[email protected] هل يحتاج السودانيون الى الاحتذاء بالانتفاضة التونسية لتغيير نظام الحكم العاكم ؟ اذا كان التوانسة قد ثاروا على نظام المخلوع بن على لان تكاليف الحياة قد صعبت عليهم ولانهم لم يستطيعوا الصمود امام سطوة الجوع والفقر و لم يستطيعوا النفاذ الى مصادر الرزق الحلال . فان السودانيون وعبر ما يزيد على العشرين عاما استطاعوا اطاعة اولى الامر والانصداع لمقولة ان الجوع والمرض والفقر كلها ابتلاءات ليست بسبب الادارة البائسة لسياسات الحزب الحاكم ومنظومته التى تدعى بحكم الاسلام .وهكذا مضت تلك الابتلاءات تقود مسيرة الانقاذ حتى وصلت بهم الى انفصال جزء عزيز من ارض الوطن بل و جاء الانهيار الاقتصادى الاخير وانفلات قيمة الدولار وعدم المقدرة على السيطرة عليه ليكون ايضا دافعا للقيادة السياسية ان لا ترى فى ذلك سوى ان الارزاق بيد الله وان الدولار ارتفع سعره او انخفض لا اثر له على الحياة العامة لفقراء البلاد ،مما ادخلهم فى اشكالية لا يمكن تمريرها بمسمى الابتلاء . ولا يمكن ان تشمل تبعاتها اى جماعة سودانية عدا الحركة الاسلامية ممثلة فى المؤتمر الوطنى الحاكم .الامر الذى زاد من اسباب التململ ودواعى الحراك الشعبى ليس اقتداءا بالتوانسة ولكن كميراث تليد لابتدارات الشعب السودانى واستلهاما لتجارب لا يمكن العبور فوقها او التقليل من فعاليتها او الادعاء بامكانية السيطرة عليها عبر الوسائل التى جربها النظام الحاكم واشباهه فى النظم العربية والشمولية فى العالم .لا يمكن الجزم بان التاريخ يعيد نفسه بذات الوسائل والاسباب و لكن تتعدد وتختلف هذه الاسباب تبعا لآلية الزمان والمكان وعلل السياسة .والسودان اليوم ليس هو سودان اكتوبر 64 ولا ابريل 85 .والمنظومة الحاكمة والمحكومة ليستا كما فى الماضى ، فكلاهما قد عرفا الشعب السودانى ظاهريا و تقاصرت هممهما عن استشعار وتلبية ما يجيش فى دواخله . ويخطئان معا ان توهما انهما يستطيعان قمعه او تحريكه حسب ارادتهما .فإرادة الشعب السودانى ومطامحه لا تحدها او تشبعها ما يحد ويشبع الشعوب الاخرى حسب تركيبته الاجتماعيه والاخلاقية وترابطه الوجدانى .اليوم السودانيون يعيشون مخاطر داهمة دهماء ولا احد سلطة او معارضة يستطيع تخمين شكلها او حجمها او تداعياتها او اين ومتى وكيف تكون ،ومن هم قادتها او اتباعها .وهذا لعمرى وضع لم يمر من قبل على ساستنا الحاكمين او المعارضين . و رغم كل فما زال النظام الحاكم يعيش ذات الحياة ويمارس ذات السلوك وبذات النزعات والاوهام والتوهمات و يزيد من جرعة تغبيش الوعى عبر التحريف سيئ القصد لمعانى و تعاليم الدين الاسلامى .والمعارضة على ذات القدر لا تدرى طريقها للخروج من ازمة اختلافها وتشققاتها ونزعات بعض قياداتها الشخصية ادعاءا بالوسطية او التزاما بالتغيير على اى صورة يجيئ .اليوم قد انتفت كل الدعاوى بان هنالك قوى خارجية تحاول النيل من السودان وزعزعة أمنه وإستقراره، ليسهل التدخل في شئونه الداخلية وإلزامه بأجندة وإملاءات لإشعال الفتن المؤدية الى تفككه واندثار ريحه .فهذه الفزاعات التى كانت تقول بها السلطة لقهر المعارضين وافلحت عبرها فى قهرهم ولكنها لم تفلح فى التصدى للهجمة الخارجية الحقيقة فاستسلمت واسلمت مقودها و تنازلت عن السيادة الوطنية وتبرعت باجزاء عزيزة من الوطن فى سوق التراضى والرشوة والاسترضاء لتتمكن من البقاء على مقاعد الحكم حتى ولو حكم ولاية واحدة من ولايات الوطن العديدة بذات المنهج وعلى ذات النهج لا يستبعد ان تكتفى بحكم ولاية الخرطوم فقط . فوقوف السلطة والمعارضة على خطين متوازيين لا يمكن ان يكون فى صالح الوطن فى هذا الظرف التاريخى . واذا كان عدم الثقة من جهة والخوف من جهة اخرى يمسكان بمقوديهما فان للشعب وسائله المجربة وغير المجربة فى السير نحو مقاصده الممثلة فى الحرية والديموقراطية والعدل. و لا تسوقه بطنه سوقا نحو المساهمة فى تشظى الوطن والانفلات الامنى .ويبقى السؤال ما الذي يخيف أو يرعب المؤتمر الوطني من موكب أو مظاهرة سلمية، تسيرها أحزاب فقدت جماهيريتها وجماهيرها، وشعبيتها وشعوبها، ولا تملك جماهير تقيم بهم صلاة الجمعة، كما ظلت تردد وتؤكد قياداته، وفي كل لحظة وحين؟ حتى يصبح هاجس تأمين النظام والخوف من زواله اعظم من الخوف من تفتت الوطن كله ؟ ما الذى يدفعه للتعنت ورفض كل محاولات للتلاقى فى منطقة وسط .فالأحزاب المعارضة جميعها، منفردة أو مجتمعة قد مدت يدها للمؤتمر الوطني مبادرة من أجل وفاق وطني يقود إلى حلول المشاكل المختلفة، لتجنب ما وصلت اليه الاوضاع اليوم .وما الذى يعجز المعارضة عن الاتفاق والتوافق على الاهداف الوطنية وتلمس نبض الجماهير وتعبئتهم نحو التغيير ؟ والمدهش أن قيادات المؤتمر الوطني وبعض منسوبيه مازالوا يستنكرون على أحزاب المعارضة مجرد التفكير في تغيير النظام الحاكم، دون أن يوضحوا السبب الذي يجعل السلطة حكرا عليهم مدى الحياة، رغم انه من أكثر الأحزاب التي ظلت تفكر في كيفية إزالة الأنظمة التي سبقته، وتسعى إلى تحقيق ذلك بالحق والباطل الذي تمثله الانقلابات العسكرية. وسؤال لقيادات المؤتمر الوطني ومنسوبيه الذين يملأون الدنيا ضجيجا هذه الأيام، لمجرد أن الأحزاب الأخرى فكرت في الخروج للتعبير عن رأيها مرة واحدة على تصرفات الحكومة المجحفة في حقها طيلة عمرها السياسي، وهو من صميم واجبها، في الوقت الذي تصر فيه الحكومة وتمعن في العمل على أن يخضع الآخرون لما ترى؟ سؤال تصبح الاجابة عليه جبرا فى ما سوف يعلن او لا يعلن من تنازلات تكشف مدى الانكسار و تنّم عن خوف مزلزل فى مقبل الايام. - - - - - - - - - - - - - - - - - تم إضافة المرفق التالي : صورتى.jpg