بحلول الثلاثين من شهر يونيو القادم يكون النظام الحالي قد بلغ من العمر ربع قرن إلا عاما وتكون المعارضة في أصدق تجلياتها قد بلغت أيضا من العمر ربع قرن إلا عاما وبين طويلي العمر وئدت أحلام كثيرة منها الصغير بحجم طابع البريد كما تقول غادة السمان ومنها ما هو بحجم جبل أحد. ويبدو أن الحكام من غير المنتخبين في عالمنا الثالث لا يشكل لهم بقاؤهم في السلطة لعقود حرجا حيث لا اعتداد بدستور يقنن ويقيد فترة بقاءهم باعتبارهم مصدر ذلك الدستور مقارنة بالدساتير الديمقراطية التي تمنح الرئيس المنتخب دورتين فقط لا يحق له تجاوزهما بأي حال ولن يستطيع . عندما وقع انقلاب الإنقاذ في عام 89 كان جورج بوش الأب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية وذهب بوش الأب وانتخب بيل كلينتون لدورتين متتاليتين وفقا للدستور شهدت الولاياتالمتحدة خلالها طفرة اقتصادية كبرى ،ثم جاءت الانتخابات ليتولى جورج بوش الإبن إدارة الولاياتالمتحدة لدورتين أيضا ثم ذهب بوش بخيره وشره وتولى باراك أوباما رئاسة الولاياتالمتحدة في مشهد تاريخي ،وانقضت فترة أوباما وأعيد انتخابه من جديد عبر كل هذه السنوات التي قاربت الربع قرن ظل الرئيس عمر البشير الرئيس الوحيد للسودان في مقابل خمس دورات انتخابية أميركية وخمس رؤوسا أميركيين مع ملاحظة صغيرة هي أن هؤلاء الرؤساء تم انتخابهم ولم يتولوا السلطة عبر انقلاب عسكري . أما المعارضة فتشاء الأقدار أن تكون الوجه الآخر لهذا العمر الطويل على غير ما ترغب أو تهوى إلا أن المعارضين أنفسهم إزاء هذا العمر الطويل في المعارضة طرأت عليهم متغيرات وتقلبات وتحولات منهم من التحق بمركب الحكم ومنهم استعصى على شهوة السلطة ومنهم من أعاد حساباته ومنهم من تشابه عليه البقر ومنهم من بقي ممسكا على جمر المعاناة . ومابين النظام ومعارضيه تشردت أطياف من شرائح المجتمع ووئدت أحلام ابتلعت الغربة مئات الآلاف منهم من اندمج في مجتمعه الجديد ومنهم من استعصم بخصوصيته الثقافية مستعصيا على الاندماج فبات يجتر سنوات عمره في موطنه الذي لم يعد كما تركه أو أجبر على تركه يقلب في صفحات الانترنت بحثا عن أحلامه وتطلعاته الموؤدة ويتابع في حزن مجيد أنباء الحروب والتشرد والنزوح داخل موطنه ويقارن في أسى بالغ مابين وضع المواطن في بلاد الديمقراطيات التي يسودها حكم القانون ومابين حال المواطن في بلاده الذي يغني عن السؤال . وإزاء هذا المشهد الدرامي ينطلق سؤال من بين هذه اللعنة العمرية السياسية التي أصابت البلاد والعباد، ترى ما هو سر بقاء هذه الحالة المعمرة لطويلي العمر النظام في عرشه والمعارضة في قلة حيلتها في زمن تنتفض فيه الشعوب طلبا للحرية وسيادة حكم القانون ؟. الإجابة على هذا السؤال في تقديري تكمن في حالة الضعف المتبادل بين النظام ومعارضيه وليس في ضعف الإرادة الشعبية التي تجاوزت المتحدثين باسمها في تونس وفي مصر وحتى في اليمن السعيد. فسر ضعف النظام إنه يكمن في اعتقاده أن القوة تكمن في قدرته على قمع معارضيه ومصادرة حقوقهم السياسية والتضييق الأمني على أنشطتهم وممارسة أكبر قدر من الهيمنة السياسية بإقصاء الآخرين فضلا عن الحسم العسكري لحملة السلاح دون الانتباه إلى مخارج سلمية تستجيب للمشروع من المطالب العادلة التي يرفعونها دون مبالغة . والحقيقة أن القوة تكمن في العكس من ذلك تماما لأن هذا المسلك يفتح المزيد من أبواب التدخلات الخارجية التي لا يقوى النظام على منعها أو عدم الاستجابة إلى ضغوطها وقد ثبت ذلك عمليا في كل تفاصيل الممارسة السياسية للنظام ولم يتبق له إلا بضعة أغنيات حماسية وطبول لن تعصم مجلس الأمن من فرض إرادته على السلطة الحاكمة . فلو كان النظام متصالحا مع شعبه ومعبرا عنه ويلتمس شرعيته من انتخابات حرة نزيهة لما تجرأ أحد على فرض إرادته عليه وذلك مكمن القوة . أما المعارضة فقد فشلت في تغيير الواقع السياسي مكتفية بإطلاق البيانات من عواصم الجوار لأن ضعفها يكمن في بنيتها التنظيمية وآلياتها السياسية وفي عدم قدرتها على تعبئة الجماهير وإقناعها بالنزول إلى ميادين التغيير . ورغم درجات الاختلاف في ما بينها إلا أنها مطالبة بالإجابة على السؤال الملح لماذا فشلت لعقدين في إحداث هذا التغيير المطلوب نحو واقع ديمقراطي جديد أسوة بشعوب الربيع العربي ؟ عقدان من عمر جيل الحالمين بالديمقراطية والتنمية لبلادهم لا يمثلان ثمنا بخسا تتراجع أمامه أسئلة حقيقية للاعبين السياسيين في الساحة السودانية فالحرب التي تتمدد في جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق بطرفيها لن تمكن طرف من فرض شروطه على الآخر حتى لو استثنينا التدخلات الخارجية . وسياسة القمع والإقصاء والهيمنة وإطلاق يد الأجهزة الأمنية للتضييق على الحريات بأنواعها لن تضيف رصيدا إيجابيا للسلطة بقدر ما تعزز من قائمة اتهامها أمام شعبها وأمام المجتمع الحر . ولا سبيل من مخرج غير المثال الجنوب الأفريقي الذي يعيد الحقوق ويحاسب المتجاوزين ويضمد الجراح ويفشي المصالحة الإنسانية لأن المنتصر الحقيقي حينها سيكون الوطن يومها أيضا ربما تخضر أحلام جيل جديد وتقوى على التحقق، ليست بالضرورة أحلامنا التي طوتها برودة المنافي . حسن احمد الحسن / واشنطن [email protected]