[email protected] رمضان كريم ...ولأنّه شهر خير وبركة وتوادد وتراحم ،فقد درج السودانيون فيه على إعلاء قيم التواصل الإجتماعى، والتراحم بين الأهل والجيران والأصدقاء والمعارف.وظلّ أهل السودان يتأسّون فيه بسيرة نبى الرحمة فى الجود والكرم والعطاء .وقد جاء فى الأثر الخالد أنّ النبى عليه أفضل الصلاة والتسليم،كان أجود مايكون فى رمضان . وقد شُبّه جوده بالريح المرسلة ،بل هو أجود بالخير منها. والجود هو الكرم ، وهو فى الشرع أعمّ من ( الصدقة ). وتعريفه " إعطاء ماينبغى لمن ينبغى " . لذا لم يكن بمستغرب ، أن يّكثر أهل السودان في شهر رمضان ، ما يسمّونه فى العاميّة السودانيّة ( التوسعة ) . حيث يبسط الناس أيديهم ، ويدعون جيرانهم وأرحامهم وعابرى الطريق،لتناول إفطار رمضان بصورة جماعيّة فى منازلهم وساحاتهم وإستقبال الضيوف فى " برش رمضان " أو " الضرا " . هذا العام ، يجىء رمضان ، وقد وصلت الضائقة المعيشيّة الخانقة ذروتها ، بسبب السياسات الإقتصاديّة الخاطئة للدولة . وقد إرتفعت أسعار السلع الضروريّة بصورة جنونيّة ،فاقت كُلّ التوقُّعات. فهناك إرتفاع ملحوظ فى أسعار مستلزمات شهر رمضان . وهاهى هيئة الكهرباء ،تُمرّر زيادتها لأسعار الكهرباء ، بطريقة لا تخلو من خداع وكذب فى الشهر العظيم .وكُلّ هذا بلا شك سيؤثّر على العلاقات الإجتماعيّة وقيم التراحم بين الناس .وستقل عادة ( الإفطار الجماعى ) الأهلى والطوعى والشعبى المعروف ، كنتيجة حتميّة وضرورة موضوعيّة ، للأوضاع الإقتصاديّة المُتردّية للأُسر السودانيّة وبخاصّة متوسّطة أو محدودة الدخل،ناهيك عن "معدومة "الدخل!. ومن المُلفت للنظر، أنّ الدولة ، وإصراراً منها على مواصلة " إستغفال " و "إستكرات " الناس ، إنبرت لإستغلال المنابر الدينيّة ، وتسخير ( المساجد ) فى الدعاية و" البروباقاندا " ، عشّية حلول الشهر العظيم وأثنائه .فطالعنا الوثيقة المُسرّبة (موجّهات خطبة الجمعة فى ظل الوضاع الراهنة ). وقرأنا فى صحافة ( تبييض الأقوال ) أخبار عن لقاءات الولاة ( والى الخرطوم ومعتمد أمدرمان - نموذجاً ) بأئمّة المساجد .وقبلهم إستغلّ النائب الأوّل لرئيس الجمهوريّة " الأستاذ " على عثمان ، المنبر الدينى فى مدينة كادوقلى . فجاء حيثه الشهير عن ( إنّ الأرزاق لا ينقصها ولايزيدها إنخفاض أو إرتفاع الدولار ،لأنّها " مكتوبة " عندالله الذى لا تنفذ خزائنه " ) ودعوته للمصلّين والناس أن ( " لايجزعوا من إرتفاع الأسعار والإجراءات الإقتصاديّة " ) . وواضح أنّه يُريد بمثل هذا الخطاب الدينى التعبوى المكشوف أن يبرّى ( الإنقاذ ) من " عمايلها " وحصيلة سياساتها ، حين يطالب الناس بقبول هذا الوقع المُزرى ،ويحُثّهم على التعايش معه بإعتباره قضاء وقدر، من " أقدار الله " و "إبتلاءاته "!.ولكن سرعان ما تظهر المفارقة ، حينما يعلم الناس أنً إمام مسجد حى( 28 ) بمدينة كوستى،تعرّض للإعتقال ، لمطالبته المصلّين لمقاومة زيادات أسعار السلع الضروريّة . وهنا تكمن المفارقة . فمن لم تنطلى عليه من أئمّة المساجد أحاديث وأقوال و(خدعة ) " أولى الأمر " وتوجيهات المسئولين التنفيديّين ، هناك ( يد الأمن ) " الباطشة " ، تطاله بالإعتقال والترهيب ، وإن جاءت " المناصحة " والإنتقادات للأوضاع الإقتصاديّة ، من منبر الوعظ والإرشاد الدينى. ورمضان كريم .