في ثمانينات القرن المنصرم قدم شاب كان يتلمس طريقه الفني الي منطقة ودبندا برفقة صديق له .تبدو علية وسامه وطلعه سودانيه بهية جازبه أعتلت شخصيته تسريحة الخنفس آنذاك والتي كانت محل اهتمام واعجاب الشباب في تلك الايام المخملية .كان ذاك الشاب عبد الرحمن عبد الله وصديقة صديق سرحان .ويزكر ان ودبارا قد سمع اغنية تراثية بأيقاع الجراري الشهير لأهلنا الحمر يقول مطلعا ..كباشي كان برضي ...الليموني وصلني ودبندا .. وكباشي هو سائق احدي اللواري التي يسافر علي متنها أهلنا الي اصقاع السودان المختلفة مابين كردفان ودارفور والابيض وبقية اجزاء الوطن ....وتقول الاغنية ايضا...كباشي سيد الزوق وصلني ود دردوق ..هذه الاشعار نظمتها الحاجة حبيبة المغنية التراثية الشهيرة بمنطقة ودبندا ومناطق الحمر و تحمل كلماتها معاني ومدلولات اجتماعية تراثية ذات قيمة .وحبيبة تلك لها قصة دامعة ندلف لها ..عبد الرحمن عبد الله كان يريد التغني بهذه الكلمات وهو السبب الاساسي وراء زيارتة ودبندا حيث دلاه مقربين الي الشاويش بشير محمد ضو البيت رئيس نقطة شرطة ودبندا . لما له من مكانه وسط سكان المنطقة فهو رجل محبوب وكريم يشار الية بالبنان وكلمة شاويش آنذاك تعادل رتبة لواء في يومنا هذا بل تجد ان للشاويش مكانه لا يمتلكها جنرالات اليوم والشاويش أيضا له قصة عميقة ندلف لها ..وصل ودبارا الي الشاويش بشير وطلب منه اقناع حبيبة بالسماح له بالكلمات فذهب معه ووافقت حبيبة بمجرد حديث الشاويش بشير لها .احتراما لشخصة فهي لم تعطي من قبل كلماتها لفنان ولم تفعل بعد .ولم يكن آنذاك مكان للماده او بيع الكلمات فقط القيمة هي القيمة الفنية المثلي لما تحمل الكلمات والعمل الابداعي من معاني علي خلاف تجارة الكلمات اليوم واختلاف اسعارها هبوطا وارتفاعا ..أخذ ودبارا الموافقه مسرورا وتغني باغنية الكباشي وبرع في التغني بها حتي صارت اغنية ودبارا الشهيرة فحملته علي أجنحة الشهرة في الاوساط الكردفانية والفنية السودانية قاطبه .. أما قصة الشاويش بشير مع اهالي ودبندا فقد كانت مليئة بالعبر والمواقف والكرم والبسالة وطيب المعشر بل كانت عنوان لرجل الشرطة المثالي .يحدثني أبنه أنهم قضوا ثلاثة عشر عاما بودبندا فصاروا جزاءا من مكونها الاجتماعي واهلها وعندما قادر الشاويش الي موطنه في أم روابه وكبر والم به المرض سمع اهل ودبندا شائعه أن الشاويش قد توفي فهبوا مسرعين واستأجروا ثلاثة لواري في الحال واتجهوا نحو ام روابه للعزاء وفي منتصف الطريق جاءهم خبر حقيقي نفي وفاة الشاويش بل اكد انه بخير وعلي قيد الحياه فعادوا الي ودبندا فرحين ودعوا له بالشفاء وطول العمر والصحه ...تخيلو معي كيف يكون الود ودا بود والعطاء عطاءا بعطاء حينما يتجلي الانسان في انسانيته وآدميتة وكيف يدخر هؤلاء الريفيون الوفاء ويحسنون المعشر انهم والله لمجتمع سوداني فاخروأصيل. أنها فعلا حكايات عمق الريف الثرة والمليئة بالدروس ...أما الشاعره حبيبة صاحبة كلمات واغنية الكباشي فقد توفيت قبل عام ولم تتناولها الصحف ولم تبحث في أشعارها جهة رحلت في صمت كما يرحل كل مبدع ورحل ايضا الشاويش بشير محمد ضوء البيت ولم تزكرة محافل الشرطة يوما .وتركوا ورائهم قصص وعبرفي العلاقات الاجتماعية .ورصيد اجتماعي وابداعي لا ينضب معينة تنهل منه الاجيال المتلاحقة .ألا رحم الله الشاويش بشير والشاعرة حبيبة وقد كانت تقول فية ...أبقي ليك بشكير شان حر الصيف كتير...يا الشاويش بشير ... ظل في البادية حبيب فضل المولي [email protected]