رأي الشِعْبَة المسوسة وراكوبة «حزب الأمة» المُشلَّعة د.الوليد آدم مادبو يحاول كبارات حزب الأمة عبثاً النفخ في جسد الحزب لإحيائه حتى يقوم بدوره الوطني، وهم لا يكادون يلحقون بمرحلة حتي تفوتهم أخرى، فمن طور الإصلاح المؤسسي إلى طور الإصلاح المبدئ مرحلة، ومن الأخيرة إلى طور المراجعة الفلسفية والفكرية مرحلة تتطلب الآتي: فصل السلطة الزمنية من السلطة الروحية. ثانياً، هدم البناء الحزبي المتآكل وإعادة تقويمه على أسس فدرالية تدعم إمكانية تطوير الذات الثقافية والنأي بها عن التبعية. «وإذ أن القش متعفن، والشعبة مسوسة، والتعاويذ فاسدة، فقد وجب نقل الراكوبة، وتغيير مواد البناء وتبديل التعاويذ والأدعية بحيث تخدم غرض التنوير وليس التضليل». ثالثاً، مراجعة الاستراتيجيات وعقد أخريات من شأنهن أن يستدفعن الوسط نحو مستقبل ليبرالي وتقدمي. وفي هذا أود أن أقول إن التحالف مع يسار الوسط «الاتحادي الديمقراطي، لا يهم أن كان أصلاً أو فصلاً» أجدى من التحالف مع اليمين الذي لم يفعل أكثر من استخدام حزب الأمة مطية لتحقيق اهدافه. ولنعلق على هذه النقاط الثلاث بالترتيب. إن فكرة المهدية التي يعتقد البعض أنها خرافة شيعية إلاَّ أنها نجحت كأيديولوجية في مركزة القضية وتأسيس هرمية أصبحت من بعد هرمية عرقية. فلا يمكن الفكاك من هذا المطب دون التعرض بالنقد إذا لم نقل النقض للفكرة المحورية: فكرة العنصرية. إن السيد/عبد الرحمن المهدي رغم ارتباطه الأثني بغرب السودان إلاَّ أنه لم يجد بداً من تعيين جميع مديري المشروعات في الجزيرة دونما استثناء من أقاربه الدناقلة «الذين لقبوا ب «الأشراف»، لأن تعيين أي غرباوي مهما بلغ من تميز في موقع إداري من شأنه أن يحدث شرخاً في بنية الهرم العرقي. وبالقدر الذي دعمت فيه المهدية فكرة الوطنية، فقد أفقرت الريف معنوياً، خاصة دارفور لأنها لم تسمح لها بالتمدد خارج إطار «الحضرة النبوية». ولا تعجب إذا علمت أن أي خلاف سياسي مع شخصية المهدي «محمد أحمد عبد الله سوركتي» كانت تحسمه الحضرة النبوية التي تقضي أحياناً بقتل المعارض السياسي، دونما توفر لأدنى البينات «راجع إبراهيم فوزي، الخرطوم بين يدي غردون وكتشنر». أمَّا المناكف «الذي لم يصل إلى درجة المعارض» فهذا يقتل حتماً، بل يتم الدخول على زوجته «الجميلة» أحياناً قبل أن تتم العدة. والأمر الذي لم يجرؤ أحد على قوله من السلفيين في حادثة التكفير الأخيرة هو أن الكهنوت لم يتسم فقط بالكذب، إنما استمد مشروعية الكذب من الجد الكبير. والفرق بينهما أن نجاحات الجد السياسية قد غطت على إخفاقاته الفقهية، أما فشل الأخير في تحقيق أي شيء إيجابي في إطار الحياة العامة، قد أبرز جلياً إخفاقته الخاصة. إن هذه المشروعية ذاتها قد انسحبت على مذهبية الرق الديني الذي مُورس في الجزيرة أبا، مما أدى إلى إفقار الغرب مادياً بعد أن استهلكت سواعده الفتية. إن تضافر هذين العاملين، الفقر المادي والفقر المعنوي، قد خلف فراغاً ثقافياً استغلته الإمبريالية الإسلامية «التي كانت بمثابة المهدية الثالثة» في تفعيل التناقضات الإثنية ومن ثم ضرب إمكانية التماسك الوجداني لغرب السودان. بعد أن استنفدت المجموعات الأيديولوجية بالمركز مشروعاتها الفكرية، أصبح من الممكن انعتاق الوسط من الخرافة بفضل ما حققته التحالفات السياسية الأخيرة من تمايز عرقي ولوني. وتخيل أن أهل دارفور «يتضمن ذلك كردفان بتنا البكر» قد قاتلوا للكهنوت، زرعوا وصوتوا له، فلَّما أصابتهم بلوى واحدة وإن كانت كبرى لم يستطع أن يساندهم فيها ولو مساندة معنوية، بل آثر الوقوف إلى جانب أولياء نعمته من مطلوبي العدالة الإلهية مستخدماً منطقاً عرقياً مفاده «نحن ما بنجر جلدنا في الشوك!» أقول لكبارات حزب الأمة، إن هذه الأسرة لم تراع ما قدمه ذوونا من تضحيات فلاذت بالفرار يوم أن تقدم العسكر لاستلام الخرطوم، فواجبكم تجاوزها إن كنتم جادين وإلا تجاوزتكم الجماهير. «قال لي أحد المخضرمين إنهم ظلوا متمسكين بالحزب خوفاً من تخلي أهلهم عنهم، وإذ بهم يفاجأون بأن أهلهم قد سبقوهم في التخلي عن الخرابة، تلك التي يقطنها الرجل وبنيه. بئس المثقف، ذاك الذي لا يملك رؤية استباقية للأحداث!» ما الذي يعجبكم في «أبو رغال»؟ أليس هو وزير داخلية الديمقراطية الذي هربته الإمبريالية الإسلامية وبالمطار؟ كلموني عن بقية الأسماء القدسية التي لم تحقق يوماً غير الخذلان للدين والتراجع عن مبادئه. فسأفتيكم بضرورة محاسبتها فور الانتهاء من هذه المرحلة الحرجة، لأنها من أعانت على الحريق. إن الإنقاذ، حسب قول أحد النبهاء، جاءت لتنقذ الطائفية من تناقضاتها، وهي إذ تساندها اليوم في محنتها إنما ترد لها الجميل. إن التحالف بين الطائفية والإمبريالية الإسلامية هو عبارة عن لحظة انفراج متوهمة يستنفر كل منهما ما تبقى له من رصيد عاطفي لدعم أحبولة الإفك. إن الطائفية قد حددت موقفها، فهلا اختطت المجموعات الإصلاحية لنفسها مكاناً سوياً أم أنها ستظل «ممسكة بدبرميت» كما يقول المثل؟ أحياناً ما، أقول بالقدر الذي يكتسب فيها تجمع هؤلاء أهمية فإنه لا قيمة له من الناحية العلمية. توحدوا أو تفرقوا فقد تجاوزتكم الأجيال والأفكار. إن أكبر جريمة ارتكبها الكهنوت، أكبر من تسجيله «دار الحزب» بيتاً لأبنائه مستخدماً تبرعات وشقاء المغتربين والمحسنين، هو ظنه أن الرجال استمدت تاريخها منه. «إذ ظل جلهم «مريل شايل الركوة» مُسجلاً بذلك أكبر سرقة أدبية في كتاب التاريخ. إن الذي يغري الكهنوت بالاستبداد هو أن نفراً قد قنعوا من المجد برخيصة «فشالوا طرف عباءته». مثلاً، لو أن آل الخليفة عبد الله التعايشي قرأوا التاريخ قراءة واعية ونظروا إلى جغرافية الحزام السوداني، ما سعوا يوماً إلى استمداد شرعيتهم من الكهنوت، لكنه الجهل بالجذور إذا لم نقل التنكر لها. إنني أقدم الدعوة لهم للذهاب في رحلة استكشافية من الفاشر شرقاً إلى سنار، ومنها غرباً حتى إنجمينا، وأتحدى أن يفوتهم فريق، حلة أو بادية لا يجدون فيها أهلاً لهم من بديات، رزيقات، عريقات، حيماد، تنجر، داجو، قرعان، ولاد راشد، سلامات إلى آخره من الكرماء الذين لا يحتاجون إلى شيء قدر احتياجهم إلى قيادة وفية. فلماذا تضييع الوقت في انتظار هذا الأرجوز؟ هل نسي أحفاد الخليفة عبد الله أن اضطهاد الإنجليز لهم كان بإشراف شخصي من السيد/عبد الرحمن المهدي، أم أن مكوثهم في البندر وتزاوجهم من الحائين قد خفف من محلول دمائهم النابهة؟ يعذر إنصاف المثقفين الذين يتحورون الكهنوت ويتقاذفون من على حوليته التي تقام كل عام، لأنهم لا حيلة لديهم، أما نحن ملوك البوادي السودانية فما بالنا نبدو كنسر يخطف آفة. كقمرِِ مرتقبِِ يطلّ من عجائب.. كهَاَلِة من أمان.. تمر على الخرائب.. كسِدْرَةِِ عَصيِةِِ على الأَدْعِيَة والشيطانُ غائب.. كالبكاءِِ وأنين ِ المَغَارب.. كالمشيئةِ تتجلَّى في مستقرَّها.. يبتسمُ وجهُ الإله ولكنَّ وجهَ الإنسانِ شاحب أيّ فؤادِِ لا تُدْميهِ المَسَاغِب.. أيّ فؤادِِ كبابِ هذه الجنَّةِ.. مُواَرَب كالمغلوبِ على أمره.. «د. قرنق توماس ضل، سفر المرآيا «ص:14.15» ختاماً، يزعم بعض أبناء الآلهة أنهم لا يريدون تغييراً عسكرياً، الحق أنهم لا يريدون مطلق التغيير لأنه لا مستقبل لهم في ظل ديمقراطية فيدرالية هي اليوم مطلب الريف السوداني، وقد يئسوا من إمكانية الرجوع الى الديمقراطية الدينية التي كانوا يمارسونها. مضي وقت الكهان وجاء وقت الشجعان الذين لا يكتفون فقط بتدمير أركان الدولة القيصرية، إنما أيضاً اقتلاعها من جذورها. الصحافة