تراسيم.. أسرار بنك السودان !! عبد الباقي الظافر التقاليد الراسخة تمنع رئيس القضاء في السودان من افتتاح مكتب محاماة.. حتى قضاة المحكمة العليا يحتاجون لبعض الوقت ليتحولوا من القضاء الجالس للقضاء الواقف.. قانون المحاماة السوداني يمنع أياً من المحامين من المشاركة في أي قضية سبق للمحامي المحدد الاطلاع عليها وقت عمله كقاضٍ أو مستشار قانوني. هذه القيمة العدلية لم تتوفر في قانون بنك السودان المعدل للعام 2006.. القانون لم يضع قيوداً على مستقبل من يشغل الرجل الأول.. محافظ بنك السودان السابق صابر محمد الحسن تم تعيينه قبل أيام مديراً لفرع بنك صغير في السودان.. صابر الذي قضى في منصب رئاسة بنك السودان ستة عشر عاماً يتحول لمدير فرع لبنك أجنبي.. تسعة أشهر فقط فصلت بين المحافظ الذي يرأس بنكاً مركزياً والمدير الذي يدير فرع بنك رأسماله خمسون مليون دولار. مهمة الرجل الأول في أي بنك مركزي عظيمة.. في مصر أخت بلادي يعامل رئيس البنك المركزي بدرجة نائب رئيس وزراء.. في أمريكا يختار رئيس الدولة فرداً من شعبه لمهمة رئاسة بنك الاحتياط المركزي.. الاختيار لا يصبح ساري المفعول إلا بعد إجازته من مجلس الشيوخ.. رئيس البنك المركزي الأوربي لا يمكن إقالته من منصبه إلا بحكم قضائي.. في سوداننا الحبيب رئيس الجمهورية يختار محافظ بنك السودان.. لا أحد من عامة الناس يعرف المخصصات المالية لشاغل المنصب المهم. الفترة الزمنية القصيرة الفاصلة بين صابر المحافظ وصابر المدير تجعله مطلعاً على كثير من تفاصيل العمل المصرفي في السودان.. حسناً.. سيقود الدكتور صابر محمد الحسن بنكاً أجنبياً لينافس مصارفنا الوطنية.. معلوماته كمحافظ سابق لبنك السودان تتيح له امتيازاً يضرّ بمبدأ التنافس الحر بين المصارف. الدكتور صابر محمد الحسن قامة اقتصادية ونافذ سياسي في الحزب الحاكم.. عطفاً على هذه الخلفية متاح له ممارسة نفوذ كبير على كل طاقم بنك السودان.. معظم قادة المصرف المركزي تقلدوا مهامهم إبان الفترة الطويلة التي قضاها الحسن في بنك السودان.. من قوة نفوذ صابر أن رحب مساعد رئيس الجمهورية جلال الدقير بتقلده منصبه الجديد مديراً لفرع البنك الأهلي المصري بالسودان. لن تدركوا أن هذا الوضع غريب جداً إلا إذا استخدمتم الخيال.. تخيلوا لو أن مدير المخابرات السابق صلاح قوش مضي إلى ما وراء البحر وعمل مستشاراً أمنياً لمدير الاستخبارات السعودية.. أو أن رئيس هيئة الأركان بالجيش السوداني كون شركة خدمات أمنية لإمداد الجيش الشعبي في دولة جنوب السودان بالعتاد العسكري. مطلوب بأعجل ما تيسر وضع قيود قانونية تفصل بين حياة شاغل المنصب الدستوري والحياة العامة.. لا يعقل أن يقفز أي مسئول من المنصب العام ويكون شركة خاصة كما فعل وزير المعادن السابق الدكتورعبدالباقي الجيلاني الذي يترأس شركة خاصة تعمل في التعدين.. أو الدكتور صابر الذي تحول من محافظ إلى مجرد موظف كبير في بنك صغير. التيار