[email protected] رسالة نلسون مانديلا إلى ثوار تونس ومصر : هارون سليمان [email protected] مقدمة: في زماننا هذا هناك من يناضلون من أجل التحرر من الظلم والقهر والاستبداد .. وهناك من يكتفون بتحسين الظلم والقهر عندما تتحدث لغة المصالح وتنسحب الشرفاء من ميادين المقاومة. وفي أيام الثورات الشعبية السلمية تقف الخوف في وجه الحكام عندما يبعث الله الملايين من عباده على غفلة من الدولة وأجهزتها الأمنية ومن جميع المراصد والعيون ، عاصفة بمسلمات الحكام وعابثة بالمبرمج وراء البحار والمقرر في ظلمات الليالي وما نضح النهار......... ما أروع بدايات كل ثورة وما أعظم بعد كل جمعة وكم كان المشهد رهيباً مؤلماً مفرحاً في مقابلة مكر الأنظمة ودهائهم وغبائهم المستعجل وقبل أن يبلغ الثوار مرحلة الهرم الثوري . قعد بي العقل والوجدان والروح والعلم والخبرة والمهنية واللهاث وراء الشاردة والواردة وأنا أنظر إلى الشاشات المحايدة والمنحازة ، قعد بي كل ذلك على فهم حادثة مألوفة كالخبز الذي يصفع آكله من المهد إلى اللحد ، فما معنى أن تحرك صفعة فحريق في جسم محمد البوعزيزي ، فيغضب الملايين في تونس ومصر والبحرين واليمن وسوريا والسودان والمغرب والجزائر والأردن ويكتفي الآخرون سرا في بلدانهم بكلمة الشعب يريد إسقاط النظام وذلك خوفا من أن تحصدهم شبكات الأنظمة أو ترصدهم عيون الأنظمة المنتشرة في منازلهم ومكاتبهم ومدارسهم ومستشفياتهم وأسواقهم وملاعبهم وعلى متن رحلاتهم الجوية والبرية والحديدية ووفي سروج دوابهم وبين المشاة والعابرين في الأزقة . لا تخلو اليوم في دولة من الدول التي بلغت سن حكامها إلى مرحلة الشيخوخة ومراجعة المستشفيات الدورية ، لا تخلو من مظاهر الاحتجاج ولكنهم سرعان ما يعودون إلى كنف الهدوء خوفا من حملات التطهير السياسي والعرقي . في عالمنا الذي تربعت الحداثة المريضة والظلم على قلوب الناس وأصبحت البترول واليورانيوم والغاز وغيرها من المعادن أهم من أرواح الناس أن المادية والأنانية الفردية قد طغت على كل جماليات الحياة الاجتماعية وطغت مصالح الكبار على مبادئ الأممالمتحدة ودفع حب الوطن الملايين من الأحرار نحو ساحات الحرية في بلدانهم لتبدأ الثورة بالكلمات وتنتهي بدماء أو برحيل جبان جاثم في صدور الناس ردحا من الزمان فلا مساعدة إلا إذا كان في بطنك بترول أو يورانيوم أو نفيس آخر ففي كثير من البلدان قامت الحروب والثورات التي تنادي بحقوق الشعوب وإزالة الظلم والتهميش ارتكبت على إثرها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة وتطهير عرقي ضد المدنيين ولكن الكبار في مجلس الأمن ومتخذي القرار كانوا ينظرون إلى ممتلكات من يقتلون في تلك البلدان من المدنيين وما في باطن أرضهم من المعادن لا أرواحهم وسلامتهم ففي دارفور مثلا قتل في النزاع أكثر من ثلاثمائة ألف شخص وشرد الحرب أكثر ثلاثة ملايين وعمليات حرق وتهجير وإبادة مستمرة ولكن كان ومازال مساهمة الكبار والمجتمع الدولي عبارة عن جنود من إفريقيا جنوب الصحراء ومصر وبنقلاديش من اختيار الحكومة قدموا من بلدانهم بحثا عن الرزق من جيب الأممالمتحدة لا لحماية المدنيين أما في مجلس الأمن فلا تعدوا الأمر من شجب وقرارات غير قابلة للتنفيذ .. أما في ليبيا البترول والغاز عندما قامت ثورة صغيرة في بنغازي تحول المجتمع الدولي إلى ناطق باسم الثوار وتحولت سلاح ناتو إلى دفاع جوي للثوار وما خفي أعظم ....وينما نحن نتابع الأحداث كتب نلسون مانديلا رسالة إلى ثوار تونس ومصر لينصحهم في قضايا ثوراتهم فماذا قال ؟. رسالة الزعيم نيلسون مانديلا إلى ثوار تونس ومصر..استحضروا قول نبيكم:اذهبوا فأنتم الطلقاء إخوتي في تونس ومصر أعتذر أولا عن الخوض في شؤونكم الخاصة، وسامحوني إن كنت دسست أنفي فيما لا ينبغي التقحم فيه. لكني أحسست أن واجب النصح أولا. والوفاء ثانيا لما أوليتمونا إياه من مساندة أيام قراع الفصل العنصري يحتمان علي رد الجميل وإن بإبداء رأي محّصته التجارب وعجمتْه الأيامُ وأنضجته السجون. أحبتي ثوار العرب. لا زلت أذكر ذلك اليوم بوضوح. كان يوما مشمسا من أيام كيب تاون. خرجت من السجن بعد أن سلخت بين جدرانه عشرة آلاف عام. خرجت إلى الدنيا بعد وُورِيتُ عنها سبعا وعشرين حِجةً لأني حلمت أن أرى بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد ورغم أن اللحظة أمام سجن فكتور فستر كانت كثيفة على المستوى الشخصي إذ سأرى وجوه أطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن، إلا أن السؤال الذي ملأ جوانحي حينها هو: كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلا؟ أكاد أحس أن هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم. لقد خرجتم لتوكم من سجنكم الكبير وهو سؤال قد تحُدّد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم. إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم. فالهدم فعل سلبي والبناء فعل إيجابي. أو على لغة أحد مفكريكم – حسن الترابي- فإن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل أنا لا أتحدث العربية للأسف، لكن ما أفهمه من الترجمات التي تصلني عن تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس تشي بأن معظم الوقت هناك مهدر في سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء، كما يبدو لي أن الاتجاه العام عندكم يميل إلى استثناء وتبكيت كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة السابقة. ذاك أمر خاطئ في نظري. أنا أتفهم الأسى الذي يعتصر قلوبكم وأعرف أن مرارات الظلم ماثلة، إلا أنني أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب خطيرة، فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج. فاستهدافهم قد يدفعهم إلى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز عادة بالهشاشة الأمينة وغياب التوازن. أنتم في غنى عن ذلك، أحبتي. إن أنصار النظام السابق ممسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد يشكل استهدافها أو غيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن أنتم في غنى عنه الآن عليكم أن تتذكروا أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد، فاحتواؤهم ومسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم إنه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائيا ثم إن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات ما بعد الثورة. أعلم أن مما يزعجكم أن تروا ذات الوجوه التي كانت تنافق للنظام السابق تتحدث اليوم ممجدة الثورة، لكن الأسلم أن لا تواجهوهم بالتبكيت إذا مجدوا الثورة، بل شجعوهم على ذلك حتى تحيدوهم وثقوا أن المجتمع في النهاية لن ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير. أذكر جيدا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني هو أن قطاعا واسعا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد. لذلك شكلت “لجنة الحقيقة والمصالحة" التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر. إنها سياسة مرة لكنها ناجعة أرى أنكم بهذه الطريقة– وأنتم أدرى في النهاية- سترسلون رسائل اطمئنان إلى المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى أن لا خوف على مستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير، كما قد تحجمون خوف وهلع الدكتاتوريات القائمه من طبيعة وحجم ما ينتظرها. تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا ركزنا –كما تمنى الكثيرون- على السخرية من البيض وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم؟ لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع القصص النجاح الإنساني اليوم. أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء" نلسون روهلالا ماندلا هوانتون –جوهانزبيرغ