بسم الله الرحمن الرحيم مقتل طالب مقتل أمة عبدالله مكاوي [email protected] شاهدت تقرير علي قناة العربية يتحدث عن الأحداث الأخيرة التي شهدتها العاصمة السودانية بخروج الطلاب الأحرار والشجعان من جامعة الخرطوم وغيرها من الجامعات الأخري، تعبيرا عن رفضهم لمقتل اخوانهم في جامعة الجزيرة علي أيدي الاجهزة الأمنية حسب رؤيتهم، وأظنها رؤية صادقة وتنسجم مع سلوك الأجهزة الأمنية وتجاربهم المريرة معها، وهي تجد الحصانة علي الدوام عبر القوانين المعيبة وغموض تكويناتها وطريقة عملها المعادية للشفافية وحقوق الإنسان، لذلك كان رفضهم بالمطلق لبيان أدارة جامعة الجزيرة الذي تدعي فيه غرق أربع من طلابها في قناة او ترعة بأحد قنوات مشروع الجزيرة، وهو بيان يوضح تواطؤ الإدارة مع السلطات الرسمية بحكم تعينها وتوجيهها من الخارج، بما يخالف كل الأعراف والتقاليد الجامعية التي تنأي بنفسها عن الإنغماس في الشأن السياسي، وتكرس كل جهدها لرعاية طلابها وتوفير البيئة المريحة لهم، بما يساعدهم علي التحصيل الأكاديمي وإبراز مواهبهم الأخري، والإتصال بالمجتمع عن قرب وتلمس مشاكله ومحاولة وضع الأساليب العلمية التي تعين علي حلحلة تلك المشاكل. وأبانت الصور بوضوح عن خروج جموع غفيرة من الطلبة الغاضبين وهم ينددون بمقتل الطلبة ويطالبون برحيل النظام وهي نغمة أصبحت تلازم اي حركة جماهيرية تكتوي بنيران العسكرتارية وطغيان العائلات المتسلطة وسكان القصور وملاك الضياع من المنتسبين لتلك الأنظمة والمتطفلين علي عرق الغلابة ونهب حاصل جهدهم وكدهم، وتشير أحد اللأفتات الي العنوان أعلاه مقتل طالب مقتل أمة، وفي الحقيقة مقتل أي فرد عدوانا وظلما هو مقتل للأمة وللعدل الذي لا يستقيم أي حكم راشد ومقبول ومحترم من دونه، وتتعاظم المأساة عندما تطال آلة القتل الهمجية أولئك الأحرار الشرفاء الذين يدافعون عن المصلحة العامة او حقوق اخوانهم في الجامعة او في اي بقعة من خارطة البلاد المتناقصة ببقاء هذا النظام الغشيم، والمؤسف أن الجرم لأ يتوقف عن فعل القتل ظلما والذي لا يدانيه جرم ولكنه يتعدي ذلك بإختلاق أسباب واهية تثير السخرية المبكية وتفترض في الآخرين وبالأخص أهل الضحايا المساكين السذاجة، ليصدقوا هذا الإخراج السيئ لهكذا حادث جسيم تتصدع من هوله الجبال وتتجمد الأنهار ويبهت كل من به ذرة من عقل أو إحساس، ليلقي الجرم علي الضحايا أنفسهم بإعتبارهم عرّضوا أنفسهم للغرق بذهابهم الي الترعة وهم يجهلون فنون السباحة، وإذا الغينا عقولنا وصدقنا ذلك، ما هو الدافع الذي يجبرهم علي الذهاب الي الترعة من اصله، هل بسبب إنقطاع المياه من الداخلية؟ وفي هذه الحالة إدارة الجامعة ومن قبلها الحكومة يعتبران مسؤولان لأن عليهما واجب توفير الخدمات والتحسب لتلك الظروف، وإذا واصلنا الغفلة وأفترضنا أنهم ذهبوا لغرض السباحة، فالأفضل لهم هو الذهاب الي النيل مباشرة وهو ليس ببعيد وبالتأكيد سيضعون كل إحتياطاتهم، بمرافقة من يجيد السباحة او العوم بلغتنا المحلية، وإختيار المكان الاكثر ضحالة تفاديا لحصول اي مكروه، وحتي إذا إفترضنا أن أحدهم خاطر بحياته وتعرض للغرق فأن البقية ستتفادي حدوث ذلك لها، فتلك الحجة نجدها من كل الأوجه لا تستقيم ولا تصمد أمام أي إعتراض، وهي مجرد إستخدام شرير و بئيس وهازل لمقولة غلطان المرحوم، وتحميل لترعة الجزيرة ما لا تحتمل بعد أن شق حلقها الجفاف وحاصرتها الحشائش من كل إتجاه، وفشل كل القائمون علي أمر إدارتها في تسيير المياه داخلها بصورة إنسيابية حتي تصل الي الأراضي التي هداها العطش وتعيد اليها الحياة، لتشتعل حقولها قمحا ووعدا وتمني كما عبر محمد المكي ابراهيم قبل عشرات السنين في بلاد تهوي الصعود الي الهاوية، ليأتي هولاء بعد كل هذه المحن وإدعاء أن مياهها فائضة وقادرة علي إبتلاع طلاب الجامعات الأبرياء، ونكبة أسرهم الذين يقتطعون من حر فلسهم ويربطون علي بطونهم الطوي، ليطمئنوا أن فلزات أكبادهم مستوري الحال أو علي الأقل آمنون من سوأل الناس أعطوهم او منعوهم، وحتي يضمنوا لهم مستقبلا اقل شقاء مما عاشوه و يعيدوا إليهم البسمة الهاربة من شفاههم بفعل جور الأنظمة والحكومات الضالة، وليسهموا بعقولهم النيرة في تعبيد طريق الخلاص لبلادهم أم عوارض بتعبير المرحوم حميد، ولكنهم بدلا عن ذلك يستقبلون أنباء عن غرق أبنائهم في الترع او موتهم عن طريق ضربة شمس او طلق طائش وكله قضاء وقدر، ولا نعلم السبب في إستهداف القضاء والقدر للطلبة المعارضين والمطالبين بحقوقهم وحقوق غيرهم حصريا! مسكين القضاء والقدر وهو يتململ بين أيدي هولاء القتلة فقد فاض به الكيل من إلصاق كل هذه الجرئم به حتي قال إدركوني، والسؤال الذي يفرض نفسه ماذا يقول طلبة جامعة الجزيرة عن حال إدارتهم وكيف يكون شكل إحترامهم لها وهم يرون مثل هذه التبريرات الفطيرة، ووقوف إدارة الجامعة ضد طلبتها الضحايا وتحميلهم مسؤولية موت أنفسهم، وأخشي ما أخشي أن يتفتق ذهن إدارة جامعة الجزيرة عن فكرة عبقرية تطير بها علي الملأ وهي وجزلانة فرحا وتصيح وجدتها وجدتها، وتتطالب السلطات الرسمية وإدارة مشروع الجزيرة بتفيذ فكرتها الجهنيمية في التو والحال وهي ردم ترع المشروع وقفل قنوات الري حتي لا تتسبب في قتل المزيد من الطلبة، وبالمرة ترتاح الحكومة من شكاوي المزارعين وتخرصات المغرضين ولا نامت أعين الجبناء وهي تصرخ تكبير! الله أكبر الله أكبر! ونحن بدورنا نشفق علي حال هولاء الطلبة وهم بين أيدي هذه الإدارات التي تطفئ النيران بصب مزيد من الجاز عليها! وبعد أن حُرم الطلبة من كل الإمتيازات التي عاش في ظلها وإستمتع بنعيمها ممثلوا هذا النظام وعلي رأسهم إدارة الجامعة ردحا من الزمان، وإنقذتهم إنقاذا حقيقيا غير مزور كإنقاذهم المضروب من طبقية التعليم و ظروف فقرهم وعسر أهلهم، ولكنهم ردوا لها الدين مزيدا من الإفقار المادي لمبانيها وخدماتها والإفقار العلمي لمناهجها ومخرجات تعليمها والإفلاس الفكري والثقافي لمندياتها وأنشطتها المختلفة إجتماعية/ رياضية/فنية وتحولت الجامعات في عهدهم الميمون الي معسكرات لا تختلف كثيرا عن معسكرات الجيش بل اشد شظفا ومعاناة، وترافق ذلك مع إنهيار الروح المعنوية لإسطاف التعليم والتعقيدات الإدارية والمطالب المادية العالية التي لأ تنتهي، و تحولت العملية التعليمية برمتها الي جهاز ديكوري شكلي يكتسب أهمية مظهرية فقط، ولكنه غير قادر علي إنتاج معرفة حقيقية تقوي علي حمل روافع نهضوية تنموية تحررية مواكبة لمستجدات العصر علي النطاق المادي والإنساني لتصب في مجري التطور والعمران. وبعد ان سلب النظام من طلاب الجامعات كل هذه الحقوق لم يكتفِ بذلك ولكنه إستخسر عليهم أرواحهم خاصة تلك الأرواح المبادرة والفتية التي تبغض الظلم وتؤمن بالحرية وحقها في أن تعيش حياة كريمة، فبادر بسلبها منهم وكعادته في عدم تحمل مسؤوليات افعاله الخاطئة وكوارثه المتعاقبة القي بتلك الفعلة الشنعاء علي عاتق الضحايا وترعة مشروع الجزيرة، وبعد أن غسل يديه من دماء ضحاياه أتانا باكرا والبراءة تتقاطر من بيانه ليحكي لنا حكاية آخر الليل، ليهدهد تساؤلتنا ومطالبنا بالقصاص من القتلة، لننام عن دماء اخوتنا في الوطن وينعم هو بما تبقي من وطن جريح وحزين. عودنا هذا النظام الأمني المتهور طوال سيطرته علي البلاد بقوة الحديد والنار علي إتخاذ الوسائل الأمنية والإرهابية كآلية فعَّالة لحل كل الأزمات والقضايا التي يجابهها، وغالبا ما يفشل في بلوغ أهدافه، ولكنه لا يتعظ من تجاربه الفاشلة ويستمر في إنتاج نفس الأزمات ولكن بصورة اشدة فظاعة وأكثر دموية، حتي طالت الأزمات عتبة داره وأصابت جدرانه بالتصدع ولكنه كجحا في حكايته المشهورة مع النار والتي أظنها ستلتهمه في آخر المطاف وسيكتشف عندها أن البقاء للشعب وكرامة مواطنيه وحريتهم وللتنمية والأمان وأن زبد الإستبداد سيذهب جفاء