قراءة تانية ووضع الندى في موضع السيف ...! السر قدور (ملكال .. مرة أخرى )) كان هذا هو عنوان المحاضرة التي ألقاها أحد قدامى الإنجليز وكان من موظفي الإدارة البريطانية في مديرية أعالي النيل قبل الاستقلال ، وكانت المحاضرة ضمن فعاليات (( أسبوع السودان )) الذي نظمته جامعة (( درم )) البريطانية بالمشاركة مع (( مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بأم درمان )) وكنت أحد أفراد وفده إلى ذلك الأسبوع ، وفي تلك المحاضرة أبدى الانجليزي العجوز أسفه للحالة التي أصبحت عليها مدينة ملكال عندما عاد إليها بعد نصف قرن من مغادرتها قبل الاستقلال ، وقال إن التمرد والحرب قد أضرت ضرراً كبيراً بإقليم الجنوب وكانت السبب في تعطيل تقدمه وتوقف التنمية الاقتصادية والبشرية فيه وخاطب بعض أبناء الجنوب الذين جاءوا للمشاركة في الأسبوع مبديا اعتراضه على دعوة بعضهم للانفصال وقال إن الجنوب سوف يتضرر كثيرا ً إذا حدث ذلك . بعد ذلك بعامين وفي لندن وفي جلسة في منزل رجل الأعمال السوداني حسن تاج السر ضمت العديد من الضيوف كان من بينهم سفير السودان في لندن حسن عابدين والوزير السابق بونا ملوال والأديب الراحل الطيب صالح و محمود صالح عثمان صالح والمرحوم الصحفي محمد الحسن احمد وأحد الشخصيات الانجليزية المهتمة بتاريخ وأحداث السودان .. في تلك الجلسة أبدى الضيف الانجليزي ملاحظة عابرة وعميقة جداً عندما قال انه لا يفهم كيف يحمل أبناء الجنوب السلاح لمحاربة أبناء الشمال وفي نفس الوقت فإن أبناء الجنوب الذين يهربون من نيران وويلات الحرب لا يجدون مكانا آمنا يهربون إليه غير الشمال الذي يحاربه بعضهم !!!. وهؤلاء الذين تحدث عنهم الرجل الانجليزي هاهم الآن قضية الساعة في السودان فلا حديث إلا عن توفيق أوضاعهم بعد أن تنكرت قيادتهم لشعار الوحدة الجاذبة وذهبت إلى خيار الانفصال فأصبحوا منذ شهر يوليو الماضي مواطنين أجانب في دولة السودان .. وكان يجب على دولتهم الجديدة وهذا اتفاق موثق أن تعمل على استعادتهم أو توفيق أوضاعهم .. ولكن ذلك لم يحدث بل إن قادة الدولة الجديدة انشغلوا بتنفيذ الخطوات العدائية في الجانب الاقتصادي ثم كانوا سندا ومساهما لإشعال نيران الحرب . ومع كل ما حدث ويحدث فهم يريدون إن يتعامل السودان مع مواطنيهم معاملة مميزة وهناك من يساند هذا المطلب في الداخل والخارج بينما هناك أمور يجب أخذها بالعقل وبعيدا عن العواطف فإن وجود الأشخاص ( الأجانب )) في أي بلد من بلاد العالم يخضع للقانون الذي يراعى مصلحة الدولة وأهلها والتعامل مع العمالة والوجود الأجنبي يخضع للدراسة الاقتصادية والأمنية .. ولذلك فلابد من الجهات المسئولة أن تقوم أولا بحصر أبناء دولة الجنوب ومعرفة أعدادهم في كل ولايات السودان وتصنيف الوظائف والمهن والأعمال التي يؤدنها وهل الدولة في حاجة إليها ؟ وهل تضر بالعمالة الوطنية ؟ وما هي الأعداد التي تعمل في مجالات المهن الطفيلية والأعمال الهامشية ؟وبعد الدراسة يمكن أخذ القرار ومن يرى أصحاب القرار انه يؤدي عملا مفيدا وذا جدوى اقتصادية. الراي العام