[email protected] لا شك أن الحكومة القائمة في السودان تمر بظروفٍ لا تحسد عليها، بعد ذهاب البترول وانفضاض الدول العربية الرافدة علناً أو خفاءً. لقد اختفت تلك الأوداج المنتفخة, والألسن اللاذعة الحداد التي تضرب القريب والبعيد في عنجهية أصبحت مثلاً متداولاً بين الناس. فقد أجبرت الظروف الجديدة من ثورات الشباب, وغلاء المعيشة غير المبرر, إلى أن يصمت أولئك. يتخوفون من ثورةٍ شعبيةٍ هوجاء من هذا الشعب, والذي هو نسيج وحده في كل شيء. فعندما يقدم السودانيون على الثورة ليس لأنها موضةٌ أوتقليدٌ للآخرين, وإنما بقناعةٍ ونظرٍ, وهذا لعمري من البديع المحير. ما لاقاه أهل السودان من المعارضة الشامتة لا يقل عما لاقاه من الإنقاذ. ولكلٍ إيجابياته وسلبياته, وإن كانت للأسف سلبيات كليهما أكثر من إيجابياته بدليل الفقر والتخلف الذي يعيشه الشعب إلى يومنا هذا ... فلا يجب أن تأمل أحزاب المعارضة التقليدية(أحزاب ريمة القديمة) أن يكون انتصار الشعب لغير نفسه. واعتقد بتواضعٍ أن الشعب السوداني يفكر في البدائل المتوقعة للإنقاذ, والتي لن يستمر حكمها – بالطبع - للأبد. والخيارات المرئية هي, خيار الأحزاب التقليدية. خيار الحركات المسلحة. خيار الحركات الإثنية. أحزاب ريمة التقليدية مجربةٌ خلال عدة أنظمة سابقة, منذ حكومة الزعيم الأزهري الأولى, وانتهاءً بحكومة عبد الله خليل التي سلمها للجيش في نوفمبر 1959م فيما عرف ظلماً بانقلاب عبود. فحكومات الصادق المهدي التي أعقبت حكومة الأستاذ سر الختم خليفة بعد ثورة أكتوبر 1964م. وأخيراً حكومات الأحزاب في 1986م, التي تسلمت الحكم أيضاً سائغاً من حكومة المشير سوار الذهب الذي تبوأ المنصب إثر ثورة أبريل 1985م. ويلاحظ أن الأنظمة العسكرية بدءً من عبود في 1964م. فنميري في 1969م، فالبشير في 1989م جاءت في أعقاب أنظمةٍ حزبيةٍ فاشلةٍ كادت أن تؤدي بالبلاد إلى الانهيار التام. ولكن الأنظمة العسكرية التي جاءت كترياق يتطاول حكمها وتصل إلى نفس نتيجة الأحزاب, سوى نظام عبود الذي كان أفضلها ولو أمهل وقتاً ربما تغيرت أحوال السودان. فالأحزاب التقليدية أحزاب ريمة القديمة, أخذت ما يكفي من فرص، ولم ترض الشعب تحقيقاً لآماله في حياةٍ كريمة. وكذلك الأنظمة العسكرية كانت أخيب للظن. ولابد أن الحركة الإسلامية بمختلف مسمياتها في العهود السابقة قد أخذت مكانها بجدارة بين الأحزاب التقليدية المعروفة, الأمة والاتحادي والشيوعي. وآن الأوان أن يترجلوا عن مراكب السياسة السودانية, ما لم يتغيروا مواكبين العصر ومتطلباته من ديمقراطية حقيقية وشفافية ... إلخ, وإلا فإن البديل هم شباب الثورة وهم في السودان وجدوا قبل غيرهم من رصفائهم في المحيط العربي. وكانوا أكثر عنفاً وتنظيماً. فما الأحزاب التي بزغت في أطراف البلاد إلا أنويةٌ لأحزاب ثوريةٍ حديثة في كل أنحاء السودان بجهاته الأربع. وقد تمثل في الحركة الأم, الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب, ثم تلتها حركات دار فور, وحركات البجة وثورات المناصير والنوبة. لعل أكثر ما يؤخذ على الحركات الشبابية في السودان إنها مرتبطة بإثنيات أو مناطق أو أقاليم معينة. وهذا ربما اقتضته الظروف ابتداءً، ولكن بعد نضجها سيسلبها كثيراً من صفة القومية, ما لم تعد عنه. ولقادتها أن ينتبهوا لذلك. وأن يعملوا بجدٍ لعلاج تلك الصفة المعيبة. أما أحزاب ريمة القديمة فيكفيها هلاكاً الانسلاخات التي اجتاحتها دون استثناء. ولعل الخير يرجى من المنسلخين, أما الأحزاب الأم أو الأصلية كما تسمي نفسها فتنتهي بانقراض قادتها الديناصورات, الذين عاشوا زمانهم ويريدون السيطرة على زمانٍ هم ليسوا منه في شيء، بتوريثهم لأبنائهم متبعين ذات النهج البائد, ودونك مثالي الإمام الصادق ومولانا الميرغني.