خلوها مستورة طارق عبد الهادي [email protected] تلاعب الحركة بالحكومة والمعارضة الحديث عن مشكلة الجنوب متشعب ولن يبدأ بما آل إليه الحال اليوم ، بل لابد ان يسبقه حديث آخر يمتد إلى الماضي شيئا ما لينتظم ما كان له اثر في هذه المسيرة وما لم نستطع ان نخلص منه او ان نمضي قدما غير متأثرين به ، ذلك ان الذي يتراءى ويبدو لك مبكرا ومنذرا ومكشرا عن نفسه ما لم تأخذ حذرك منه قد يصطدم بك او قد ينتهي الى فراق للأوطان وانفصال بدل ان يكون بالحسنى و نكون خير الجيران سيكون بالصورة التي تمت نتيجة لتضاد المشروعين ، نيفاشا لم تكن مشروع سلام فالمؤتمر الوطني والحركة الشعبية كان كلا منهما يخادع الآخر ويتقبل هذا الخداع الى حين ، الوطني أراد أن يبتز القوى الشمالية بشراكة ثنائية خاطئة مع الحركة الشعبية والحركة كانت تخفي خنجرها وتتربص بالجميع فلا فرق عندها بين قوى الشمال المختلفة ، كله احمد و حاج احمد ، فركب قرنق قطار التجمع الوطني ولكنه لم يكن يقصد نفس المحطة ، نتيجة لبؤس خطاب الحركة الشعبية المنفر في الفترة الانتقالية انفصل الجنوب في نهايتها ولا بواكي له في الشمال ، أهل الشمال عاطفيون وكانوا الى وقت قريب قبل عقود قليلة فقط حتى حين وداع مسافر عند محطة البص او القطار كانوا يبكون ولكن غادر الجنوبيون جنوبا كأنهم مجرد طير رهو غريب سافر عشية وقد كتبت في ذلك عدة مقالات فحواها ان الانفصال ان كان قد تم مع قوى جنوبية أخرى غير الحركة الشعبية لكان الوداع حارا ولسالت الدموع انهارا ولكانت مباراة الفترة الانتقالية بدون ضرب تحت الحزام بين الطرفين ولكنا بعد الانفصال خير الجيران وليس ابو قدح الجنوبي يتربص بصاحبه الشمالي وهذا متحفز دوما للرد فما كان أغنانا عن هذا كله ان كنا اخترنا الشريك الصحيح من قوى الجنوب او لم نكن قد اخترنا الشريك الخطأ ، الفرص الذهبية لاحت مرارا وتكرارا دون ان تقتنصها والنتيجة هو هذا الحصاد المر ، منذ مطلع التسعينات و بعد أول انتصارات للقوات المسلحة دعونا بقلمنا هذا لتقرير المصير في المساحات الضيقة التي أتيحت حينها حتى يكون الناس على بينة و يومها لم يكن الجنوب في يد الحركة الشعبية بل مجموعة الناصر كانت تقاسمها الجنوب ، الراحل الكبير محمد طه كان قلمه هادرا بذلك داعيا لتقرير المصير لتوفير المليون دولار تكلفة الحرب اليومية ، لقد ذهبت وأنا طالب جامعي و تعرفت عليه حينها إذ لأول مرة أشاهد وقتها شخصا يفكر خارج الصندوق و بطريقة عقلانية بعيدا عن القطيع وكان يقول في كتاباته ان تقرير المصير هو الذي يجعلنا نقاتل عن بينة او نسالم عن بينة وهذا ما شدني الى مقالاته وكم كان سابقا للكثيرين المرحوم محمد طه ، منذ التسعينات راود الكثيرين الإحساس بان الجنوب ستفصله القوى الدولية الكبرى في نهاية المطاف فلم نزيد الإرهاق وتبذل الأموال فيه ، موقف شخصي لا أنساه في عام 1993م أتى زميل لنا عرف بالذهاب دوما للجهاد في الجنوب وعلى بورد الكلية وضع ملصقات جهادية فسألنا الأستاذ بالكلية المحسي الأصيل وأحد بلدياتنا و كان معارضا للإنقاذ ماذا يفعل هذا الولد قلنا له يدعوا للجهاد في الجنوب فضحك ساخرا ثم قال (الجنوب دا بعدين ما هيجو الأمريكان ويفسلوا ( يفصلوه) جهاد شنو الفيهو) وأشار بيديه كمن يقطع بسكين ....أليس هذا القول أعمق بصيرة من كل خبرائنا الاستراتيجيين ولماذا انساق الناس ولم يفكر احد خارج الصندوق ، مشروع السودان الجديد المهووس خلال الربع قرن الماضي لأقلية متطرفة وغير منتخبة حاولت دون تفويض فرضه على أهل السودان هو الذي جلب رد الفعل ذاك ، أرهقت الحركة الشعبية الديمقراطية الثالثة ، مهدت للإنقاذ ، و هي من مكن الإنقاذ من الحكم ، خوف الناس من المجهول والشعب بذاكرته الجمعية وعقله الباطن وتراكم خبراته اختار ووقف مع الإنقاذ للحفاظ على الوطن ليست لأنها مثالية لشعب عملاق كالشعب السوداني بل لأنه فن البقاء فن الممكن وليس إجماعا على المشروع الحضاري ، أحزاب المعارضة التحاقهم بالحركة بمجرد مجيء الإنقاذ كان خطأ فادحا مخلا بالوطنية ، لم نسمع أن معارضة تركية الحالية أم الإسلامية سابقا الحاكمة حاليا هل سمعتم أن أي من هؤلاء ذهب بعد فقد السلطة وتحالف مع حزب العمال الكردستاني الذي يحمل السلاح ، إذن لام اكول ومشار أي مجموعة الناصر كان الأجدر الالتزام بتقرير المصير معها وتنفيذه في اتفاقية فشودة للسلام (1997 – 2001) فهي ليست عدوانية ولم تكن تحمل مشروعا مؤد لجا ، تنكر لذلك المؤتمر الوطني وخرج د ريك مشار مغاضبا ، فرصة و أهدرت لننعم بجوار آمن مع عقلاء الجنوب ، بعد مقتل قرنق سكت المؤتمر الوطني بدل إدانة يوغندا مجاملة لرئاسة الحركة وكان من شأن التصعيد في التحقيق إحداث شرخ داخل الحركة وإضعافها وانقسامها ، لم يفعل الوطني سلمها الجنوب دون غيرها على طبق من ذهب و جلب ود امبعلو لجوارنا ، كيف تذهب لتنام وخارج الدار من يحمل سيفا لاقتحامه. صحيفة الوفاق