خلوها مستورة الفرق بين ابو الفتوح والتجربة السودانية ...(2) طارق عبد الهادي [email protected] يبلغ الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح الذي أتوقعه رئيسا قادما لمصر الآن الستين من العمر ، أحاديثه التلفزيونية وبرامجه الانتخابية تنبئك عن نضج عميق ، عند قيام حكم الإنقاذ عبر الإطاحة بنظام شرعي منتخب ، كان الدكتور الترابي في السابعة والخمسين من العمر وهي السن التي يعطي فيها السياسي بلاده عصارة خبراته وتجاربه في الحياة ، في المؤهلات الأكاديمية واللغات ، الترابي خريج جامعة السوربون يتفوق على ابو الفتوح ولكن في الوعي الشخصي ووضوح الرؤية والهدف من الحكم ، لا ، هنا تميل الكفة بوضوح لصالح ابو الفتوح ، الرؤية عند ابو الفتوح وجيله واضحة لا غباش فيها والهدف من الحكم هو خدمة الإنسان لأقصى مدى بما هو موجود من إمكانات ، في حين كانت الرؤية ضبابية عند الدكتور الترابي ، فقط إن تم وضع التنمية كهدف من الحكم لخدمة البلاد والعباد لامكن تجاوز العديد من المطبات ، ان وضعوا هذا الهدف نصب أعينهم لا يحيدون عنه لكنا اتخذنا الموقف الصحيح من كثير من القضايا و ولكن لغياب الهدف والرؤية عندما حانت لحظة الاختبار والاختيار تنكبوا الطريق لعدم وضوح الرؤية ولنأخذ قضيتين اثنتين فقط كمثال على ما نقول هما الموقف من مشكلة الجنوب التي كانت شاخصة والعلاقات مع المحيط الإقليمي والعالمي ، يقابل هذا الموقف الحكيم الذي أعلنه ابو الفتوح من اتفاقية كامب ديفيد والقبول بها بكل شجاعة وحكمة مع الاحتفاظ بالعلاقات الدولية والإقليمية لبلاده ، لنبدأ بالقضية الأولى لعهد الترابي ، الموقف من مشكلة الجنوب ، بعد تحقيق انتصارات عسكرية بحملات صيف العبور الأولى مطلع التسعينات وكانت البلاد موحدة كأمر واقع واسترداد الكثير من المدن بعد دعم القوات المسلحة و بعد أن لاح في الأفق رفض الكثير من أهل الجنوب لبرنامج الحركة الشعبية وبدت أشواقهم في الانفصال تعبر عن نفسها تمثل ذلك في مجموعة الناصر بقيادة د ريك مشار زعيم النوير ود لام اكول زعيم الشلك وقوات الانانيا الصديقة وقوات فاولينو ماتيب ، كل تلك القوى لم تكن تخفي رؤيتها وأشواقها باستقلال الجنوب ولم تكن تنوي محاربتنا وغزونا في ديارنا مثل برنامج الحركة الشعبية جناح قرنق ، إذن كان ينبغي التفكير والتروي وليس ان تحارب عبثا بلا نهاية وكما قال المتنبي :(فالرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المحل الثاني) ،خاصة وان الجيش كان يسيطر على المدن فقط في الجنوب و حتى جوبا لم تسقط حتى في عهد الديمقراطية الثالثة ، أما الريف فكان التمرد يسرح ويمرح فيه ، عمليا كان تحت سيطرة الحركة الشعبية ، نادى قلمنا هذا منذ منتصف التسعينات والناس في قمة نشوة الانتصارات بإعطاء الجنوب حق تقرير المصير وقبول نتيجته ومن ثم يلتفت الناس الى التنمية في الشمال ، كانت الحركة بقيادة قرنق سترفضه لحق تقرير المصير لأن هدفها ابعد ولكن القوى على الأرض حينها كانت ستفرض نفسها على ارض الواقع إن التزم الناس والشمال باتفاقية الخرطوم للسلام واتفاقية فشودة للسلام 1997م – 2001 م وكانتا تنصان على حق تقرير المصير الذي كان ينبغي ان ننفذه بصدق وشفافية ولكن التنصل عن ذلك أضاف سطرا لكتاب التمادي في نقض العهود والمواثيق ، نعم هذه مرحلة كنا نحن شهودا عليها وما زالت كلمات الراحل المشير الزبير اذكرها جيدا حول هذا الخصوص من ان تقرير المصير ما هو إلا الذي يؤدي إلى الوحدة! ، كلمات المرحوم دكتور مجذوب الخليفة ما تزال ترن في أذني وكان يجيب على وسائل الإعلام حينها عند سؤاله عن حق تقرير المصير الوارد في اتفاقية الخرطوم للسلام بقوله (أن الأصل في الأشياء هو التوحد من وحدانية الله)!، ان كان تقرير المصير سيؤدي إلى الوحدة فقط فلماذا اقر إذن!! ، علينا أن نعترف بالظلم الذي وقع على مجموعة الناصر وان لم نفعل ذلك نكون مجردين من أي قيمة إنسانية ، إن أوفينا بعهدنا وانفصل جزء مقدر من الجنوب هو المتاخم جغرافيا للشمال حينها كان سينقسم الجنوب وأنا هنا إطلاقا لا أدعو بان انقسامه وحربهم الداخلية هي مصلحة لنا في الشمال ، لا يوجد عاقل يقول بذلك ، ذلك لا يجوز لا إنسانيا ولا أخلاقيا ولكن الانفصال المبكر في ذلك الوقت كان سيوفر المال والجهد وننعم بجوار آمن ، اذن هو غياب الرؤية الصحيحة والعقلانية لمشكلة الجنوب منذ البادية و ليس صحيحا ما يردده البعض من ان وفصل الجنوب كان هو إستراتيجية متعمدة للحركة الإسلامية للتخلص من أعباء وجوده على حساب فرص سيطرتها على السلطة في الشمال فالحركة ضحت بعشرين ألف شهيد في الجنوب مما يفند هذه النظرية التي يستدل مناصروها بظهور منبر السلام العادل ولكنه أتى متأخرا ولاحقا بصحيفته الانتباهة وبعد انفصال الجنوب وابتهاج المنبر بذلك هو الذي دعم نظرية المؤامرة القديمة المبيتة لفصل الجنوب من قبل الحركة الإسلامية وهي نظرية ليست صحيحة نفتها الوقائع على الأرض. صحيفة الوفاق