حديث المدينة حالة.. جنون.. عام..!! عثمان ميرغني لعلكم قرأتم اليوم في صحيفتكم \"التيّار\" خبر المرأة التي ألقت بفلذتي كبدها في بئر السايفون.. طفلان الأول عمره أربع سنوات والثاني شهران.. بذلت الأم جهداً لتوسيع فتحة السايفون.. حتى تلقي بهما في الظلام القاتل.. ومهما كانت التفاسير الرسمية للحادثة. فالحقيقة الشاخصة للعيان تؤكد أنّ الضغوط وصلت بالبعض إلى مرحلة الانفلات والانهيار النفسي الكامل.. الأم مهما كانت حالتها النفسية، قد تؤذي نفسها أو غيرها لكن ليس أطفالها.. فإذا فعلت ذلك بأطفالها فأغلب الظن أنها من باب مظنة (الرحمة).. أنّ الموت أهون من الحالة التي ترى أطفالها عليها.. صحيح مثل هذا المسلك استثنائي وشاذ نادر.. لكنه مثال للحالة (الأسوأ) التي وصل إليها البعض.. بينما ربما هناك آلاف أو حتى ملايين في مرحلة (أقل) قليلاً من الحالة التي وصلت إليها هذه الأم المكلومة. قد تفترضون أنّ ذلك من حصائد الغلاء الكاسح وتعقد المعيشة.. لكن في تقديري أنّ الوجه الأكثر قتامة ليس وجه الغلاء الكاسر.. بل تمدد حالة العطالة في مختلف درجات المجتمع وفي كل التخصصات.. حتى صار من يفقد وظيفته لأي سبب.. كمن فقد حياته بلا سبب.. حتى الأطباء الذين تعاني مستشفياتنا في الأرياف من ندرتهم صاروا في بند العطالة.. إما خريجون في قاعة الطريق ينتظرون سنوات عجافاً لتشرق عليهم فرصة عمل.. أو أطباء عاملون لكنهم عاطلون عن العمل.. لا يتقاضون من الأجور إلا التافه الرخيص، فلا يعملون إلاّ بهمة الأتفه الأرخص.. مشكلة العطالة.. أنها ترفع درجة اليأس ليس عند العاطل وحده بل في فريق كبير يتكون من الأسرة أولاً.. ثم الأهل ثانياً.. ثم المجتمع نفسه الذي ينفث فيه الخريجون غبن يأسهم.. والمواطن الذي يشتكى الغلاء.. هو على الأقل يملك خيار الشراء بثمن أقل بما يناسب فقره أو خياراته المتاحة.. لكن العاطل محروم حتى من نعمة (نقمة الغلاء الكاسر).. فهو بلا خيارات على الإطلاق.. وبمرور الزمن يتحول إلى إنسان آخر شكّلته الظروف والمحن.. قادر على كبت ضميره.. إن لم يكن قتله كلياً.. نحن في حاجة إلى برنامج عاجل لإنقاذ المجتمع من حالة الجنون التي تستشري.. تتفاوت الدرجات ويبقى الجنونُ واحدًا.. فمجنون يغتصب طفلة عمرها شهر واحد.. ومجنون يصعد في (صهريج الجامع).. وآخر يقتل أولاده.. وثالث قد يفعل ما لم يكن بالحسبان أبداً.. مجرد تفاوت في مراحل الجنون. فتح سوق العمل سهل للغاية.. لو تخلت الحكومة عن عقلية (الأفندية) وتركت القطاع الخاص يتمدد في كل الاتجاهات.. وخفضت من شحومها الزائدة بسبب ثقل جهازها البروقراطي (الذي يأكل أكل السوسة والعافية مدسوسة) فتقل الرسوم والجبايات.. التي يبتلع معظمها العاملون عليها.. مثل هذه السياسة تقلل الفساد وترفع من همة المجتمع بالتنافس الشريف.. العطالة.. هي ال(فيسبوك).. الذي سيطيح بالحكومة..!! فالذي يرمي أولاده في (سايفون) لن يكبته خوف الموت أو البطش.. التيار