[email protected] أبكاني الرئيس الرئيس الأمريكي باراك أوباما الجمعة الماضي وهو يعزي باسمه واسم الشعب الأمريكي أسر ضحايا إطلاق النار الذي راح ضحيته ستة وعشرين مواطن من بينهم عشرين طفل هم طلبة مدرسة ابتدائية بولاية كونيتيكيت الأمريكية ، غالبته دموعه فبكى وهو يعزي امهات الأطفال واخوانهم واخواتهم وجداتهم فردا فردا ، فموت أطفال أبرياء بهذه الطريقة كان فوق قدرته على منع دموعه ، قال لهم أن الأطفال الضحايا الصغار الجميلين هم اطفالنا وأن كل الأسر في أمريكا تشعر بالألم لفقدهم . كان بكاؤه التلقائي يحمل رسالة للأمريكان مفادها أنني أتيت لهذا المنصب باختياركم وإنني منكم وبكم ، اتألم لألمكم وأبكي لبكائكم ففقدكم هو فقدي ، ومن بين دموعه وعد ذوي الضحايا والشعب الأمريكي ببذل كل ما في وسعه لمنع حدوث المزيد من الأحداث المأساوية . لم يقل ذلك ويختفي عن الأنظار ليرسل مستشاريه ونواب حزبه من الدائرة الإنتخابية التي حدث فيها الحادث للقيام بواجب العزاء بل ذهب بنفسه ليعزيهم فهو رئيسهم اختاروه وسيحاسبوه على كل ما يحدث لهم وينتظرون منه إجابات على مسألة انتشار السلاح التي كانت سببا للحادث . ولم يتأخر كثيرا فاجتمع مع مسئولين في إدارته لبحث القضية . لم يبك ويكتفي بذلك ولكنه بدأ في مناقشة جذور المشكلة التي أدت لوقوع الحادثة . وبكاء رئيس أقوى دولة في العالم عبر شاشات التلفزة أشعر العالم بألم الرئيس والشعب الامريكي فانهالت الدول تعزي وتتألم من هذا المصاب الجلل ، فجاءت ردود الفعل العالمية لتعبر عن ألم العالم لألم هذا الرئيس الذي يبكي عشرين طفلا ماتوا في حادثة ، الإتحاد الاوروبي عبر عن صدمته والمفوضية الأروبية قالت انها مصدومة ومرعوبة وبابا الفاتيكان يعزي وينصح بالصبر وديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا والملكة اليزابيث الثانية والدنيا والعالمين عبروا عن حزنهم ، فالرئيس الذي يحزن لفقد طفلٍ من رعاياه يستحق أن يحزن العالم معه ويخفف من حزنه . قد نستغرب نحن في العالم الثالث من ردة فعل أوباما وقد يراها البعض تقليلاً من هيبته فهو رئيس دولة عظمى ولبست من اللياقة أن يبكي أمام العالم ، وقد يقول آخرون أنه زودا شويه فانفعل ليكسب ود الناس ، ربما هو اختلاف الثقافات ، فنحن قد تربينا في مجتمع يرى أن بكاء الرجل عيب وان البكاء حق النسوان وغيرها من المقولات التي تسهم بشكل أساسي في تكوين الشخصية السودانية وربما الكثيرون من دول العالم الثالث ، لكن بالأمر بعداً إنسانياً يتجاوز مسألة بكاء الرجل ، فقضية انتشار السلاح أمر يؤرق المشرع والسياسي الأمريكي منذ وقت طويل وكلما زاد ضحايا السلاح كلما شعر المسئولون هناك ان الأمر يحتاج مزيداً من الحزم ، وبرغم ان ولاية كونيتيكت من الولايات التي لا يمنح فيها الترخيص بحمل السلاح إلا عند بلوغ سن الحاديثة والعشرين لكن الأسلحة موجودة بالمنازل ويسهل الحصول . البعد الآخر هو أنه في البلدان التي تختار رؤسائها اختياراً حراً ونزيهاً وفق ممارسات ديموقراطية راسخة يشعر فيها الرؤساء أن لو بغلة تعثرت في أي شبر من هذه البلاد هم مسئولون عنها ، يسائلون أنفسهم قبل أن يسألهم شعبهم ، فاوباما بكى طفلا يعلم انه مسئول أخلاقيا عن موته لأن قضية فوضى السلاح لا زالت تحتاج المزيد من المعالجة . لا نستطيع نحن في دولة كالسودان أن نتحدث عن احساس الرؤساء تجاه ضحايا تنتهي حياتهم باسباب مختلفة كالحروب والمرض وحوادث الطرقات ، ببساطة لأننا لم نحظ بعد برئيس يعبر عن مشاركته لآلامنا وفقدنا ، فبالامس القريب فقدت أربعة أمهات أبناءهن في حادثة مروعة بجامعة الجزيرة ولم نسمع عن ألم مسئول أو تعزية رئيس ، لذلك يصعب علينا الحكم على دموع أوبامبا فكيف نحكم على شيئٍ لا نعرفه ، يمكننا فقط ان نشعر بشعور أسر الضحايا . وفي الحقيقة نحن نتمي لمنطقةٍ يُخلق فيها الرؤساء بلا دموع ، فليست ببعيد موت 800 مواطن من قبيلة المورلي بجنوب السودان في نزاع قبلي مع قبيلة النوير الشريكة في الحكم ، ولم يعزي أحدٌ أحد ناهيك عن البكاء ولم نسمع حتى عن إجراء تحقيق في الحادثة رغم دعوة الأممالمتحدة لذلك . بل مات في رواندا في العام 1994 حوالي مليون نصف المليون شخص في تطهير عرقي متعمد هز كيان العالم ، حدث ذلك على مسمع ومرأى ودعم من الرئيس الرواندي السابق . على صعيدنا العربي فقدووصل عدد ضحايا سوريا حتى الأحد الماضي ( 45.501 ) شهيد على يد رئيسهم ولا زال القتل مستمراً ولا زال الرئيس يقتل شعبه حتى يحكم من تبقى منه ، وفي هذه الحالة قد نجد العذر للرئيس السوري فهو منهمك في مهمة إعادة السيطرة على بلاده لذلك لا يجد وقتاً للإعتذار لذوي الضحايا . وفي السودان تقول الحكومة السودانية ان ضحايا الحرب في دارفور وصل 10.000 شهيد ( الآن يكون الرقم قد ارتفع ) لكن تقارير المنظمات تقول أنهم ما بين 200 -400 ألف شهيد ومع ذلك لم نر دموع أحد . دموع أوباما تقول أنه عندما يأت بك الشعب فمعنى ذلك انك من الشعب ، من عامته وخاصته ، يعنيك ما يعنيه وتتألم لما يؤلمه وينتظرون وجودك بينهم في سرائهم وضرائهم ، ويعلمون أنهم بخير ما دمت بجانبهم تلتصق بقضاياهم وتعيش بينهم لتحكمهم بحق . العكس عندما يأتي الرؤساء على ظهور الدبابات ، فيظل الواحد منهم يراقب حركة الدبابات من حوله وهو يعلم أن الدبابة التي أتت به إلى الحكم هي التي ستنتزعه منه ، لذلك لا يهتمون بالشعب كثيرا فالشعوب عندهم خُلقت لتُحكم وتتألم وتموت ، وربما هم لا يعلمون أصلاً أن عامة الشعب يشعر بالألم لأن صلتهم به قد انقطعت بعد الوصول للكراسي الوثير ، فيصبح الشعب غريباً عليهم لا يعلمون ما يفرحه أو يحزنه ، وتكون مراكز استطلاع الرأي التي تُنشأ للتعرف على إتجاهات و رؤى وأحلام الشعوب ضرباً من الترف وضياعاً للمال العام ، فللمال العام مصارفه التي يعلمها رؤساء العالم الثالث وحاشياتهم . بكى أوباما لأن أصوات أسر الضحايا قد تكون سبباً في وصوله لرئاسة أمريكا ، وقبل ذلك لأنه يشعر بقلب الأب ما تشعر به هذه الأسر ، فالشعوب غالباً ما تحتاج لرؤساء يبكون بدموع الآباء .