قراءة تانية الحديث الذي لم ينشر السر قدور في بعض الاحيان ،بل وفي كثير منها اذا كنت من الشخصيات العامة ويأتي إليك صحفيا محترفا او هاويا ليحاورك ولكنك تشعر منذ الوهلة الاولى انه يريدك ان تقول له ما يريد هو لا ما تريد انت . وان لديه اهدافا وأفكارا رتبها مسبقا ،وهو يريد منك دعم هذه الافكار ويحاصرك لا لتعبر عن افكارك انت وإنما لتذهب معه الى ما خططه وما يفكر فيه فتصبح مناصرا لا محاورا . ... حضر الى مكتبي في شارع فؤاد بالقاهرة قبل سنوات صحفي اجنبي بصحبة شاب يقوم له بعمل المترجم، وعرفني الشاب بأن الرجل صحفي امريكي ومقيم في المانيا، وانه يجري حوارات مع السودانيين في مصر . وللوهلة الاولى اعتقدت ان الحوار سيكون عن مجال نشاطي وهو الفن ، ولكن الصحفي فاجأني بسؤال لم اتوقعه، وكان نص السؤال هو . ما هي اسباب هجرة اللاجئين السودانيين الى اسرائيل ؟؟ وتمهلت قليلا حتى استوعب اهداف ومرامي السؤال .. واجبته بأن ما يجرى ليس هجرة ،وإنما هو هروب بطريق غير شرعية يقوم به بعض اللاجئين سودانيين وغير سودانيين .. والسبب في ذلك خديعة كان هؤلاء فريسة لها عندما ابلغتهم الجهات المسئولة عن امور الهجرة بأن فرصهم اصبحت شبه معدومة، بل هي معدومة بالكامل .. اولا لان الدول الاوروبية قد اغلقت الابواب امام المهاجرين لأسباب سياسية وأمنية، وأنها تعمل الآن للتخلص من الذين وصلوا اليها .والسبب الثاني هو ان الاحوال في السودان قد استقرت بعد توقيع اتفاقيات السلام ونصحتهم بالعودة الى الوطن .. ولان بعض هؤلاء كان مصرا على الهجرة فقد اعطى اذنه وعقله لمن خدعه بأن امله سيتحقق حتما اذا ( تسلل ) الى اسرائيل، لان علاقتها قوية بأمريكا ودول الغرب، وهذه العلاقة ستفتح ابواب الهجرة لمن يذهب الى هناك .وهكذا وبتأثير هذه الخديعة تسلل البعض الى هناك ولم يجدوا إلا السراب، وصاروا في محنة .هرب البعض منها الى الاردن وبعد ذلك الى بعض الدول العربية المجاورة ولازال البعض يبحث عن مخرج . ومع ان الرجل وقد بدأ من ملامحه انه قد أيقن بأني لن اذهب معه الى ما يريد، ولكنه فاجأني ايضا بسؤال آخر: ما سبب انتشار ظاهرة بيع الاعضاء بين اللاجئين السودانيين ؟؟ . فقلت له ان هذه اشاعة وأكذوبة، وأنا اعيش في مصر ولم اسمع عنها إلا من بعض حالات التبرع بين الاقارب ... واردفت :اما امر البيع فلا صلة له بجنسية من يبيع، وإنما له صلة بحالات الفقر في كل انحاء العالم ،وان في بلاده يشتري الاغنياء اعضاء الفقراء الامريكان. وهنا اغلق الرجل الحديث واتجه مسرعا الى المصعد قبل ان يكمل فنجان القهوة الذي طلبه . تذكرت هذا وأنا اتابع على التلفزيون نقاشا حول خبر صحفي عن موضوع بيع الاعضاء ،وهو احد الاخبار المشبوهة التي كان يسعى الى الحصول عليها ذلك الصحفي الاجنبي ،وليس لها من هدف إلا تشويه سمعة السودان ،وعلينا ان نكون اكثر حرصا وتصديا لها . الراي العام