الانظمة الشمولية لا تدمر البنى السياسية فقط ، وإنما تدمر البني الفكرية والإجتماعية للامة . سفيان مخلوفى إن التمكين للدولة في الوضع الصحيح هو الذى يكون نتيجة وفرعاً من التمكين للأمة ، أما حين يصير التمكين للدولة على حساب التمكين للامة ، وحين يصبح التمكين حكراً للدولة ممنوعاً على الأمة ، فذلك حين ( تلد الأمة ربتها ) دكتور احمد الريسونى / الشورى : حق للجماعة لا للصفوة يظن البعض أن هنالك خلطاً بين الشورى التي هي منهج اسلامى أصيل جاء ذكره في أكثر من موقع في القران الكريم وبين الديمقراطية التي هي وليدة الأفكار الوضعية والفلسفات المادية وأن المعيار الذي يستند عليه مبدأ الشورى هو الكتاب والسنة وليس الأغلبية الميكانيكية للناس فهو يهتم بالصفوة المتعلمة المتفهمة بقصد أن الرأي السديد لا يمكن إن يخرج إلا من خلالها فقط سوذلك بحكم تمرسها وتثقفها في أمور الدين والدنيا . ذلك الأمر الذي لا يتأتى إلا للصفوة من رواد العمل الاسلامى الذين يحتكرون خصوصية المعرفة ويقينية الكمال على هؤلاء يرد الشيخ يوسف القرضاوى في جريدة الشرق الأوسط عدد 4087 بقوله " في الجانب السياسي مازلنا نجد للأسف من يرى أن الانتخابات وسيلة غير إسلامية واتنا يجب أن نبحث عن أهل الحل والعقد الذين لهم وحدهم حق التقرير في كل شئ " . ويتساءل الشيخ ولكن كيف نصل إلى أهل الحل والعقد ومن هم أصلا . إنهم لم يذكروا في كتاب ولا سنة – ولكنهم الذين رأى المسلمون في وقت من الأوقات إنهم هم الذين ينتخبون الخليفة أو الإمام أو الأمير . وهم الذين لهم حق مراقبته أو عزله . نحن في عصرنا نرى أن الانتخابات هي الوسيلة للمجئ بهولاء أو بمن يقوم مقامهم ولكل عصر وسائله . أن الفقهاء قرروا أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف – وإذا كان هذا يجرى على كل النواحي – فأن أولاهما بالتغير هي المسائل السياسية نحن محتاجون إلى معرفة عصرنا وما يتطلبه ومن ذلك الديمقراطية . قال الشيخ القرضاوى : سألني شاب ما رأيك فيما يقوله بعض الإسلاميين أن الديمقراطية كفر فأجبته بأن قائله لم يفهم الإسلام ولم يفهم الديمقراطية ولم يضرب الإسلام ودعاته إلا تحت مطارق القهر والاستبداد والتسلط ولم يتنفس العمل الاسلامى يوما إلا في ظلال الحرية . أن الديمقراطية هي التعبير العصري عما نسميه بلغة الفكر والثقافة الإسلامية بالشورى _ والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها _ لقد استطاعت الإنسانية في صراعها مع قوى الاستبداد أن تصل إلى مجموعة من الضمانات لتحول بين المستبدين والمتسلطين ومن قهرهم لرغبات شعوبهم في ممارسة حقوقها السياسية كاملة دون نقصان كل هذه المكاسب حققتها البشرية ونحن كمسلمين نرحب بها ونؤيدها ونرى أن الإسلام يعتبرها جزءا منه , لأن كل مالم يتم الواجب إلا به فهو واجب . 2/ الأمة الإسلامية والتجارب السياسية: إن الطراز الإسلامي من الرئاسة والسياسة هو الطراز النبوي وظل نموذج الخلفاء الراشدين هو الأقرب للنموذج النبوي روحا" وزمنا" وتطبيقا" فالخلفاء الراشدون مع سائر الصحابة من أهل الحل والعقد متخرجوا مدرسة الرسول القيادية – ومدرسة الرسول القيادية كما يقول الدكتور حسن مصعب هي (مدرسة الدعوة فوق الدولة ومدرسة الدعوة قبل الدولة ) ولكن صفة الحكم ما لبثت أن تأثرت بالتنازع على الحكم مطالبة ومغالبة وجرى التحول بعد الرسول والخلفاء الراشدين من النموذج الخلافي إلى النماذج أو المدن السلطانية . والحكم السلطاني كما وصفه ابن خلدون حكم التفرد بالسلطة والمجد وهكذا دخلت الأمة الإسلامية مرحلة تسييف الحكم – أي إحلال السيف والعنف محل الشورى والعقل . إن معطلة تحول حكم الشرع إلى حكم السيف التي آثارها ابن خلدون هي معضلة إنسانية بقدر ماهي معضلة إسلامية . لقد تجلى الإسلام حقيقة كدين متكامل ونظام للحياة لا ينفصل فيه الدين عن السياسة في عصر الرسول والخلفاء ثم ابتعدت الحكومات عن جوهره كدين للحرية وتنامي الانفصال بين الحاكم والمحكوم والرعية – وفي رحم هذا الانفصال نما الاستبداد وقويت شوكته . 3/ الاستبداد الشورى والشريعة : الاستبداد السياسي الذي سيطر على المسلمين منذ انقطاع تجربة التواصل بين الحاكم والمحكوم في صدر الإسلام ' استطاع السيطرة على الدين وتحويله إلى أداة للاستبداد مستخدما" مؤسسة فقهية دينية اعادت تأويل آياته وأحاديثه مما يعطي مشروعية دينية للسلطات المستبدة ولا يدري الكواكبي ( من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكام حتى اوجدوا لهم الحمد إذا عدلوا والصبر عليهم إذا ظلموا وعدوا كل معارضة لهم تبيح دماء المعارضين ) . ويستطرد الكواكبي فيقول ( إن الطراز السامي من الرياسة وهو الطراز النبوي لم يخلفه فيه حقا" غير سيدنا أبوبكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما – ثم أخذ في بالتناقص وأخذت الأمة تطلبه و تبكيه منذ عهد سيدنا عثمان إلى الآن وسيدوم بكاؤها إلى يوم الدين اذا لم تنتبه لإستعواضه بطراز سياسي شوري ). وإلى هذا يشير الحديث النبوي الشريف ( إن هذا الأمر بدأ رحمة و نبوة ' ثم يكون رحمة وخلافة ' ثم كائن ملكا" عضوضا" ' ثم كائن عتوا" وجبريا" وفسادا" في الأرض ). إن عملية التنازع على السلطة والتناوب في الحكم ظلت السمة الغالبة عليها هي العملية الدموية في أكثر الأحوال في دولة الحضارة الإسلامية . إن سيادة الشريعة بدون أن تكون مؤسساتها السلطوية محددة الحقوق والواجبات تحديدا" واضحا" أدى إلى تخبط شرعي و كان سبباً رئيسياً لهذا التخبط السلطوي والتنازع الدموي- إن روح الشرع الإسلامي روح حرية وعدل ومساواة وحركة خلق وتقدم . إن الشورى ركن أساسي في نظام الحكم الإسلامي – أي حكم التناوب السلطوي الاختياري التشاوري لا حكم التغاصب السيفي إنه حكم مراقبة الجماعة للحاكم والسلطة تمارسه مؤسسات منظمة تنظيما" اختياريا" لإحكام مراقبة الجماعة للحاكم . والشريعة هي حكم البر والعدل والمساواة , إنها كما وصفها ابن القيم ( عدل كلها وحكمة كلها ) فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة , وعن الحكمة إلى العبث , فليست من الشريعة وإن اُدخلت فيها بالتأويل . 4/ معادلة الحكم- أو العلاقة بين دور رجال الفكر وجماهير الأمة ورجال القوة : تقوم معادلة الحكم على العلاقة بين دور رجال الفكر وجماهير الأمة ورجال القوة وتحديد أدوار كل فريق منهم فرجال الفكر هم الموكلون باستنباط الأحكام في مراكز العلم والبحوث – وجمهور الأمة هي أداة المراقبة والمحاسبة والاختيار لأنها هي القوة المنتشرة على مسرح الحياة القادرة على استشعار القضايا والمشكلات ولها حق التعبير والإعلان عنها ورجال القوة سواء أكانت تنفيذية منوط بها إدارة مؤسسات الحكم أو عسكرية منوط بها الدفاع عن الشرعية وحرمة الوطن وحفظ الأمن واستتبابه . إن مركزية الدولة وأمومتها وهيمنتها وإحتكارها للوظائف والصلاحيات تجعل الالآف او الملايين من القادرين على الإبداع والعطاء الحضارى يقفون مشلولين او مناوئين ، لان الدولة هى التى تفكر وتبادر ، وهم ليس لهم مكان فى الدولة . فى مقاله ( اسباب تراجع الفعالية التنظيمية للحركة الإسلامية ) يكتب عثمان بشير الكباشى قائلاً إن التدافع والتنافس والتحدى عناصر حاسمة فى الفعالية والابداع والتدافع فى ساحات المجتمع ضاع يوم أن ماتت المنافسة فى الساحة الفكرية والسياسية بفعل إلغاء الاحزاب والقوى السياسية والفكرية المنافسة اول الامر وإضعافها ومحاصرتها لاحقاً ، صحيح إن هدف إضعاف الاحزاب قد تحقق ولكن تحقق معه إضعاف الحركة الإسلامية نفسها بعد ان فقدت عنصر التنافس والتحدى، ودخلت فى سباق الحصان الواحد منذ نحو ربع قرن . لقد كان عصر النبوة والخلافة الراشدة تطبيقا" للمعادلة بين رجال الفكر وجمهور الأمة ورجال القوة يقول الدكتور ماجد عرسان في كتابه (( إخراج الأمة المسلمة )) ( في الغرب اتسعت أدوار كل من رجال الفكر ورجال القوة وهيئات المجتمع – فالمشكلات والقضايا والمراقبة والمحاسبة والاختيار تبدأ من الساحة الجماهيرية ثم تنقل لولي الأمر بالاستفتاءات وجمع المعلومات والبيانات والمقابلات ثم ترد إلى مراكز البحوث المتخصصة حيث ينكب عليها المؤهلون القادرون على تحليلها واستنباط الحلول لها . ثم يردونها إلى أولي الأمر من صانعي القرار ثم إلى أجهزة التنفيذ ثم تقوم بمتابعتها أجهزة القياس والتقويم لجمع ثمرات التطبيق وتقييم النتائج وتبدأ الدائرة من جديد ). بعد مجتمع لخلفاء الراشدين- اضطربت معادلة العلاقة بين رجال الفكر والتربية وبين رجال القوة ودخل الطرفان في صراع طويل انتهى بتغلب رجال القوة والسلطان وضاع دور جمهور الأمة . كان من نتائج اضطراب تلك العلاقة وتغلب القوة – سيادة الاستبداد . يقول روسو في كتابه العقد الاجتماعي : ( إن القوة لاتصنع حقا" وإننا لسنا ملزمين بالطاعة إلا للسلطات الشرعية فما قيمة حق يتلاشى بتلاشي القوة ؟ فإذا وجبت الطاعة بالقوة فلا حاجة للطاعة بالواجب – إن القوة هي قدرة مادية لست أرى آية أخلاقية يمكن أن تنتج عن آثارها فالخضوع للقوة هو فعل من أفعال الضرورة – لا فعل من أفعال الإرادة ) . [email protected] الرسالة