[email protected] المتابع للحراك الثوري الذي بدأ يمور في الكثير من مدن السودان يلحظ مدى تأثر مجريات هذا الحراك بالكثير من إرث ثورات الربيع العربي . ولكن المؤسف أن هذا التأثر إنحصر فقط في القشور ، وذلك بالإصرار على خلق مصطلحات مشابهة لما أفرزته وقائع الثورات العربية ، مثل مصطلح الربّاطة في محاولة لخلق مصطلح مشابهه للبلطجية والشبّيحة ، وكذلك تسمية جُمعات التظاهر على غرار ما حدث في تلك الثورات العربية الأخرى . لا بأس ولا مناص من التأثر ، فهذه هي طبيعة الأشياء ، فسواء أكان على المستوى الفردي أو الجمعي فلا بد أن يكون هنالك نوع من التأثر بما نشاهده حولنا ، ونحاول أن نقوم بتقليده . في رأيي الشخصي أن درجة تأثرنا هذه لا يجب أن تمحي ذاتيتنا وإستقلاليتنا ومقدرتنا على أن نصنع أشياءنا على طريقتنا الخاصة .. نعم نستفيد من تجارب هذه الثورات بإستلهام إيجابياتها وتلافي سلبياتها .. هذا هو المحك الحقيقي ، ولا سيما في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها أي ثورة عند بدء إشتعالها . لا يزال أمام ثورة شعبنا الظافرة الكثير ، وطريق النضال طويل والوصول به إلى نهاياته وغاياته المرتجاة ممتلئ بالكثير من التحديات والآلام والتضحيات . ودون إدراك لحجم هذه التحديات ، ودون إدراك لطبيعتها وكيفية التعامل معها ، فإن عواقب تحول الثورة التي تنشد الإصلاح ، سوف تكون ثورة تهدم الوطن ومكتسبات شعبه التي بناها من عرق جبين كفاحه وصبره ومثابرته . أول وأهم التحديات التي ينبغي وضعها نصب أعيننا ، هي أن هدفنا الأول والأخير هو إسقاط النظام ، ويبنغي علينا ونحن نسعى إلى تحقيق هذا الهدف أن ننظر بعين التأمل والتدبر ، إلى الآليات التي نجحت بها كل من ثورتي مصر وتونس في إسقاط أنظمة الحكم . هل كانت فقط بهتاف " الشعب يريد إسقاط النظام " ، بالطبع لا ، ولكنها كانت بإعتصامات سلمية ومدنية طويلة وشاقة ، سُكب فيها الكثير من العرق والدموع ، وبحمد الله القليل من الدماء النقية الطاهرة .. بالتالي ، فإن من أوجب واجباتنا هو أن نحرص ، ما إستطعنا إلى ذلك سبيل ، عدم إرهاق أي دماء .. إن أغلى ما تملكه أي أمة هي موردها البشري الذي لا يُقيم بأي قيمة مادية . وتحقيق هذا الهدف يتطلب منّا أعلى درجات الإنضباط في ثورتنا الظافرة والإنحناء أمام كل محاولات الإستفزاز التي سوف يمارسها النظام لجرّنا نحو العنف ، والذي لن يولّد في النهاية سوى مزيد من العنف وإهدار دماء عزيزة وغالية ، لن نستطيع إرجاعها عند تحقق النصر المبين . التحدي الثاني الذي يجب أن ندركه هو عامل الوقت . أي ثورة تنطلق بشرارة صغيرة وبعدها تشتعل الثورة براكين من الغضب المختزن في الصدور ، ولكن يبقى الإختلاف في توقيت إنتهاء الثورة . القاسم المشترك بين معظم ثورات الربيع العربي أن عملية إسقاط النظام إستغرقت وقتاً طويلاً ، ربما أقصرها تونس ، وتطلبت جبال من الصبر والمصابرة . ومما هو معلوم بالضرورة أنه كلما طال أمد إنتظار شيء ما ، فإن إحتمال الزهد في قطف ثماره وارد . عليه ، فمن المتوقع أن يستغل النظام عنصر الوقت ، ويحاول إطالة أمد الثورة ، حتى يزهد الآخرين في نتائجها وثمراتها . إدراكنا لهذا سيحمي ثورتنا من الوقوع في براثن الملل والتبرم والإنصراف عن مواصلة الكفاح . ويقودنا تحدي أن تستغرق الثورة وقتاً طويلاً حتى تؤتى أكلها ، إلى التحدي الثالث والمهم ، وهو أنه في ظل تطاول أمد الكفاح ، فينبغي أن يكون للثورة قيادة واعية وحكيمة . قيادة يكون من أوجب واجباتها - أثناء المخاض الطويل - المحافظة على زخم الثورة بكل متطلباتها من تعامل مع أجهزة الإعلام ، والتنسيق مع جميع الأطراف ، ومواصلة الضغط على النظام للحصول على تنازلات متتالية قبل تحقيق المطلب الأخير وهو إسقاط النظام ، وآخر هذه المتطلبات هو الحفاظ على مكتسبات الأمة وعلى مكتسبات الثورة نفسها . حتى اللحظة لم يبزغ لثورة شعبنا أي قيادة ملهمة وحكيمة تقودها إلى بر آمن . وبلا ريب أن شعبنا يتطلع إلى كوادر قيادية ، تتحمل مسئولية قيادة الثورة .. يقيني أن حواء السودانية لم تعقم ، فهي أنجبت الكثير من القيادات السودانية الوطنية التي لها إسهاماتها الوطنية المقدرة .. نعم سوف تبرز هذه القيادات وبصورة تلقائية لتقود المسيرة الظافرة ، وفقط يا حبذا أن يكون من ضمنها قيادات شابة ثورية ، قيادات من جيل التقنية الحديثة التي تستطيع أن تخاطب قاعدتها من الشباب بنفس لغتها وعن طريق الفيس بوك والتويتر والمواقع الإلكترونية . إذن بدون إدراكنا الواعي لمثل هذه التحديات الكبيرة التي تواجه ثورة شعبنا ونضاله وتوقه للإنعتاق والتحرر من هذه الطغمة المستبدة ، وبدون التخطيط المسبق والجيد والمدروس للنتائج المرجوة من هذه الثورة ، فلا ريب أن مخاض ثورة شعبنا الظافرة سيكون عسيراً ومؤلماً .. ويبقى الأمل في بروز المزيد من الفعل الإيجابي والحوارات البنّاءة والجادة والهادفة بين كل الحادبين على مصلحة الوطن لتسهيل مسيرة هذه الثورة القاصدة بإذن الله . بالمناسبة أين سيكون ميدان تحرير ثورتنا بعد أن تملك الإقطاعيون الجدد كل الساحات والميادين .. لماذا لا يكون الميدان الشرقي بجامعة الخرطوم ، بكل رمزيتها وتاريخها النضالي ، هو نقطة الإنطلاق والتنسيق لجميع نشاطات الثورة ؟ وحنبني البنحلم بيهو يوماتي ..