المالية ميزانية وزارته (60%).. في حين تشكو الدولة من أن صوتها مبحوح في المحافل الدولية، وترمي باللائمة على إعلام الآخر، متمسكة بأفكار لجنة (ماك برايد) التي شكلتها اليونسكو، وقد تحدثت عن هيمنة الإعلام العالمي على إعلام الدول الضعيفة، كما تحدثت عن التدفق غير المتوازن للمعلومة من الشمال إلى الجنوب.. شكوى الوزير تشير إلى أن خلل الإعلام السوداني ليس بسبب إعلام الآخر بقدر ما أنه يكمن في أن الإعلام في السودان في الدرك الأسفل من الأولويات.. لم تكن بأي حال من الأحوال ميزانية وزارة الإعلام السودانية قبل تخفيضها كافية أصلاً، الأمر الذي انعكس سلبا على مجمل المشهد الإعلامي في السودان. الإعلام الرسمي تقهره الميزانية، بينما الإعلام غير الرسمي تقهره إجراءات جهاز الأمن السوداني المتعسفة.. وزير الإعلام والمجلس القومي للصحافة والمطبوعات آخر من يعلم بالإجراءات التي يتخذها الجهاز ضد الصحف وضد الصحفيين.. ما يؤخذ على وزير الإعلام أنه عندما يوقف جهاز الأمن صحيفة أو صحفي، فإنه يبدو مستسلما قليل الحيلة هذا إن لم يكن مؤيداً.. هذه الأيام أوقفت سلطات جهاز الأمن صحيفتي "الانتباهة"، و"المجهر السياسي" بدعوى أنهما خاضتا في الشأن العسكري.. صحيح أن قانون الصحافة والمطبوعات الساري يجد الإشادة من قبل الصحفيين، إلا أن المشكلة في قانون جهاز الأمن والمخابرات الذي يخول لضباط الجهاز إغلاق الصحف تحت طائلة المادتين (24) و(25)د، تهديد الأمن الوطني.. قرارات الجهاز غير قابلة للطعن، بينما قرارات الإيقاف وفقا لقانون الصحافة والمطبوعات يمكن الطعن فيها وإيقاف تنفيذها ريثما يقول القضاء كلمته.. وسبق أن تعرضت صحيفة (الجريدة) للإيقاف من جانب الجهاز واستمر الإيقاف لفترة (4) أشهر وكسبت الصحيفة قضية رفعتها ضد قرار الجهاز، لكن المحكمة لم تستطع أبطال قرار الإيقاف رغم أنها برأتها من التهم التي قذفها بها جهاز الأمن تحت طائلة المادتين (24) و(25) د.. وعاودت الصحيفة الصدور لكنها لم تجد من يعوضها خسائرها خلال فترة الإيقاف التي أبطلت المحكمة أسبابها.. لقد أدهش الجهاز الساحة الصحفية عندما أوقف رئيس تحرير صحيفة الصحافة المستقلة قبل أكثر من شهر بشكل مفاجئ.. وقال النور أحمد النور رئيس التحرير المعني بقرار الإيقاف: إن اثنين من ضباط الجهاز حضرا إلى مقر الصحيفة وأبلغاه شفاهة أن الجهاز أصدر قراراً بوقفه عن العمل فوراً وسحب اسمه من ترويسة الصحيفة وطلب من مجلس إدارة الصحيفة تكليف رئيس للتحرير بالإنابة.. وعزا النور السبب إلى مشادة نشبت بينه وبين ضابط في الجهاز قبل أكثر من عشرة أيام من قرار الإيقاف، حيث طلب الأخير منع نشر خبر بعينه لكن النور قال له إن الخبر المعني تناولته صحف أخرى وليس من العدل حجبه من صحيفة الصحافة وانتهت المجادلة بحجب الخبر.. الجهاز اعتبر ما جرى (إهانة) موجهة إليه ولذا قرر تلك العقوبة.. يشار أن النور ظل رئيساً لتحرير الصحيفة لما يقارب ثمانية أعوام وقد شغل من قبل منصب الأمين العام لاتحاد الصحفيين السودانيين. الحقيقة أن الإعلام الرسمي في السودان ينعته البعض بإعلام الصحاف!! نذكر جميعا محمد سعيد الصّحاف آخر وزير إعلام في نظام الرئيس العراقي صدام حسين.. كان (أرقوزا) يثير الشفقة أكثر مما كان يثير الضحك والأرقوز مخلوق مضحك بلا قيمة.. من منا لم يستغرب الأسلوب والنهج الذي اعتمده الصحاف في مواجهة الآلة الأمريكية الغاصبة، وهي آلة بذراعين؛ عسكرية وإعلامية أتت على الأخضر واليابس.. كان الرجل يقفز فوق الحقائق في عصر ثورة الاتصال.. كان للعراق قضية وكان العراقيون معتدى عليهم، بينما كانت أمريكيا معتدية وظالمة، ومع ذلك خسر الصّحاف ومعه العراق كله المعركة، فلم يعرف الإعلام العراقي والعربي مصيبة مثلما عرف الصّحاف.. والسودان اليوم يشهد هجمة إعلامية شرسة مرتكزة على الأوضاع الاقتصادية والسياسية الهشة، مما دعا البعض يحذر الإعلام الحكومي من نهج إعلام الصّحاف. الشرق