/ السويد [email protected] قبل الخوض في الاختلاف لا بد بداية من الاعتراف بأن شخصية هذا الرجل تدعو للاعجاب .. فهو ذكي فطن سريع البديهة فصيح مفوه متبحر في تخصصه وفوق ذلك – وعلى عكس الكثيرين من شيوخ النكد – هو خفيف الظل حاضر النكتة .. مقدراته العالية وشخصيته الجاذبة بالإضافة إلى حضوره الأعلامي المكثف جعلت له العديد من المتابعين والمعجبين المؤمنين به والذين من بينهم للأسف من يتلقفون كلامه كيفما كان بعد أن غابت لديهم (الفلاتر) العقلية القادرة على تصفية وفرز الخطأ من الصواب .. حضرت الكثير من دروس عبدالحي يوسف في الماضي عندما كنت طالبا في الجامعة .. استفدت منها كثيرا حينها .. لكني عندما انظر اليها الآن بنظرة رجعية بعد مرور سنوات طويلة استغرب جدا كيف سمحت له بالعبث بأفكاري الى هذا الحد ليقلب موازيني الانسانية بادعاء أن هذه رغبة الله .. اتذكر بوضوح في بداية (الألفينات) كيف كان يدافع بشراسة عن (الشيخ) أسامة بن لادن ويصفه بأسد الإسلام وشيخ المجاهدين ويمجد كل أفعاله حتى رسخ حبه في قلوبنا ونصرته في أرواحنا .. وكم أثنى على طالبان وحكمها .. وأن نموذجهم هو النموذج الإسلامي الحق الذي يحبه الله ويرضاه .. وأنهم يتبعون به تماما نهج الرسول الكريم وخلفائه الراشدين .. بالنسبة لي وقتها كشاب متحمس ذو عاطفة دينية متقدة كلام عالم علامة كعبدالحي كان لا يمكن أن يكون إلا الحق .. وهنا مكمن الخطر العظيم .. فرجال كعبد الحي يوسف لا يعبرون عن آرائهم الشخصية إنما يدعون أنهم يعبرون عن حكم الله وإرادته ومشيئته .. وبالتالي يدخلون في الأذهان فكرة مغلوطة هي أن الإعتراض على كلامهم هو اعتراض على كلام الله .. وأن نقد أفكارهم إنما هو نقد لدين الإسلام .. سنين عددا استغرقتها من حياتي حتى أتخلص من سحر هذه الشخصية وبعض الأفكار المسمومة لتيارها ولأرى الأمور على حقيقتها كما هي عليه لا كما يريديني شخص ما أن أراها .. لتتجلى لي الشمس في رابعة النهار .. نعم مازلت أكره السلوك الامبريالي الأمريكي لكني أكره بن لادن وتنظيمه أكثر .. فهم قتلوا من المسلمين عشرات أضعاف ما قتلوا من غيرهم وعاثوا في الأرض فسادا وروجوا أكثر الأفكار شذوذا وتطرفا مدعين أنهم بكل ذلك انما يسعون لتحقيق ارادة الله وأوامره .. تماما كما يدعي ذلك عبدالحي يوسف .. بينما الحقيقة أنهم أناس ذوو عقول مشوهة وفهم مقصور ونفوس منفكة عن انسانيتها .. ولا يختلفون عن جورج بوش ورامسفيلد وغيرهم من شبقي الحرب الامريكان سوى في أنهم نجحوا في الإساءة للاسلام أكثر بكثير من ما نجح اولئك في الاساءة لأمريكا .. البحث في منابع هذه الأفكار الضالة التي يتبناها عبد الحي يوسف يقودك مباشرة إلى مستنقع الأفكار المتطرفة في السعودية .. هناك لديهم صورة من اللاسلام هي نفسها التي نشأ عنها النموذج الطالباني .. والتي انتشرت بأموال البترودولار إلى شتى البلدان باسم السلفية .. خلاصتها مجموعة من رجال الدين احتكروا تفسير الدين من الزاوية الأضيق .. وعينوا انفسهم ناطقين باسم الله .. ولديهم أتباع كثر من الروبوتات الانسانية التي تفعل ما يقولون بلا تفكير طمعا في دخول الجنة .. تبني عبد الحي يوسف وغيره من الشيوخ السودانيين للنسخة السعودية الوهابية المتنطعة من الاسلام واحتفائه بالشيوخ السعوديين القادمين لترويج فقه البدو الاقصائي الضيق والمصادم قاد فعلا وسيقود لظهور المزيد من المتطرفين المهووسين – كما هو حاصل بوضوح مع سلفيي مصر – مما يقود بدوره لإذكاء الصراعات الطائفية والمذهبية – مع الصوفية مثلا – التي نحن في غنى عنها .. ويخلع عن السودانيين التسامح والفهم الواسع المتزن الذي كان دائما رمزا لتدينهم .. لكن الصفعة الأكثر صدمة وإيلاما التي وجهها عبد الحي يوسف لجموع السودانيين كانت تصريحه غير الموفق إبان اشتعال المظاهرات الطلابية في يوليو الماضي عندما قال " لا نقول كما قال اخوتنا المصرييون الشعب يريد اسقاط النظام .. بل نقول الشعب يريد تطبيق الشريعة .. فنحن في بلد يحسدنا عليها كل الدعاة " !! قد يكون كلامه عن الدعاة الذين يحسدونه صحيحا .. فهو يمتطي سيارة لاندكروزر فارهة لا يحلم بها أي داعية في أي بلد آخر .. لكني متأكد أنه ما من أحد في العالم كله يحسدنا على بلدنا هذه ثاني أكثر البلدان فسادا في العالم .. ولا على عاصمتنا رقم سبعة على قائمة أكثر العواصم سوءا في العالم .. ولا على اقتصادنا الأول في نسبة الانكماش في عام 2012 متقدما حتى على اليونان .. ولا على نسبة التضخم التي تجاوزت ال 40 % .. ولا على عشرات الآلالف من الشباب الذين فروا هذا العام من هذا الوطن المحسود بحثا عن أي عمل يقتاتون هم وأهلهم به .. ولا على مئات الآلاف غيرهم من الشباب العاطلين الذين افترسهم اليأس .. ولا على البلد الذي انقسم وما زالت الحرب تأكل من أطرافه .. ولا على هذا الوضع المزري الذي لم يسبق للسودان ان انحدر إليه من قبل .. كل ذلك ربما لا يعني شيئا لعبدالحي ما دام الدعاة يحسدونه على مسجده الفاخر ذو المكيفات السبليت والسجاد الفاره الذي يرسل من على منبره هذه الرسائل المحبطة لجماهير الشعب السوداني المكلومة .. أكاد أكون مقتنعا بأن عبد الحي يوسف أذكى كثيرا من أن يكون عالم سلطة .. لذلك خوفي كل الخوف أن يكون مؤمنا بما قال .. وأن يقنع الآلاف الذين يحبونه ويقدرونه بأن ذلك هو حكم الله وما جاء به الإسلام الحق .. لأنه بذلك يجعل الله في صف هذه الحكومة الباطشة الظالمة ضد هذا الشعب المظلوم ..