حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    البرهان يزور جامعة النيلين ويتفقد مركز الامتحانات بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالجامعة    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرنق.. زعيم إستثنائى لوطن منكوب
نشر في الراكوبة يوم 31 - 07 - 2012


فى الذكرى السابعة لرحيله:
قرنق.. زعيم إستثنائى لوطن منكوب.. (2 – 2)
عادل إبراهيم شالوكا – [email protected]
قرنق : الدين والدولة :
وفى تناوله لقضايا الدين والدولة فى السودان يقول قرنق :
نحن نقول أن الدين هو علاقة بين الإنسان وخالقه وأن هذه العلاقة تحكمها التشريعات الدينية, بينما العلاقة بين الإنسان والأشياء التي صنعها بأياديه (كالعربة والفندق والدولة،... إلخ) مختلفة, ذلك لأن الدولة مؤسسة إجتماعية سياسية خلقناها نحن لتقوم بخدمة مصالحنا المشتركة, فالعلاقة إذن، بين أنفسنا وبين ما خلقناه تختلف عن العلاقة بيننا وبين الذي خلقنا وهو الله. لأننا لم نر أبداً (دولة) ذهبت الي المسجد لأداء صلاة الجمعة مثلاً، وكذلك لم نر أبداً (دولة) ذهبت الي الكنيسة لأداء الصلوات يوم الأحد, لكن نحن الأفراد نذهب لأداء هذه الصلوات، وعندما نموت، ربنا لأ يسألنا عن دولتنا عملت شنو، بل (نحن عملنا شنو، كأفراد).
بهذه البساطة وضح الزعيم الراحل، د. جون قرنق دي مبيور، هذه العلاقة بين (الدين والدولة) لأن خلط هاتين العلاقتين، الدين والدولة، يوقع الكثير من المشاكل ويهدد النسيج الإجتماعي كما هو ظاهر في تاريخ البشرية عموما وفي تاريخ السودان بالخصوص.
قرنق ومحمود محمد طه :-
وفى علاقة قرنق بالجمهوريين بصورة عامة وشهيد الفكر والإنسانية الأستاذ / محمود محمد طه, يروى الدكتور/ عمر القراى عن ذلك بقوله : ( إلتقيت بالدكتور/ جون قرنق عدة مرات، في حوارات متفرقة، كان فيها مهتماً بأن يعرف رأي الجمهوريين في مشكلة الجنوب، وكيفية التغيير.. أهديته كتابين أحدهما باللغة الإنجليزية، كان الجمهوريون قد أصدروهم عن موضوع الجنوب حين بدأ نميري موضوع التقسيم وإعادة النظر في إتفاقية أديس ابابا, كان يُبدي إحتراماً كبيراً للأستاذ محمود محمد طه، ويقف عندما يُنقل له من عباراته, وأذكر من العبارات، التي وقف عندها، وكررها أكثر من مرة، عبارة الأستاذ محمود (حل مشكلة الجنوب في حل مشكلة الشمال). ويحكى عمر القراى إنه عندما كان فى الولايات المتحدة حضر محاضرة لدكتور قرنق فى حفل تكريمه فى جامعة قرنيل فى (أيوا) وذكر قرنق فى فاتحة حديثه عن محمود محمد طه قائلاً : ( لقد قاومنا قوانين سبتمبر بدون تردد منذ إعلانها، وإعترض عليها أيضاً بعض المثقفين، ولكن أكبر من قاومها، وقدم روحه فداء لنا جميعاً، وضعضع بذلك سطوة السلطة، وحرك الشعب بالثورة عليها، إنما هو الأستاذ / محمود محمد طه، فلنقف جميعاً إجلالاً لشهيد الوطن، ورمز عزتنا، وكرامتنا، ووحدتنا). وعلى أثر حديثه هذا، وقف الحاضرون الذين لا يقلون عن الخمسمائة شخص، فصفق قرنق وبدأوا جميعاً يصفقون، ثم بدأ أحدهم يترنم بحداء، بلغتهم مع الضرب على الأرض بالقدم، وأخذوا جميعاً يرددون معه بما فيهم قرنق نفسه.. عرفنا فيما بعد إنه نشيد، بلغة الدينكا، يُقال عندما يموت زعيم القبيلة وهو يدافع عنها .. !!
فهم مُبكر لنظرية ما بعد الإستعمار – Post-colonial :
الذى يتأمل فى المنفستو الأول للحركة الشعبية لتحرير السودان لعام 1983 يندهش كثيراً لما آلت إليه أوضاع الحركة الشعبية لتحرير السودان, فيبدو إنها تأثرت بسمات الدولة السودانية القديمة فيما يُعرف ب"التطور العكسى" أى الرجوع إلى الخلف, فمنفستو 1983 يعتبر أكثر تقدماً من المنفيستو الحالى 2008 فكرياً ومنهجياً وموضوعياً, فقرنق كان ذو نظرة ثاقبة وإدراك مبكر بالأفكار والنظريات الحديثة والتى إستعان بها فى تحليله للأزمة وتصوُّرِه لطرق معالجتها, ومن ضمن هذه النظريات (نظرية ما بعد الإستعمار Post-colonial) التى ضمَّنها فى الفصل الأول من المنفستو واصفاً ذلك بقوله :
1/ عندما أصبح واضحاً أن حروب تحرير حقيقية وشيكة الحدوث وأنها ستؤدي إلى تأسيس دول أفريقية مستقلة حقاً، عقد الإستعمار صفقة مع الصفوة الأفريقية البيروقراطية المتبرجزة والتي بدأت في الظهور حينها، هؤلاء الأفارقة الذين ساعدوا الإستعمار في إدارة الاستعمار المباشر (مدرسو المدارس الأولية، الممرضون، أولاد الكنائس، القساوسة، ضباط الصف، صغار التجار ... الخ) تم تشجيعهم لإقامة أحزاب سياسية وتم دعوتهم إلى العواصم الكبرى مثل لندن، باريس، وبروكسل للتفاوض حول "شروط الاستقلال". ذهب هؤلاء ورجعوا حاملين "وسائل الاستقلال" داخل حقائبهم وإستقبلتهم الجماهير في المطارات أحسن استقبال وبترحاب مفعم بالأمل، لكن هيهات!!! إن هذه الجماهير لم تكن تعلم بما تحتوي هذه الحقائب؛ إنه الإستعمار الجديد؛ لقد تم تغيير الإداريين المستعمرين بإداريين محليين، إلا أن إستغلال المستعمرات إستمر غير مضعفٍ.
2/ أحدث الإستعمار الجديد إعادة تقسيم أفريقيا للمرة الثانية، إن المستعمرات التي تبدو كبيرة للإدارة غير المباشرة من خلال الصفوة المحلية تم تقسيمها إلى مستعمرات جديدة. هكذا قسمت شرق أفريقيا البريطانية إلى الدول "المستقلة": كينيا، تنجانيقا، يوغندا؛ وقسمت وسط أفريقيا البريطانية إلى الأقطار الحالية وهي: زامبيا، وزيمبابوي، ملاوي. أما أفريقيا الإستوائية الفرنسية فقد تم تقسيمها إلى ثلاث مستعمرات جديدة، فقد تم تشجيع الصفوة حول بحيرة تشاد للذهاب إلى باريس وإحضار إستقلالهم كتشاديين، والذين حول مدينة برازافيل ككنغوليين برازافيليين؛ ولعدم وجود تسمية أحسن فالذين في الوسط أصبحوا وسط أفريقيين؛ وهكذا تم خلق (14) دولة أفريقية مستقلة من مستعمرتين فرنسيتين.
3/ كان الإستغلال الإستعماري، وبالتالي التنمية الهامشية، أشد في الشمال أكثر من المناطق المتخلفة في السودان. لقد فرض التنافس في تجارة القطن بين بريطانيا وبقية العالم الرأسمالي – خاصة أمريكا والصين – قيام مشروع الجزيرة من الإستخلاص الرخيص للقطن لتغذية مصانع النسيج المتوعكة في مانشستير وليفربول. لهذا أصبح من الضروري تزويد الشمال بالتعليم العام والصناعي من أجل خلق صغار الموظفين المحليين اللازمين لمساعدة الإدارة الإستعمارية في إستخلاص الربح.
فى نقده لإتفاقية أديس أبابا 1972م :-
إنتقد قرنق فى الفصل الرابع من المنفستو, إتفاقية السلام التى وقعتها حركة الأنيانيا بقيادة جوزيف لاقو والتى كان له عليها العديد من التحفظات بقوله : ( إن رغبة الجنوبيين في الألقاب الوزارية ومثلها من المناصب في الجيش والخدمة المدنية تم تحقيقها أخيراً في عام 1972م في أديس أبابا بدلاً من عام 1956م في لندن. كانت إتفاقية أديس أبابا بين الصفوة البيروقراطية المتبرجزة في الجنوب ورصيفاتها في الشمال. لقد أملت الصفوة الشمال الشروط بينما ساومت الصفوة الجنوبية بمصالح الجماهير مقابل المناصب التي حرموا منها طويلاً, إن المناصب التي شعر الجنوبيون أنها من حقهم في عام 1956م منحت لهم أخيراً مقابل مليون ونصف المليون من الأرواح. كان لا بد للإتفاقية أن تنهار لأنها تجاهلت المصالح الحقيقية للشعب، إستغلت الصفوة الجنوبية الإتفاقية كمصدر للثراء في حين أن الصفوة الشمالية، بعد أن أيقنت بزوال العنصر العسكري (الأنانيا –1) في أديس أبابا، حاولت إرجاع البلاد إلى حال ما قبل 1971م عندما كانت لهم الهيمنة في الشمال والجنوب على السواء).
إستراتيجية مبكرة لقيادة وإدارة الحركة الشعبية لتحرير السودان :-
وضع قرنق إستراتيجية قوية ومنذ وقت مبكر لكيفية تحويل الحركة الشعبية لتحرير السودان من حركة جنوبية إلى حركة تحرر وطنى قومية تمتد إلى جميع أقاليم ومناطق السودان, وعبر منهجية علمية محكمة ومدروسة, فجاءت تلك الإستراتيجية فى منفستو 1983 على النحو التالى :-
1/ تكوين الجيش الشعبي لتحرير السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان لشن نضال مسلح طويل الأمد.
2/ التحديد المبكر للقيادة الصحيحة للجيش الشعبي وللحركة الشعبية لتحرير السودان حتى لا تخطف الحركة بواسطة أعداء الثورة.
3/ مواصلة العمليات ضد العدو من خلال حرب العصابات ومعارك شبه نظامية للحفاظ على قوة دفع الحرب. في البداية لا بد من الإبتعاد عن المواجهة المباشرة للعدو، ستكون الحرب طويلة الأمد لسبب الحجم الحالي لقوة العدو وحجم قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان. إن قوة الجيش الشعبي لتحرير السودان ستنمو من الخلية الصغيرة التي هي عليها الآن إلى قوة نظامية لها القدرة على تحطيم جيش السودان الرجعي.
4/ لا بد للجيش الشعبي لتحرير من تجميع المجموعات المقاتلة المبعثرة الآن في جنوب السودان وكسب ثقتهم وتدريبهم عسكرياً وسياسياً ومن خلال الحرب والتزام السلوك القويم لا بد للجيش الشعبي لتحرير السودان من كسب ثقة وتأييد جماهير الشعب (كان قرنق فى معظم خطاباته ومحاضراته يأمر جنوده بعدم الإعتداء على أموال وممتلكات وأعراض المواطنين).
5/ لكي يتمكن من تجميع وتأسيس القوات المقاتلة بفعالية، يحتاج الجيش الشعبي لتحرير السودان إلى إنشاء معسكراته التقدمية منفصلاً عن معسكرات الأنانيا –2 والتي هي في واقع الأمر معسكرات قبلية وإقليمية. بعد ذلك سيعمل الجيش الشعبي لتحرير السودان على كسب ثقة قوات الأنانيا –2 وضمهم تحت قيادته.
6/ إنشاء جهاز فعال للدعاية يشترك فيه أكبر عدد ممكن من جماهير الشعب وهذا يشمل من ضمن الطرق الأخرى للدعاية والتحريض, إقامة محطة إذاعية للحركة الشعبية لتحرير السودان.
7/ إنشاء مكاتب سياسية في كل قطر للإتصال السياسي من أجل المساعدات العسكرية وغيرها ستكون هذه المكاتب بالضرورة تحت إشراف رئاسة الحركة الشعبية لتحرير السودان.
8/ إنشاء معهد لدراسات الحرب الثورية في منطقة محررة لتدريب الكوادر السياسية والعسكرية، سيتم إختيار هذه الكوادر من الأعداد الهائلة من الطلاب والعمال والموظفين الذين غادروا أو سيغادرون المدن إلى الأحراش. الضباط والرتب الأخرى من الذين يغادرون جيش السودان الرجعي سيتم فرزهم ويطلب إليهم الالتحاق بهذا المعهد بغرض التوجيه السياسي وتدريب عسكري تنشيطي.
9/ تحويل الوحدات المقاتلة في الميدان إلى وحدات عضوية للجيش الشعبي لتحرير السودان، الكوادر المدربة في معهد دراسات الحرب الثورية سوف تتولى قيادة هذه الوحدات ونقل معرفتهم وتجربتهم الثورية إلى كل الذين تحت قياداتهم.
10/ تسييس وتنظيم المزارعين وتدريبهم عسكرياً في مناطقهم المحررة.
11/ الإتصال بمجموعات المعارضة في الشمال والجنوب بهدف تكوين جبهة موحدة مع هذه المجموعات بشرط أن تظل قيادة هذه الجبهة مسلحة وتقدمية.
12/ وأخيراً، يكون من الضروري العمل للحصول على دعم فكري ومعنوي وعسكري وغيرها من أية دولة ومنظمة عالمية تتعاطف مع أهداف ومبادئ الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان.
رؤيته لتطوير الريف : الزراعة أولاً :-
وفي خطابه خلال إحتفال أدائه القسم بالخرطوم حرص د. جون على توجيه تحية خاصة للمزارعين مشيراً إلى أنه هو نفسه مزارع, ثم تعهد بجعل الزراعة أولوية لديه في عملية التنمية " سنأتي بالمدن إلى الناس بدلاً من أن نأتي بهم للمدن... وسنقضي على الجوع باستخدام أموال النفط لتمويل الزراعة" لقد كان قائداً عظيماً وصاحب رؤية نافذة، لكأنه كان يتنبأ بأن إعتماد السودان على واردات النفط ليس هو السبيل الأمثل نحو إزدهار البلاد ورفاه أهله. وقد جاء فى خطابه بمناسبة توقيع إتفاق السلام الشامل بنيروبى 9 يناير 2005م فى حديثه عن المزارعين : ( ينتجون الثروة, ولكنهم لا يمتلكونها) فى إشارة لتهميش المزارعين وقد كان إنحيازه واضحاً تجاههم.
قرنق والمناطق المهمشة :-
ظل قرنق إلى آخر ايام حياته، على طرحه للسودان الجديد الموحد، وطرح ضرورة تحرك مواطني الريف لأخذ حقوقهم بأنفسهم.. وفتح أبواب الحركة الشعبية لكل مواطني الهامش. وبالفعل سرت روح الحركة الشعبية، في جبال النوبة، وفي الإنقسنا، وفي شرق السودان، وفي دارفور, وقد دافع قرنق عن موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان فى توحيد منبر التفاوض حول منطقتى جبال النوبة والفونج عندما رفض المؤتمر الوطنى التفاوض بخصوص المنطقتين فى المسار الرئيسى للتفاوض(منبر الإيقاد) بعد أن قرروا نقل ملف المنطقتين إلى مسار آخر للتفاوض فى ضاحية "كارن", وبخصوص رفض الحكومة منح حق تقرير المصير لشعب المنطقتين, قال قرنق للوسطاء "سيمبويو ودانفورث" , لقد كلفونى بالتفاوض نيابة عنهم للحصول على حق تقرير المصير ولذلك لا إستطيع أن أفرض عليهم شيئاً آخر, فهذا أمر غير ديموقراطى الآن يجب أن تعطوهم حق التعبير عن تطلعاتهم, فجاءت المشورة الشعبية, وقد إهتم قرنق بقضية دارفور منذ وقت مبكر عندما بعث بحملة عسكرية عام 1991م بقيادة الشهيد داؤود يحى بولاد وعبد العزيز آدم الحلو, وقد إقترح على الحكومة عقب توقيع إتفاق السلام الشامل, إرسال قوات مشتركة من الجيش الشعبى والقوات المسلحة السودانية (10,000) جندى إلى دارفور للمراقبة, وهو المقترح الذى رفضته الحكومة, وفى إستقباله فى الساحة الخضراء 8 يوليو 2005م إرتفعت العديد من اللافتات المرحبة بقدومه من مختلف المناطق, ولكن أكثر اللافتات وضوحاً ولفتاً للنظر كانت لافتة دارفور الشهيرة والتى كُتب عليها (دارفور .. دارفور.. يا دكتور) وإلى قرنق يرجع الفضل في ثورة هؤلاء البسطاء، ووعيهم بحقوقهم، وتشجيعهم للوقوف للدفاع عنها. لقد أصبح د. جون قرنق دى مبيور، هو رمز المواطن السوداني البسيط، الذي وعى بظلمه، وهب واقفاً للدفاع عن حقه في الحياة الإنسانية الكريمة. ولقد أهّل قرنق لهذا الدور الفريد، مقدرته الفائقة على التضحية، والعيش مع البسطاء في الأحراش، لسنوات عديدة، وتقدم الصفوف في كافة المعارك التي خاضها الجيش الشعبي لتحرير السودان, وقد قاد معركتى "الجيكو" و"البيبور" بنفسه ومعارك أخرى شهيرة, وهذا بطبيعة الحال، خلاف السياسيين الآخرين.
قرنق : (3×1) :-
يتميز د.قرنق بأنه جمع ما بين ثلاثة شخصيات، وهو الأمر الذي نادراً ما يتوافر في تكوين أي زعيم، وعلى وجه الخصوص في سودان ما بعد الاستقلال, فقد كان : 1/ مفكراً صاحب رؤية نافذة 2/ وزعيماً سياسياً مقتدراً 3/ وقائداً عسكرياً محترفاً، مما مكّنه من أن يقود الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في أحلك الظروف، طوال فترة نضال مسلح إمتدت ل 21 عاماً إستطاع خلالها أن يكسب إحترام الشعب السوداني بأسره.
حشود 8 يوليو 2005 : -
لقد عبّرت جماهير الشعب السودانى عن تقديرهم لقرنق عندما إستقبلته في الخرطوم بعد التوقيع على إتفاقية السلام الشامل، إذ قدَّرت الإحصائيات إن الذين حضروا إستقباله فاق ال 6 مليون نسمة ضاقت بهم شوارع العاصمة السودانية. وهو ما لم يحدث قط لزعيم في تاريخ البلاد (!). وهذا الحدث وصفته صحيفة سودانية مستقلة ب"الحشد الخرافي"، لكون إن المواطنين جاءوا : (... من كل حدب وصوب، يتدافعون بعنفوان من أجل قضاء بقية أعمارهم في هدأة بعد أن هدّهم طول المسير في ليل الديكتاتورية المليء بالمصاعب والمتاعب والثعابين والعقارب.. جميعهم جاءوا بلغاتهم ولهجاتهم وأزيائهم وطقوسهم وثقافاتهم ومعتقداتهم يصلّون بمئات الألسنة لرب واحد، ويشرئبون بملايين الأفئدة بفجر قادم، ويعانقون بفيض غامر من المشاعر آمالهم، وطموحاتهم.. وكانت قامة د. قرنق الممدودة من فوق المنصة.. تؤشر لإنبلاج شمس لا تغيب، في وطن عمّه الظلام طويلاً، وأرخى سدوله بغير رأفة بالعيون التي أصابها العمى من كثافة الظلمة، والأيدى التي أوهن جلدها طول فترة بقائها خلف الظهر مكتوفة), ويواصل الكاتب سرده : ( كان "قرنق" حلم كل الوطن من حلفا إلى نمولي ومن همشكوريب للجنينة، كما كان دائماً يردد هو بنفسه دائماً عندما يتحدّث عن "السودان الجديد" إذ لم تكن تعلو عنده رقعة على رقعة، ولم ينكفئ على ضيق أفق يجعل لحدود الإستعمار قدسية بل كان - وهو الإنسان- يحلم ويعمل ويفكّر من أجل إنسان السودان في كل مكان.. لهذا أضحى رمزاً لكل أهل السودان.. جاءهم من أزمنة الزعامات المُهيبة والقواد الأفذاذ والمناضلين الأشاوس..) .
مسيرة قرنق السياسية :
إن حياة د.قرنق السياسية أشبه ما تكون بقصص أبطال الأساطير اليونانية القديمة، فقد حارب الرجل 21 عاماً في أدغال جنوب السودان، وجباله بالشرق وصحاريه بالغرب، وفي النيل الأزرق وجبال النوبة، ولم يعش أكثر من 21 يوماً بالقصر الجمهوري بالخرطوم من بعد التوقيع على إتفاقية السلام الشامل التي أوقفت الحرب(!!). حارب الرجل بشجاعة منقطعة النظير أربعة أنظمة سياسية تعاقبت على حكم السودان (نظام المشير جعفر النميري في سنواته الأخيرة)، حكومة الفترة الإنتقالية برئاسة المشير سوار الذهب (1985 1986)، والحكومات الائتلافية الصادق المهدي في (1986 1989)، وأخيراً حكومة الإنقاذ برئاسة المشير عمر حسن أحمد البشير (1989 وحتى 2005) ، وهو تاريخ التوقيع على إتفاقية السلام الشامل. وطوال تلك الفترة واجه د. قرنق وأثناء قيادته للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، تحدّيات جسيمة كانت كفيلة بالقضاء عليه وعلى الحركة الشعبية، منها الحملات العسكرية المتتالية التي قادتها حكومة الإنقاذ في 1992، عندما كانت في عنفوان توجهاتها الإسلامية، أشهرها "صيف العبور". كما واجهته الإنقسامات الحادة في صفوف قيادة الحركة الشعبية في نفس العام كما حدث بمدينة الناصر بولاية أعالي النيل، وخروج كل من د. لام كول، د. رياك مشار، وليم نون، أروك طون أروك وكاربينو كوانين بول، وتوقيعهم مع حكومة الإنقاذ على ماعرف بإتفاقية سلام الخرطوم في 1997. وقد كان هؤلاء يمثلون في ذلك الوقت أكبر هيئة قيادية للحركة الشعبية. تزامن ذلك مع إنهيار نظام منقستو هايلي ماريام في إثيوبيا في نفس الفترة، والذي وفَّر دعماً كثيراً للحركة الشعبية في ذلك الحين، مما أفقدها بإنهياره العمق الإقليمي، في وقت كانت فيه أحوج ما تكون إليه. وقد إستطاع د. قرنق أن يدير الأزمة بكفاءة القائد العسكري المتمرس، والزعيم السياسي المقتدر، مثبتاً بذلك أن قضية الحرب والسلام في السودان لا تجدي معها سقوط الأنظمة المتعاطفة بدول الجوار ولا تحد منها الإنقسامات.
إن د. جون قرنق دي مبيور، ومن خلال ما طرحه من أفكار ورؤى ومواقف سياسية، شكّلت ملامح حقبة هامة من تاريخ تطور الفكر والممارسة السياسية المعاصرة في السودان، يقف كأحد أعمدة الفكر والسياسة الشامخة ليس في حياة السودانيين فحسب، وإنما في إفريقيا والعالم, وكتجربة نضال زاخرة بالفكر والبطولة، و كفاح مرير مليئة بالدم والدموع من أجل تحقيق أحلام السودانيين في الحرية والمساواة والتنمية المتكاملة، ومن قبل كل ذلك كرامة الإنسان السوداني على وجه الخصوص والإفريقي بصفة عامة، وبحثهما الدائم والمستمر عن الإستقرار, ناحتاً بذلك نقوشاً بارزة في مستقبل السودان، ستظل؛ دائماً، منارات تضئ ظلمة بحار الحياة السياسية لسفن الباحثين فيها عن الحق والعدل لأجيال قادمة في مستقبل السودان السياسي والإجتماعي.
المصادر :
1/ د. عمر القراي - في الذكرى الثالثة لرحيل القائد الفذ : هذا هو جون قرنق - صحيفة سودانايل الإلكترونية - 15 أغسطس 2008م .
2/ التجاني الحاج عبد الرحمن - قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق – موقع منبر السودان الجديد الإلكترونى - مارس 2006 م .
3/ د. جون قرنق ديمابيور (1945 2005) : مفكر سياسي وقائد عسكري سوداني من طراز فريد، مركز القرن الأفريقى لبناء السلام أسمرا (بكا) 2007م .
4/ د. الواثق كمير – د/ جون قرنق : رؤيته للسودان الجديد وإعادة بناء الدولة السودانية – 2005 م .
5/ منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان – 1983م .
6/ منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان – 2008م .
7/ شبكة رصد السودان – 27 يوليو 2012.
- - - - - - - - - - - - - - - - -
تم إضافة المرفق التالي :
ADIL.jpg


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.