عبدالله مكاوي [email protected] 1 تمر مصر بفترة مخاض ما بعد الثورة وهي مرحلة في غاية الحساسية ومفتوحة علي كل الاحتمالات وطريقة إدارة هذه المرحلة تحدد مستقبل مصر وتميزت هذه الفترة ومنذ نهاية حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك بوجود نزاع خفي غالباً وسافر أحياناً بين المؤسسة العسكرية من جهة والشباب الذين أنجزوا الثورة وقدموا التضحيات الجسيمة من جهة أخري وشغلت المساحة بين الطرفان المتخاصمان التنظيمات السياسية المختلفة والتي تقترب من كل طرف بما يحقق مصالحها أو يتوافق مع وجهة نظرها علي أحسن الفروض وتعود جذور هذا الصراع لبداية الثورة وتباطؤ المؤسسة العسكرية في حماية الثوار ووقوفها الي جانب الحياد في لحظات يواجه فيها الثوار العزل أسلحة الأمن والشرطة والبلطجية حتي اللحظات الأخيرة والتي أقنعت فيها المؤسسة العسكرية الرئيس مبارك بالمغادرة واستلام زمام الأمور وهكذا لعبت المؤسسة العسكرية الدور الحاسم في نجاح الثورة الشئ الذي اكسبها قدراً من الاحترام وبعض الرضا من قبل الثوار ولكن الإشكالية تكمن في أن المؤسسة العسكرية بهيكلتها الراهنة كانت جزء من النظام الذي ثار عليه الثوار وجميع قياداتها نالوا مناصبهم بضوء اخضر من الحزب الحاكم السابق. لعبت المؤسسة العسكرية دوراً رئيسياً في حكم مصر ومنذ انقلاب الضباط الأحرار علي الملك فاروق مر كل رؤساء مصر عبر بوابة المؤسسة العسكرية الشئ الذي اكسبها الكثير من النفوذ و الإمتيازات وبعد الحروب التي خاضتها ضد إسرائيل وخاصةً انتصارها في اكتوبر 1973 اكسبها المزيد من الهيبة والاحترام. وبعد اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وتأمين جبهة الصراع تدفقت علي المؤسسة العسكرية كميات كبيرة من الاموال الامريكىة واصبح جزءاً مقدراً من هذه الأموال يستخدم في الأنشطة الاقتصادية وأصبحت لها استثمارات ضخمة تحت حماية النظام السابق الذي تداخلت فيه الاختصاصات بتسكين الحزب داخل جهاز الدولة ونالت المؤسسة العسكرية حظها من النفوذ السياسي وأصبح الكثير من الضباط المتقاعدين محافظون للمحافظات وسفراء وخبراء بمراكز البحوث ومدراء للمؤسسات ورجال أعمال وكل ذلك جعل المؤسسة العسكرية تسعي للحفاظ علي مكتسباتها في المرحلة القادمة واخذ ضمانات تمكنها من لعب دور سياسي يقيها شر الحكم المدني من وجهة نظرها او علي الأقل حماية مصالحها. ومن الجانب الآخر يرى الثوار ألا سبيل لنجاح الثورة والوفاء لدماء الشهداء إلا بتحقيق كل مطالب الثوار وعلي رأسها إعادة هيكلة الدولة بما يضمن حق المواطن في الحرية والحياة الكريمة وإتاحة الحريات السياسية وإرجاع الأموال المنهوبة و التعجيل بمحاسبة قادة النظام السابق ممن تثبت عليهم تهمة الفساد وسوء استخدام السلطة وقتل الثوار وانتهاك حقوق الإنسان وإعادة مصر لموقعها الطبيعي كدولة ذات ثقل إقليمي ودور قيادي بعد التراجع المريع لدور مصر بسبب تكلس النظام السابق وسعيه لحماية نفسه حتي ولو علي حساب مصالح الدولة وغياب مصر عن الساحة مكن دول البترودولار من شغل الفراغ لتتقدم المملكة العربية السعودية وحالياً دولة قطر لتقود المنطقة وهي دول لها ارتباطات وثيقة بالغرب ومصالحه، وحتى من الناحية الإعلامية فقدت القاهرة كثيراً من القها لصالح المراكز الإعلامية في دبي وقناة الجزيرة. وكما ذكرنا سابقاً شغلت الأحزاب السياسية المساحة بين العسكر والثوار وهي تغازل العسكر مرة و تعمل علي طمأنة الثوار مرة أخري وحقيقةً وجدت الأحزاب السياسية فرصة ذهبية للالتفاف حول الثورة والمحافظة علي الوحدة والتماسك الذي تمتعت به خلال مواجهة النظام السابق وتحويل هذه الروح لبناء مصر علي نهج المؤسسية والديمقراطية وحق المواطنة للكافة او بمعني آخر تقديم مصلحة الدولة او هم بناء الدولة علي مكاسب السلطة الآنية وامتيازاتها وهو الأمر الذي فشلت فيه هذه الأحزاب خاصة جماعة الأخوان المسلمين مما أدي لتفجر التناقضات الطائفية والاجتماعية والمطالب الفئوية قبل نضوج دولة المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي تعمل علي إتاحة مساحة واسعة للحرية والحوار وحل كل الإشكالات بصورة سلمية، مما أصاب شباب الثورة بالاستياء من التنظيمات السياسية و جعل الكثيرون يتخوفون علي مستقبل مصر وثورتها المباركة خاصةً ونجاح العملية السياسية يعتمد بالأساس علي أحزاب ناجحة وقوية وتملك المرونة والرؤية الواضحة لحل مشاكل البلاد وحل إشكالاتها الذاتية وإدارة اختلافاتها مع بعضها البعض بالتي هي أحسن و إشاعة روح التسامح والقبول بالآخر المختلف بعد الاتفاق علي الثوابت الوطنية التي يحترمها الجميع و بهذه المناسبة أعيد إرسال مادة كتبت قبل ثلاثة او أربعة اشهر ولم تري النور وتجاوزتها الكثير من الأحداث ولكني أعيد إرسالها بتعديل بسيط بسبب ما يحدث في مصر . 2 التغيرات والتحولات التي حدثت في تونس ومصر تشكل نقطة تحول حقيقية في حياة الشعبين التونسي والمصري بل المنطقة بأثرها وهي تمثل كسر لحالة الجمود والاستبداد الذي استمر طويلاً وأصبح يري كحالة أبديه وهي الحالة التي عملت الأنظمة القمعية علي تكريسها وزرعها في عقول وقلوب كافة الجماهير العربية والأفريقية لتأتي الثورات وتبين زيف وضعف وخوار هذه الأنظمة , عملت هذه الثورات كدابة الأرض التي أكلت عصا هذه الأنظمة لتكتشف الشعوب انها لو علمت مدي الضعف والسوس ألذي ينخر دعائم هذه الأنظمة لما لبست في عذابها سنينا عددا. تعمل هذه الثورات علي تغير شكل العلاقة بين الحكام والمحكومين وتنقل الشعوب من دور التهميش والتدجين الي دور التأثير الذي يُعمل له الف حساب ويمثل جيل الشباب وقود هذا التغير وراس رمحه ولكن بالتأكيد وعي هولاء الشباب تشكل عبر التراكمات التي رعتها قوي الاستنارة وأيضا الاتصال بالخارج و التعامل بيسر مع التكنولوجيا وأساليب الحياة الحديثة ولكن أكثر ما يميز جيل الشباب هو انه أكثر تحرر من الحمولات الأيدلوجية التي كبلت الأجيال السابقة وفشلت في إحداث التغير المنشود وأيضا انسداد طرق المستقبل امام هذه الشريحه الحساسه وبالتالي اصبحت اكثر قابلية لفعل التغير والتعاطي معه , ومما يزيد التفاؤل بمستقبل هذه الثورات عكس ما حدث في السودان من ثورات في عامي( 1964 و1985 ) اللتان اجهضتا بسبب عدة عوامل كان من ضمنها الظروف الاقليمية و الدولية المحيطة وهذه الظروف الآن اصبحت اكثر ميلاً لتقبل الديمقراطية وحقوق الانسان ورفض الشمولية والدكتاتوريات التي أضحت من الفلكلور وأحاجي الحبوبات ولكن للأسف ما زال هنالك من يدافع عنها وذلك بدافع المصلحة او الخوف. ولكي تؤتي هذه الثورات أكلها تحتاج للالتفاف حولها وحمايتها والصبر الطويل عليها وعدم استعجال قطف مكاسبها من جميع شرائح المجتمع وهو كما تعلمون اكثر صعوبة من احتمال الدكتوريات لان المرحلة القادمة مرحلة بناء الدولة العصرية علي اسس الديمفراطية والمواطنة وحقوق الانسان ممثلة لكل طوائف المجتمع بحيث يجد الجميع نفسه فيها من غير إقصاء لأحد او فصيل وبذر روح المحبة والتسامح وعلاج كافة المخاوف وبذلك يتولد ويتأسس الولاء للوطن والاحساس بالانتماء الفعلي للمجموعة والمجتمع وهذا لن يتحقق الا بدعائم الحرية والمساوة والعدالة و احترام القانون وهي قيم متداخلة مع بعضها البعض كما تعلمون وهنا ياتي دور المصلحون والنخب المحترمة من قانونين وكتاب وأساتذة جامعات والشباب وغيرهم الذين أثبتت التجارب تمتعهم بالحس الإنساني والنظرة المستقبلية نحتاج للذين يملكون القلوب الكبيرة كما عبر الكاتب الكبير علي سالم في واحدة من مقالاته وذلك لبلورة ووضع موجهات للدستور المصري وشكل الدولة القادمة من غير وصايا او فرض روح أبوية بل بطرح هذا الجهد الإنساني للكافة ليدلوا الجميع بدلوهم. وفي هذه ألمرحلة الحساسة نتمنى أن يرتفع صوت العقل وقيم التسامح ويتقدم العقلاء ويتعقل المتشنجون والمتعصبون لأنهم أكثر خطورة علي الثورة من أعدائها وسد كل المنافذ أمام الاستبداد حني لا تتكرر المآسي السابقة , يجب علي هولاء تخطيط مصر القادمة التي تحفظ الحياة الكريمة لكل مواطنيها ونبراساً تقتدي به بقية شعوب المنطقة وبناء علاقات حسنة مع جيرانها خاصة نحن السودانيون الذين عانينا كثيراً من التدخلات المصرية في شئوننا الداخلية خاصةً وقد وقر في قلب وعقل النخب المصرية من خلال الأنظمة الحاكمة والمناهج التعليمية أن السودان يمثل لهم محمية خاصة وحديقة خلفية وحل استراتيجي لازمات المياه والأراضي الزراعية والانفجار السكاني التي تعاني منها مصر ولذلك فضلوا التعامل معنا من خلال أساليب الاستخبارات والطبطبة والكلام المعسول ولكن تأتي الأزمات وزلات الألسنة لتفسر ما يدور في عقلهم الباطني من أطماع ورغبة في استغلال ثروات السودان واستغفال السودانيين وتمثل مشكلة حلايب اكبر دليل وترجمة فعلية لتاريخ وتراث فرض الوصايا والاستصغار واستغلال حالات الضعف التي يمر بها السودان وفرض الأمر الواقع لكل ذلك نتمنى من النظام الجديد القطع مع الذهنية الاستحواذية السابقة والشروع في بناء علاقات تقوم علي الندية وتغليب المصالح المشتركة والشفافية بعيداً الاتفاقيات السابقة التي تجري في غيبة الشعوب صاحبة المصلحة الفعلية وإقامة مشاريع ذات طابع استراتيجي تحافظ علي الاستقرار وتتطلع لمستقبل مشرق لكلا البلدين.