حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    البرهان يزور جامعة النيلين ويتفقد مركز الامتحانات بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالجامعة    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة "الفجر الجديد" التى أرعبت المؤتمر الوطنى .. "هلعٌ" له ما يبرره
نشر في الراكوبة يوم 14 - 02 - 2013

بدءاً التحية لجماهير الشعب السودانى أينما كانوا, والتحية للجنود الأشاوس والثوار فى الخطوط الأمامية وهم يقاتلون نظام الخرطوم الذى جثم على صدور الشعب السودانى ردحاً من الزمان, التحية للنازحات والنازحين, اللاجئات واللاجئين, (نساء, عجزة, أطفال) وهم يعانون فى المعسكرات داخل وخارج السودان بأمر الحرب. التحية لكم جميعاً بعد طول إنقطاع لأسباب تتعلق بمتطلبات الثورة وميادين القتال. كنا نتابع ما يجرى فى الساحة السودانية خصوصاً ما يتعلق بوثيقة "الفجر الجديد" التى إنقضى على تاريخ توقيعها حوالى الشهرين, وحسبنا "جقلبة" القوم فى الأيام الأولى مسألة عادية لإعتبارات عنصر المفاجئة و"الصدمة الشديدة" حيث كثرت التهديدات, والوعيد على شاكلة : (هؤلاء ذهبوا إلى قبورهم بأرجلهم) و (الجماعة ديل يا يتراجعوا أو عندنا كلام, وحنعدِّمهم النفس), و غيرها من عبارات التخوين والتهديد, والذعر الذى أفزع جماعة المؤتمر الوطنى وكأنهم "جرزان" وقع فى قبضة ثعبان سام, فالوثيقة يمكن أن تكون عادية, بإعتبار إن الجبهة الثورية لا بد أن يكون لها حراك سياسى وبرنامج عمل مطروح للشعب السودان لما بعد إسقاط النظام, المشروع الذى تنادى به, ولكن الأمر لم ولن يكن عادياً بالمرة, فقد رأينا بعد ذلك كيف دفعوا بالوثيقة إلى البرلمان ليقوم بإدانتها وإدانة من وقَّعها, ثم بعد ذلك ذهبت إلى جهاز الأمن والمخابرات الذى قام بدوره بتمرير الكرة إلى مسجل الأحزاب حتى يقوم بحظر نشاط الأحزاب السودانية التى ذهبت إلى كمبالا لتوقيع الوثيقة, وطيلة الشهرين لم يخلو خطاب الجماعة من التنديد بوثيقة "الفجر الجديد", أشهر ذلك كان المؤتمر الصحفى الذى عقده نافع على نافع, وأمين حسن عمر ليرووا للشعب السودانى كيف قامت أمريكا وبمساعدة الإتحاد الأوربى بتمويل مشروع الوثيقة منذ الفكرة حتى خروجها إلى العلن, والمُدهش إن الأمر وصل إلى مدينة "كادقلى" البائسة, حيث نظَّمت أمانة الفكر بالمؤتمر الوطنى منتدىً فكرى لنساء المؤتمر الوطنى بالولاية لشرح حجم "التآمر" على المرأة السودانية بواسطة هذه الوثيقة "الشريرة", تحدث مقدم الورقة شارحاً كيف "إستهدفت" الوثيقة النساء بصورة مباشرة ب"الإغراء والتحفيز" عندما تحدثت عن تخصيص نسبة 30 % من السلطة للنساء بعد إسقاط النظام فى كافة المستويات (مؤسسة الرئاسة, مجلس الوزراء, المجلس الوطنى), وإن النساء سيُشاركْنِ فى الحكومة الإنتقالية, وإنتظرنا لنستمع إلى كيفية التآمر على النساء, ولكن الرجل الذى يبدو عليه إنه لم "يُذاكر" جيداً لتلك المحاضرة, فشل فى إقناع النساء بالتآمر المزعوم, فطفق يردد فى الجمل والعبارات فى حالة من التوهان الواضحة, حيث كان "راجل صاحب ضمير" على ما يبدو, فلم يكن "شاطراً" بما فيه الكفاية ليقوم بمهام التلفيق والتدليس, فإذا كان قد إستفاد من نموذج (نافع – أمين) لكان قد ربط المسألة بإسرائيل وكيف إن هذه الوثيقة هى مؤامرة صهيونية بدعم من الغرب وأمريكا وإن الوثيقة هى عدوان على الأمة الإسلامية والعربية و .... إلخ.. وكان يمكن أن "يخُم" النسوان "خَمَّة" جامدة لتعج القاعة بزغاريد "أخوات نسيبة" المحتشدات فى تلك الفعالية, وقد قامت إحدى نساء المنصة بالتعقيب على الرجل عندما شعرت ان (كلامو ما جاب حقو), وذكرت قائلة : (ناس وثيقة الفجر الجديد ديل بشجعوا على الفوضى, دايرين النسوان أى واحدة تمرق على كيفها وتخش متى ما دايرة بدون ما يسألها زول, لأنهم قالوا فى الوثيقة هم مع حرية المرأة ومع المواثيق الدولية بتاعة حقوق المرأة) ثم واصلت حديثها (وبعدين شنو يعنى 30 % أنحنا ما عندنا رجاء حسن خليفة مستشارة لرئيس الجمهورية, وسامية بابكر نائبة رئيس المجلس الوطنى و ...إلخ) والكثير من "الهبالة" واللا موضوعية, وعلى ما يبدو فإن أمانة الفكر فى المؤتمر الوطنى على المستوى القومى قامت بإنزال مثل هذه الفعالية كبرنامج عمل لكافة الولايات لشرح أبعاد "التآمر" الغربى الصهيونى عبر الوثيقة. ولكن ما الذى يجعل المؤتمر الوطنى ينزعج من الوثيقة ويثور كل هذه الثورة, ويغضب إلى حد "الإفلاس". نود هنا أن نُذكِّر القُرَّاء ببعض ما كتبناه سابقاً حتى تتضح الصورة لديهم.
لقد لامست الوثيقة قضايا السودان الجوهرية وبوضوح شديد وربما لأول مرة فى تاريخ البلاد تجتمع قوى سياسية بتلك الصورة حسب مكوناتها, وتُوقَّع على وثيقة بهذا المستوى رغم محاولة البعض لاحقاً, التنصل عن ما تم التوقيع عليه نتيجة للضغوط التى واجهوها من الحكومة على ما يبدو, فخوف وفزع المؤتمر الوطنى ناتج عن ملامسة الوثيقة لل"محظور" الذى سيسبب فى إنهيار "الثوابت الوطنية" التى عملوا على حفرها فى جدار السياسة السودانية والحفاظ عليها على مر التاريخ, ف"الكتلة الاجتماعية" التقليدية التى تحدثنا عنها فى مناسبات سابقة, كانت قد أحست سابقاً بخطر ظهور قوى جديدة تُهدد مصالحها عندما إستغل زعماء حركة اللواء الأبيض (علي عبد اللطيف, وعبيد حاج الأمين)، موكب جنازة اليوزباشي "عبد الخالق حسن"، مأمور أم درمان، وحولوه لأول مظاهرة سلمية فى تاريخ البلاد, كان ذلك في 19 يونيو 1924, ورغم قرار الحكومة منع التجمّهُر والتظاهر، إلا أن المظاهرات عمت كل مدن السودان الكبرى خلال ذلك العام, بل، في 27 نوفمبر 1924 حدث الصدام المُسلح ضد البريطانيين الذي قاده "عبد الفضيل الماظ" ورفاقه من الضباط. فتصدت هذه القوى التقليدية مبكراً لمحاربة حركة اللواء الأبيض قبل المستعمرين أنفسهم. وكتبوا رسالة إلى الحاكم العام البريطانى وأعلنوا فيها ولاءهم, بإعتبار أنهم هم "الشخصيات البارزة للحركة الوطنية السودانية، المستنيرون والمؤهلون لإبداء الرأي". وحين إندلعت المظاهرات, أدانوها ووصفوا قادة حركة اللواء الأبيض ب"أولاد الشوارع" ونادوا بالقضاء علي "تطلعاتهم الكاذبة", حتي لا يصبحوا أبطالاً "وطنيين". (جعفر محمد علي بخيت : الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان، الطبعة الثانية،1987، ص 60-65). وتعتبر تلك الحادثة هى أول معركة للنخبة السياسية – الإجتماعية (Socio-political) التى يقودها اليوم المؤتمر الوطنى للوقوف أمام أى قوى أخرى يمكن أن تطيح ب"ثوابتهم". كما أن حل الحزب الشيوعى السودانى عام 1965م, يُعتبر واحدة من أهم العلامات الفاصلة فى المشهد السياسى السودانى, وقد بيَّنت تلك الحادثة الكيفية التى تتعاطى بها "الكتلة الإجتماعية التقليدية" فى السودان مع قضايا الدين والحريات والمواطنة والحقوق المدنية المتساوية. فطرد النواب الشيوعيين من البرلمان, كان يُمثِّل للأحزاب السياسية التقليدية تصدياً ل"المد والتيار العلمانى" فى البلاد, وبالتالى إنتصرت القوى الرجعية فى جولة هامة من جولات الحفاظ على "الثوابت الوطنية" وحراسة الآيديولوجية "الإسلاموعروبية". ولكن الأمر لم يقف عند ذلك الحد, فقد ظهر خلال هذه الفترة شكل آخر من أشكال الإرهاب السياسي المُلتحف بالدين, فقد طلبت المحكمة الشرعية العليا من الأستاذ/ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري أن يمثل أمامها يوم 18 نوفمبر 1968 لمواجهة تُهمة الردة, ولاحقاً حَكمَت محكمة برئاسة القاضي "المهلاوي" بإعدام الأستاذ/ محمود محمد طه (76) سنة وأربعة آخرين من أنصار الحزب الجمهوري, وذلك لمعارضتهم "الشريعة الإسلامية" المُعلنة في البلاد منذ عام 1983, وحكمَت المحكمة أيضاً بمُصادرة بيت المُتهم وهو عبارة عن بيت من "الجالوص" في الحارة الأولي بالمهدية في أم درمان, وتم تنفيذ حكم الإعدام في مشنقة سجن كوبر وعلنياً أمام الجماهير بعد ان إستتيب بمُهلة شهر, إلاَّ إنه رفض التراجع .. عند الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة18 يناير 1985م، تم إعدامه أما جمع غفير من أتباعه, وبالتالى أُسدل الستار على جولة أخرى من جولات الدفاع عن "الآيديولوجيا" و "الثوابت", تلك المسرحية التى لا يُبرأ منها أىِّ من دُعاة "الإسلاموعروبية". وتُعد المدرسة الجمهورية التى أسسها الأستاذ/ محمود محمد طه , واحدة من الركائز المهمة التى كان يُمكن أن تُؤسس لدولة مُواطنة حقيقية يتساوى فيه الناس فى الحقوق والواجبات فى إطار تعايش ووحدة وطنية حقيقية.
وبرز الصراع السياسي بإسم الدين في شكل آخر أكثر حدة, فعندما بدأ الإعداد لوضع دستور دائم للبلاد، ظهرت دعوة الدستور الإسلامي والجمهورية الرئاسية وهما يشكلان وجهين للدولة الدينية المتسلطة, وكانت الدعوة للدستور الإسلامي قد إنهزمت في عام 1957م، فجاءت مسودة الدستور التي وُضعت في ذلك العام علمانية, ولكن إنقلاب 1958م عطَّل المعني فيها, وكما هو معلوم, فإن الإنقلاب كان مدعوماً من تلك القوى التقليدية بل هى التى خططت له, ووجدت دعوة الدستور الإسلامي مناخاً أكثر ملاءمة عام 1965م, وفي يناير 1967م كوَّنت الحكومة لجنة من الجمعية التأسيسية التي أُنتخبت حديثاً لوضع مسودة للدستور, ولكثرة الإعتراضات علي تشكيلها لم تستطيع أن تُنجز شيئاً, وفي سبتمبر 1968م تم تكوين لجنة الدستور الجديدة، ثم بدأت الصراعات والمناورات حول الدستور الإسلامي واللجنة التي شُكلت لصياغته, وكانت اللجنة قد بدأت في إجازة بعض بنود الدستور, فأجازت في إجتماعها السابع بتاريخ 19 ديسمبر 1968 النص الآتى :
((أن الإسلام دين الدولة الرسمي واللغة العربية لغتها الرسمية، وأن السودان جزء من الكيان العربي الإسلامي..)).!! .
ثم أجازت اللجنة في إجتماعها بتاريخ 10 نوفمبر 1969 المادة (14) التي تقول:
((تسعي الدولة جاهدة لبث الوعي الديني بين المواطنين وتعمل علي تطهير المجتمع من الإلحاد, ومن صُوَر الفساد كافة, والإنحلال الخلقي))....!!
وتواصلت بعد ذلك معارك الدستور الإسلامى, فبتاريخ7 ديسمبر 2011, عقدت اللجنة الإعلامية لما يُسمى ب"جبهة الدستور الإسلامي" وهى مجموعة الجماعات الإسلامية الأصولية, والسلفيين والمتشددين دينياً داخل النظام, مؤتمراً صحفياً تنويرياً بقاعة مبنى هيئة علماء السودان, تحدث فيه عدد من علماء السودان المحسوبين على الحزب الحاكم, ورابطة العلماء والأئمة والدُعاة المحسوبين على الجماعات السلفية, والمدارس الإسلامية الأصولية, شرحوا فيه تفاصيل مسودة الدستور الإسلامي الذي تمت صياغته بواسطة لجنة مُختصة مُكوَّنة من مُمثلين لكافة أطراف الجبهة, وقد تم تسليم المُسودة لرئيس الجمهورية ليكون ما جاء فيها "هادياً" للبلاد في المرحلة المقبلة من عمر "الجمهورية الثانية" حسب وصفهم, وبالتالى لا زال صراع الدفاع عن "الثوابت" وإقراراها "أمراً واقعاً", متواصلاً .
وكانت الأحزاب السياسية السودانية تاريخياً, قد إتخذت مواقف سلبية تجاه المبادرات والإتفاقيات التى تناولت قضايا مصيرية حقيقية مثل علاقة الدين بالدولة وغيرها من الملفات التى يمكن أن تعمل على تفكيك المركزية "الإسلاموعروبية", وبالتالى إنهيار المنظومة والمؤسسة التى تحكم علاقات السلطة والثروة فى السودان , مثل : إعلان كوكادام الصادر فى يوم 20 مارس 1986 فى مدينة كوكادام الأثيوبية بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والتجمع الوطنى النقابى ما عدا حزبى الإتحادى الديمقراطى والجبهة الإسلامية, وكان الإعلان قد نص على :
1/ بناء سودان جديد خالى من العنصرية والقبلية والطائفية وكل أسباب التمييز.
2/ إلغاء قوانين سبتمبر 1983 .
3/ تهيئة المناخ ليقود إلى عقد المؤتمر الدستورى المقترح .
رفضت الجبهة الإسلامية التوقيع على الإتفاق بحجة محاربته للشريعة الإسلامية "قوانين سبتمبر" 1983 , وقد مارست الجبهة الإسلامية ضغوطاً على حزب الأمة أدى إلى إنسحابه من الإعلان, وبخروج الأحزاب الكبيرة الأمة والإتحادى والجبهة الإسلامية, إنهار الإعلان .
وفى 16 نوفمبر 1988 إلتقى الدكتور/ جون قرنق مع السيد/ محمد عثمان الميرغنى لإبرام إتفاق سُمى ب"مبادرة السلام السودانية" , نصت المبادرة على الآتى :
1/ الإعتراف بالتعدد العرقى والثقافى والدينى فى السودان.
2/ تشكيل لجنة قومية للتحضير لإنعقاد المؤتمر الدستورى .
3/ فى حالة تنفيذ البنود الواردة فى الإتفاق وتوفُّر الضمانات الأمنية التى ترضى الطرفين, يُعقد المؤتمر الدستورى بتاريخ 13 ديسمبر 1988.
رفض حزب الأمة والجبهة الإسلامية الإتفاق مما أدى إلى رفض الصادق المهدى إيداع الإتفاق فى الجمعية التأسيسية للنقاش, وعندما أصَّر الحزب الإتحادى الديمقراطى على عرض الإتفاق على الجمعية التأسيسية أُسقط بأغلبية ميكانيكية تضم حزب الأمة والجبهة الإسلامية مما أدى إلى إنسحاب الحزب الإتحادى الديمقراطى من الجمعية التأسيسية فى 28 ديسمبر 1988 نتيجة للرفض العام, إجتمع الحزب الإتحادى الديمقراطى والأحزاب الأفريقية فى مدينة "أمبو" الأثيوبية فيما عُرف ب"ورشة أمبو" فى 9 فبراير 1989 للتأكيد على دعمهم للإتفاق .
ونتيجة لضغط منظمات المجتمع المدنى والأحزاب الأفريقية والإتحادى الديمقراطى تراجع الصادق المهدى عن موقفه الرافض للإتفاق وعقد إئتلافاً مع الحزب الإتحادى الديمقراطى أيَّد بموجبه الإتفاق مما أدى إلى خروج الجبهة الإسلامية القومية من الحكومة , فأوقفت الحركة الشعبية لتحرير السودان إطلاق النار كرد فعل على هذه الخطوة, وقامت الحكومة من جانبها بتجميد قوانين سبتمبر, عندها قامت الجبهة الإسلامية القومية كرد فعل لهذه التطورات بإنقلاب عسكرى فى 30 يونيو 1989 لقطع الطريق أمام أى تسوية سياسية يمكن أن تفضى إلى إلغاء قوانين سبتمبر (قوانين الشريعة الإسلامية).
وهكذا نجد إن القوى السياسية فى السودان والتى تُشكِّل "كتلة إجتماعية" تقليدية, ظلت تقف بإستمرار ضد أى مشروع إصلاح سياسى يلامس القضايا الجوهرية بغية حلها بصورة جذرية, وبالتالى يكون المؤتمر الوطنى له ما يبرر حالة الذعر والهلع والإرتباك التى دخل فيها كرد فعل لوثيقة "الفجر الجديد" التى لامست قضايا حية مثل : علاقة الدين بالدولة, والتنوع الثقافى, والوحدة الطوعية, وحقوق النساء, والحقوق الإجتماعية والثقافية المتساوية, وغيرها. والمؤتمر الوطنى ظل طيلة فترة حكمه للبلاد يستخدم ما يعرف ب"الثوابت الوطنية" المرتبطة بهوية الدولة ونظام الحكم, لإستقطاب القوى السياسية السودانية والتى تُشكِّل فى مجمل تكوينها وبنيتها, "الكتلة الإجتماعية" المسيطرة على السلطة والثروة فى البلاد, وهذه "الثوابت" هى التى أسست لها وضعية النخبة السياسية, أو ما يُعرف ب"المركز".
عادل إبراهيم شالوكا
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.