الإنقاذ: - البدايات الخاطئة –المآلات الفاجعة(6) م/ محمد حسن عبدالله [email protected] كل أنواع الطموح مشروعة خلا تلك التي توصل للأهداف المنشودة على بؤس الإنسانية وإذلالها. جوزيف كونراد أزمة دارفور : - الحصاد المر يورد كاظم هاشم نعمة في كتاب (السودان على مفترق الطرق بعد الحرب قبل السلام) إن أزمة دارفور شأنها كشأن أغلب النزاعات الإفريقية يتداخل فيها الماضي بالحاضر والسياسي والإجتماعي والإقتصادي والداخلي والإقليمي والخارجي وإن أي مقترب لا يتحلي بالنظرة الشاملة كي يستوعب هذا الخلط الهائل من العوامل التي تعين على الإتيان بمعالجة شافية بعيداً عن نهج العمليات الجراحية، إن الأمر يستدعي الحذر من أن تذهب التطورات إلي ترجيح معالجه على أخرى . لقد كانت الإدارة الأهلية هي الراعي الأول للقيم الأخلاقية والإجتماعية للمجتمع وأداة تنظيم فعالة أسهمت في الإستقرار فكانت ترعي الإتصالات بين الزعامات وتنسق هجرات القبائل المتأثرة بالظروف الطبيعية كما تقوم بفض النزاعات عن طريق الاجاويد (مجالس الصلح) الإنقاذ في سعيها الدءوب من أجل التمكين وتفتيت الولاءات والكيانات القديمة عمدت إلي خلق كيانات جديدة وزرع الفرقة والإحن بينها (سياسة فرق تسد). لقد أحدثت الإنقاذ زلزالاً وإنشطاراً بين الكيانات الأهلية على هدي مشروعها الحضاري وسياسة التمكين و تحولاً في النزاعات المحلية إلي نزاع حول الرؤى والتوجهات والولاء والإستقطاب السياسي . إن بروز أزمة دارفور بهذا الحجم والزخم المحلي والعالمي ماهو إلا نتاج وإنعكاس مباشر للواقع السياسي في ظل حكومة الإنقاذ. ونشاطات التمرد إنما هو نوع من الرفض لهذا الواقع الذي لا يلبي الطموحات أو يحقق المصالح وهذه الأزمة والتمرد سواء أتخذ وجهة إثنية أو جهوية أو غير ذلك ما كان له أن ينمو ويترعرع إلا في وجود مظالم إجتماعية أو سياسية تغذيه وتعطيه مبررات الإستمرار وإن غياب التنمية المتوازنة شكل سبباً كافياً لإشتعال التمرد وكما قيل (الظلم لا يشعل ثورة وإنما يشعلها الشعور بالظلم) . لقد وصفت الحكومة التمرد في بداياته بأنه نهب مسلح وتارة أخري بقطاع طرق بل إن أحد أقطاب النظام لخص الأزمة كلها بانها إندلعت (بسبب جمل) ولما أخذت الأزمة أبعادها المحلية والعالمية وأخذ العالم يكتشف مدى التهميش والتخلف في الإقليم، اضطرت الحكومة بعد عناد وإستعلاء إلي الإعتراف بوجود مشاكل حقيقية في دارفور تستحق النظر والحل إلا أن الحكومة كما قيل أضمرت السوء في نفسها بجعل الأوضاع أكثر سوءاً مما يشتكي منه أهل دارفور فسلحت القبائل وعبأتها ضد بعضها حتي يبدو الأمر وكأنه نزاعات وحروب قبلية ليس أكثر كما حشدت الإعلام لترسيخ هذا الفهم لتبرئة نفسها من تردي الأوضاع . في العام 2006م تم توقيع إتفاقية أبوجا وذلك من خلال الوساطة الدولية التي قدمتها أمريكا وتم بموجبها تعين مني أركو مناوي مساعداً لرئيس الجمهورية. كان الآمل أن تحقق إتفاقية أبوجا حلاً لأزمة دارفور ولكنها ولدت قاصرة وعاجزة منذ توقيعها من قبل فريق مني أركو مناوي بينما إمتنعت الفرق الأخري بقيادة عبد الواحد محمد نور وخليل إبراهيم من التوقيع على الإتفاقية وهي كبري الحركات المتمردة في الإقليم. بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على توقيعها إكتشف مني أركو مناوي أنه مجرد مساعد بدون سلطة ولا فعالية ووصف العام الثاني للإتفاقية والذي رحل فيه مجذوب الخليفة بأنه عام النكسة والشؤم وقال إنها حقيقة محزنة يتحمل فصولها ومسئوليتها بقدر كبير المؤتمر الوطني متسائلاً لصالح من ترفض الحكومة الإتفاقية، وقال إن الجانب الحكومي غير راغب أو متعاون في تنفيذ الإتفاقية وأن الإتفاقية ليست من أولوياتها وما تم تنفيذه مجرد توظيف وإن المسائل والبنود الأساسية والجوهرية لم يتم تنفيذها . وصلت أزمة دارفور وتداعيتها إلي مرحلة غزو العاصمة في العاشر من مايو 2008م وذلك عندما قامت حركة العدل والمساوة بقيادة خليل إبراهيم بهجوم على مدينة أم درمان كانت نتيجتها قتالاً دامياً ميدانه شوارع أم درمان وأحيائها مما أدي إلي مقتل الكثرين من جانب الحركة والقوات الأمنية . في مقاله (غزوة أم درمان موت الحلم على مذبحة الخطيئة) يقول الدكتور الصادق الفقيه الذي حدث في أم درمان أمر يدعونا إلي التأمل المأزوم في الردة المفقودة عن مفهوم كرامة الحياة البشرية فما معني حياتنا وحياتهم معاً ، أليست الإجابة لن تبرح نعم الراسخة في عمق وجداننا الذي يلزمنا بالدفاع عن حق الأخر . الأستاذة إجلال رأفت في بحثها (أزمة دارفور أبعادها السياسية والثقافية ) تقول تبرز الجدلية بين المركز (الحكومة والمثلث الذهبي ) أو مثلث حمدي (حلفا – سنار – كردفان ) والأطراف (الأقاليم المهمشة) عاملاً خطيراً يتعلق بالتكوين الإجتماعي والنفسي للشعب السوداني وعلى وجه التحديد رؤية المواطنين بعضهم بعضاً . وتتمثل هذه الرؤية في أنها غالباً ماتكون محملة بتقيمات ثقافية وإجتماعية ودينية وسلبيتها تهدد فكرة الإندماج القومي وتصنع علامة إستفهام حول صدقية كلمة المواطنة لدي الفرد السوداني على الرغم من أنها تشكل البديل الأرحب للإنتماءات القبلية والأساس الموضعي للحقوق والواجبات. وعلى ذلك يتوقع أن يكون تفعيل هذا المفهوم من المشاغل الحقيقية والمؤثرة التي سيواجهها السودان في مرحلة ما بعد السلام . بينما يكتب أكاديمي ودبلوماسي سوداني في مقاله ((الأخطاء القاتلة – أزمة دارفور وأخلاقية السياسة السودانية )) قائلاً على الرقم من الشعارات البراقة التي رفعت بها كل حكومة وطنية عقيرتها، إلا أن أياً منها لم تحقق المقاصد والغايات الضامنة لكرامة الإنسان والسعادة التي ظل ينشدها، وذلك بسبب النزعة الا عقلانية التي عملت بقصد وبغير قصد على إنحراف هذه الشعارات عن جدواها ، وعلى تعويق البناء وإعتراض سبيل التنمية ، بحيث اضحت السياسة ناقصة عقلاً ، وظالمة قولاَ ، ومتأزمة معرفة ومتسلطة تقديراَ وحكماً .