ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    "حكومة الأمل المدنية" رئيس الوزراء يحدد ملامح حكومة الأمل المدنية المرتقبة    الفوز بهدفين.. ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    الحكم بسجن مرتكبي جريمة شنق فينيسيوس    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    التغيير الكاذب… وتكديس الصفقات!    السودان والحرب    الأهلي يكسب الفجر بهدف في ديربي الأبيض    عملية اختطاف خطيرة في السودان    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يعود لإثارة الجدل: (بحب البنات يا ناس لأنهم ما بظلموا وما عندهم الغيرة والحقد بتاع الرجال)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مقهى تم هورتنس الكندي ... فنجان جبنة بي شمالو
نشر في الراكوبة يوم 28 - 12 - 2011


! في مقهى تم هورتنس الكندي ... فنجان جبنة بي شمالو
رقية وراق
[email protected]
احتلت مجموعة صبيات المنضدة المجاورة لي في أحد أفرع مقاهي تم هورتنس المشهورة بجودة القهوة في كندا يقع قريبا من مسكني . أقصد المكان أحيانا برفقة أسرية ضاجة قوامها ابني وابنتي أو بصحبة الأوراق والكتب والأقلام فالكل جلاس في قهوة السيد هورتن بمبانيها المربعة الصغيرة التي تدلك عليها رائحة القهوة المنعشة قبل أن تصلها . بدأ المقهى سيد الاسم بمحل واحد بمدينة هاملتون بمحافظة أونتاريو الكندية في العام 1964 ليصير استثمارا عملاقا في المزاج الكندي المحب للقهوة توسع ليصل الى عدد ألفين ومائتين مقهى في كندا حتى الآن والى مائة وستين في الولايات المتحدة وهو ازدهار لم يشهده مؤسسه لاعب رياضة الهوكي الشهير تم هورتن اذ توفي في حادث سيارة عندما كان عدد المحلات أربعين فقط ليتواصل سفر البن الذي هو دق وحرق ثم انعاش لشارباته وشاربيه الى كل المدن الكندية وليصبح المقهى ظاهرة لها بعدها الاجتماعي بأسعاره المعقولة وخدماته الجيدة والمناخ المريح داخله . يقدم المقهى الى جانب المشروبات الساخنة والباردة أنواع الحلويات المختلفة و من بينها نوع شبيه ب\"ا للقيمات \" السودانية هو ال\" تمبتس\"أو\" لقيمات تم \" ما رأيته في أيدي البائعات والبائعين ومن بينهم نسبة كبيرة من المهاجرات والمهاجرين،يقدم مع القهوة أو يعبأ في الصناديق الصغيرة الا و أكملت من عندي الباقي من روائح التحمير وجمر المواقد وكدح البنابر . تقدم كذلك أنواع الحساء المختلفة الى جانب الوجبات الخفيفة السريعة وتفتح معظم الفروع أبوابها على مدى الأربع وعشرين ساعة ويتزود سائقو السيارات وسائقاتها بفنجان جبنة بي شمالو حرفيا دون حاجة سوى لمد الذراع الأيسر من نافذة السيارة ليكون على حافة نافذة المحاسبة واستلام الطلبات . خدمة النافذة تذكرني بقصة طريفة لأحد أصدقائنا أيام مجيئه الأولى هنا كانت قد أخرجته حالة جوع من منزله في وقت متأخر ليلا بعد أن نام أهل بيته ، فقصد مطعما قريبا أخبره العاملون فيه أن الخدمة تقتصر في ذاك الوقت على النافذة فقط متوقعين أنه يعرف أن ذلك يعني المارين بسياراتهم فقط ،مضى أخونا من فوره صوب النافذة اياها ، غير آبه بصف السيارات المتحرك ببطء دون صعود أو هبوط شخص من أو الى سيارة . حكى لنا أنه ذهب للمحاسبة دون المرور بمكان\" الهتاف\" بالطلبات وأنه كان يلبس الجلابية بيضا _ غير مكوية _ تحت معطف البرد الثقيل وأن أبواق السيارات التي يندر استخدامها في هذه الأنحاء قد قامت قيامتها ضيقا وانزعاجا من الهرجلة وأنه كان يرد صاع التبر م صاعين تلويحا بذراعيه وزمجرة جائعة برلومة : ما قالوا لينا بالشباك ، ياخ ما أهو دا الشباك ، قبل أن يجرجر أذيال الجوع والبرد ويعود أدراجه ربما ليفصل بين زمهرير الدقة والنظام وذاكرة الطابونة .
تقصد \" تم هورتنس \" شرائح اجتماعية مختلفة تشمل الأطفال و الشباب من الجنسين وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ويؤمه الناس لعقد اجتماعات العمل كما أن القهوة المحبوبة ترسل بالحافظات الكبيرة للاجتماعات والمؤتمرات للجهات الحكومية وغير الحكومية ومن بينها اجتماعات الجاليات والمنظمات السودانية المختلفة . ويروج المقهى لنشاطه بتحفيزات من شاكلة ربح سيارة أو مبالغ مالية توجد شارتها مصادفة في حافة كوب القهوة الورقي ويبيع البطاقات المدفوعة الثمن مقدما ليقوم باهدائها من يريد لأصدقائه من جماعة \" أسكت كب \" الكندية . يعلن المحل عن الجديد من انتاجه من خلال شاشة تلفزبونية ملونة تتفنن رأسماليا في حشرلقيماتها ودلق قهوتها في جوفك قيل أن تحشر يديها في جيبك وتذهب بك فعليا لتقف في صف الشراء ، لتعود بالخالق الناطق مما وعدك به الاعلان .
كنت انتبذت منضدة قصية في ظهيرة يومنا ذاك ، وكنت بصحبة خير جليس في الزمان وكنت أود قضاء ساعةأ وأكثر قليلا في مطالعته وأنا بين شأنين يوميين ولكن رياح زميلات المناضد المجاورة اليافعات ما لبثت أن بددت ما اشتهته سفن مزاج القراءة الذي كان رائقا ولكني تمسكت بالبقاء وقلت سأكتب ، والزارعا الله في حجر الصخب تقوم !
كن سبع فتيات في البداية وما لبثت ثامنة ، حادة الصوت ، أن أعلنت عن وصولها بضربة قوية على كتف زميلتها التي كانت توليها ظهرها . احدى البنات تلقي ببقايا وجبتها لأخرى لتلقيها نيابة عنها قي صندوق النفايات . تجشأت احداهن بصوت عال تبعته صيحات شجب مفتعلة بأن ذلك مقرف جدا ، واحدة تطلب من الأخرى أن تتوقف عن مضغ طعامها بفم مفتوح . كن جميعا يرتدين فانلات وسراويل رياضية باللون الأزرق اللامع كتبت عليها أرقام باللون الأصفر بخط عريض ورفعت معظمهن شعورهن وجمعنها أعلى الرؤوس . تراوحت الطلبات بين سندوتشات شرائح اللحم بالطماطم والخص وبين الشوربة مع البسكويت المملح والزبد ومشروبي البيبسي والقهوة المثلجة . تركت احداهن مكان جلوسها فجأة وجلست على الأرض لتكمل حديثها مع رفيقتها . اثنتان تدخلان الآن وتسألان : هل فزتم يا جماعة ؟
ويأتي الرد بلا مبالاة من حوالي ثلاث منهن :
ياا .. نعم ..
توجهت القادمتان الجديدتان نحو البائعات بينما كانت ا لباقيات يضحكن و يتحدثن في وقت واحد بطريقة التحدث المتميزة لشريحتهن العمرية قي شمال أمريكا حيث تسبق كلمة (مثل ) كل كلمتين أو ثلاث في المحادثة ومن عجب انها نفس ما درجت الطالبات والطلاب بالجامعات السودانية من بنات وأبناء اليسار علىاستخدامه : الزول زي بفتكر انو الزمن زي انتهى، مع الفارق الثقافي . كل شئ ممل في نظر عضوات هذا الفريق المنتصر _ للغرابة _ المتفجر ضحكا لكل النكات السريعة المتداخلة التي تفوتني متابعتها الآن ولا تفوتهن رغم أنهن يتحدثن في ذات الوقت ويأكلن ويضربن أكتاف بعضهن وبأقدامهن كذلك .
تنازلت عن مكاني بطيب خاطر وجلست الى منضدة أخرى مجاورة وسرعان ما احتلت مكاني الأول القادمات الجديدات دون أن يشكرنني وكأن ترك المكان لهن أمر مفروغ منه . انشغلت عنهن وبهن بالكتابة وكنت أسمع عبارة \" هذا مقرف \" يتبادلن بها التعليق أثناء الحوارات المتداخلة بين الفينة والأخرى .
_ هل يعرف شخص كم الساعة الآن ؟ أي شخص ؟
لا يرد سوى الصخب ولا تتابع السائلة اجابة سؤالهاالضائع .
انتعلت اثنتان منهما \" شدد \" بلاستيكية باللونين الأخضر والبرتقالي فيما انتعلت الباقيات الأحذية الرياضية بالجوارب الطويلة .
_ انها تشخر !
صاحت احداهن فجأة
_ يااا ( نعم ) ..
لم تحفل المتهمة بالدفاع عن نفسها ازاء الاتهام الذي تدرج ليصبح :
_ انها تفعل ذلك .. كل الوقت .
ثم :
_ يالهي .. رائحة اللحم تفوح منك .. أبعدي وجهك قليلا .
أربع منهن تحركن نحو الحاجز الزجاجي لمشاغبة السائقين والسائقات _ ناس الشباك _ ورأيت علامات الغضب ترتسم على وجه رجل ستيني الملامح وهن يفاجئنه بشارة الرجل العنكبوت ، سبايدرمان ، نكسن البنصر والوسطى وأطلقن الخنصر والسبابة والابهام بعد شد الذراع واشهارها في وجه الخصم، كما يفعل البطل المحبوب ليشل حركة العدوبالخيوط العنكبوتية التي يحيلها سبايدرمان لقيود جبارة تمكنه من الانتصار في نهاية المعركة على قوى الشر . ما ذنب الستيني ليحاصر بخيوط أربع فتيات عنكبوتيات ؟ الله وحده يعلم ، ربما
المرور أمام جمعهن الهائج لتناول القهوة في ذاك الوقت !
وجه امرأة مبتسم خلف مقود السيارة هذه المرة ، امتصت صدمة الوجوه المتلاصقة خلف الحاجز ، لصقها تماما ، بشجاعة وتسامح .
_ ماذا تفعلين ؟ يجب أن نقرع للشبان فقط !
سلطة مراهقة ، ما ساءلة في التكتح ، مزعجة وطريفة ومغيظة واستيلاء غاشم على المكان .كنت أرجو في سري أن تصل قصتي معهن نهايتها بمزاجهن هن والا يتم طردهن من المكان_ وهو ما استغربت لعدم حدوثه _ قبل أن أكمل رصد فصل فوار بالشيطنة والتناقضات لمجموعة تلك الظهيرة .
بدأت احداهن في القرع على الزجاج عند مرور سائق شاب . قابل المهاجم الأمر بابتسامة متسائلة وانفجرت المجموعة بالضحك .
احداهن كانت تحمل منشفة بيضاء متوسطة المقاس على كتفها ، غطت بها رأسها وجزءا من وجهها قبل أن تقول مبخسة لحديث رفيقتهاالذي فاتني سماعه :
_ انت لا تملكين رخصة قيادة أيتها البلهاء !
تلقت صاحبة المنشفة البيضاء الرد مباغتا من المبخوسة عندما انشغلت ، ومنشفتها لا زالت على رأسها ، بعد \"الفكة\" ، العملات الحمراء والبيضاء التي كومتها أمامها من محفظة زهرية اللون ، ضربة قوية على ظهرها و ...
_ تاني قولي لي هبلة !
ثارت الملبوعة دون أن تحرك يديها من كوم النقود المعدنية :
_ ما الجحيم الذي تفعلينه الآن ؟
لوحت ست منهن بالوداع للأخريات ثم مضين صوب شخص كان يحمل صحيفة وكان وجهه يتلون بين الفينة والأخرى بأحمر الامتعاض والغيظ وهو يضطر لتغيير مكانه المرة تلو الأخرى كلما توسعت مصالح الحلقة الصبية ولم أعرف أنهن كن يتابعن تأففه منهن الا عندما اتجهت المجموعة المودعة نجوه في طريقها للخارج . حركت واحدة منهن أصابعها أمام جبينها بحركة الباي باي ، بينما مسحت الأخريات دموع وهمية على الخدود تبعتها التنهدات التمثيلية وضم الشفاه ببكاء كاذب حزنا على فراق من نكدن عليه فنجان جبنة أوقعه الحظ ذاك اليوم ، بي شمالن !
تعالت الضحكات ممن تبقين جواري دونما سبب واضح ، ونهضن دفعة واحدة للخروج ، دونما سبب واضح أيضا ، لفاصل الدقائق القليلة بينهن وبين زميلاتهن اللاتي سبقنهن :
_ انتهينا .. يللا
قالتها صاحبة المنشفة قبل أن يتحرك الجمع نحو الباب !
وداعا أيتها المشاكسات الأنانيات اللطيفات ، وداعا أيتها المراهقة المنفلتة هذا النهار !
_ يبدو أن كارثة قد حدثت هنا .
خاطبني رجل يبدو عليه مظهر عمالي أتى صحبة زميله الذي يشاركه الزي بعد أن طافا بعينيهما على المكان وكل منهما يحمل قهوته في يده ويحاول أن يجد مكانا للجلوس .
قلت وأنا أضحك : بالفعل !
جلس الهدوء الخمسيني مكان الرياح التي ثارت ثم رحلت وتركت مقاعد السيد تم هورتن هازئة من تزاحم الأضداد !
يتطلع الكهلان كل منهما نحو الآخر لثوان بعد اكمال كل جملة قبل الرد كمن يزن رأيه قبل أن يدلي به .
_ لدي ابن أخ يعمل مديرا لقسم في هذا المصنع القريب .
_ حقا ؟ انه محظوظ .
_انه كذلك فعلا ، لقد أن أنفق أخي وزوجته كثيرا على تعليمه . أنا وزوجتي لم نتمكن من فعل ذلك لابننا .
_ ول.. ( طيب ) ، هل يساعدهما الآن ؟
_ لست متأكدا من ذلك _فلأكن أمينا معك _لم أتحدث لأخي منذ مدة .
واستمرت المحادثة مرتفعة الصوت دون مبالغة ، لتعرج على الفرق الرياضية وحالة الطقس ودفع الفواتير .
حضرت احدى العاملات وقالت غاضبة :
_ أكره هذا ، أين المكنسة ؟
كانت حريصة على التعبير عن حالة غضبها أكثر من حرصها على التنظيف . أحضرت مكنسة بيد خشبية طويلة ثم ألقت بها جوار المناضد المجنونة وهي تتنهد :
_ حتى هذه لن تنفع !
حان موعد التزامي بشأني اليومي وتركت المكان وجمهوره _ غير المعتاد في حالة المجموعة الأولى _ لتحتل جوانب نفسي صورة أخرى ، يغذيها مزيج الواجب والحنين بعد أن عز التواجد في الزمان والمكان ، صورة ست الكدح والشاي السودانية . دا شاي ودا شاي ، تم هورتن بدأ صغيرا وكبر في مزاج القهوة الكندي وست الشاي بدأت كبيرة بموازين المسؤوليات الأسرية ولكن كدحها لم يرتبط بعد بمقامات الفخر والتشجيع والمساندة . طعم شاي سوداني مميز بين جمهوره المحب ، سكر تقيل ولا يهمك ، فمراعاة الوزن تتكفل بها خافضات أخرى له ، نظافة وذوق واحترام وأكشاك تكفل الحماية للبائعة والراحة للشاري ، هل هذا كثير على رزق شريف ووله سوداني بالشاي الذي نرتمي بالاعياء ونقص الطاقة وعكننة المزاج ان لم نجده بمتناول الانوف والأفواه شما و ذوقا ورضا وعدلة راس ؟
فالت الشايقية الشاعرة بعد أن تراكمت عليها الديون في درب الشاي والعوازيم ، قالت والشاي والصحبة راميات راسا:
تقطر عيني دار تبدا هولا
وحنت لي شراب الشاي أب جرورة
وتعزم فوقو كونو مسوا هولا!
هل للدولة أن تبادر بدعم يحترم الكرامة والكبرياء في تحويل النساء للشاي لشهادات أبناء وبنات مدرسية ولمبالغ مالية تؤمن ايجارا يأوي اخوة وأخوات ، وثلاث وجبات يومية تكفي ذل الحاجة والسؤال؟
لم \" الكشة \" مقابل التشجيع وتطوير الظاهرة ، ظاهرة ست الشاي الاقتصادية الاجتماعية وجمهورها ؟و أستثني في حنيني واهتمامي المتعدين على الحدود بمد اليد أو اللسان على صاحبات المقهى الصغير ، المنتشر حاليا تحت ظلال الأشجار والزوايا ، والذي يشكلن بجلستهن فوق المقاعد القصيرة بنيانه وعامليه وعاملاته ومحاسبيه ومحاسباته ونوافذه وأبوابه وحراسه وحارساته ، مقدرة كبيرة على الجمع بين أكثر من أربعين من القدرات بالعدل ، أولى قدرات ست الشاي الادارة والمحاسبة والتركيز وأهمها حماية النفس ومعدات العمل _ التي من بينها موقد الجمر _ من فجائيات الهجوم .
عندما كنت طالبة بجامعة القاهرة فرع الخرطوم ، في فترة قبيل منتصف الثمانينات ، كنت أتصور اننا كطالبات وطلاب مهمومات ومهمومين بقضايا الشعب من خلال التنظيم السياسي وقتها ، كنت أتصور أننا خير من يتفهم أوضاع بائعات الطعام المتواجدات يوميا أمام بوابة الجامعة الى أن أتى يوم سمعت فيه شقيقتي الكبرى آمنة ، والتي دخلت الجامعة بعدي بسنوات وتلك قصة أخرى ، سمعتها تعتذر لشقيقتنا الصغرى هاجر ، والتي كانت تستعد لامتحان المرحلة المتوسطة ، عن تأخرها في ارجاع كتاب مدرسي من الخالة بائعة الطعام . لفتت نظري المحادثة وسألت آمنة عمن استعارت لها كتاب هاجر فردت علي بأنها فلانة وسمتها بالاسم وأوضحت أن الخالة تربطها بها علاقة جميلة وأنها لم تتمكن من شراء كل الكتب فكان ما كان من أمر التبادل الذي سمعت طرفا من الحديث عنه . عندما توفيت الخالة فجأة حزنت عليها شقيقتي حزنا دفع بأمي وشقيقاتي وجارتنا للذهاب للعزاء مع أختي رغم أن أي منهن غير آمنة لم ترها أو تعرفها . آمنة لم تنتم لتنظيم سياسي في حياتها قط ولم تحضر الاجتماعات المطولة ولم تتلق تدريبا في مدارس الكادر ولكنها ادارت صلة مميزة وسط الآلاف المؤلفة من طالبات الجامعة وطلابها بالمحبة والاهتمام بالشأن الأسري الأهم الذي دفع بالخالة البائعة للعمل : الكتاب المدرسي وبقية منصرفات الدراسة للأبناء والبنات . توقفت كثيرا عند هذه الروح العملية المفعمة برسالة الندية والتآزر . قلت لنفسي بعتاب : نحن ما عملنا كدة في التنظيم السياسي في الجامعة . وراجعت أني طوال المدة التي كنت أرى فيها البائعات لم أكن أعرف اسم أي واحدة منهن وكنت أخمن فقط أنهن ربما يسكن جميعا منطقة قشلاق البوليس التي تقع فيها الجامعة . ولم أتذكر أن كدحهن كان ضمن مقترح ترقية لعملهن في أنشطتنا بجمعية المرأة داخل الجامعة وهن على مرمى حجر منا . وددت من ذكر القصة تثمين الفردي المنخفض الصوت والانتباه له وسط أصوات المايكروفونات العالية و ونقد الشعور بالرضا عندما نتصور أننا نقوم بالواجب كلو علي بعضوطالما اننا أعلنا انحيازا عاما لجهة الكدح لا يجد وقتا للتفصيلي والشخصي في حياة الناس حتى لو كان قريبا بائنا . وددت أيضا حفظ ظاهرة ست الشاي من جانبي من التضامن في حدود الصورة الفولكلورية الجميلة فحسب ، للانتقال لحيز العملي المباشر بتوفير الأكشاك بدعم الدولة ومحبة الأفراد وحدب منظمات المجتمع المدني .
هل لك في فنجان جبنة بي شمالا ، ست الشاي ، وهي تدير مقهاها الصغير ؟
ان تحقيق حلم كهذا، في ظني، يسوى عندها ، الدنيا بي حالا !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.