إذا كان الرئيس البشير جاداً ومخلصاً في دعوته للحوار الوطنى ،فليطلق سراح الوطن أولاً قبل أن يطلق سراح المعتقلين السياسيين .لأن المعتقلين السياسيين هم أساساً مناضلون تعودوا الإعتقال والسجن منذ أن جثمت الإنقاذ علي صدر الوطن وصادرت حق اهله في الحرية والحياة الكريمة .إن إجراءات إطلاق سراح الوطن لاتحتاج الي " لف " ولا " دوران " تبدأ من : أولا تغيير البنية التحتية لنظام الإنقاذ الذي فشل فشلاً بائناً ومؤسسا في الإبقاء علي السودان كما كان قبل إغتصابها للسلطة.وذلك بتكوين حكومة وحدة وطنية حقيقية قادرة علي مجابهة الأزمة الإقتصادية التى أفقرت الناس وعصفت بمنظومة قيمهم وتقاليدهم التي كانت مصدر شرفهم وإعتزازهم.أقول قولي هذا وأنا عائد من الوطن للتو بعد أن بقيت فيه حوالى 5 أسابيع ، رأيت فيها الفقر يمشى في الطرقات بين الناس ،والمرض مرسوم علي الوجوه الحزينة والأجسام التى هرمت قبل أوانها.لاتستطيع الإنقاذ لوحدها التصدي لمشكلة الفقر في السودان.لأن فقر الناس تحت حكم الإنقاذ هو أبن شرعي لفساد الإنقاذ الذي تراه في كل ركن وزاوية في العاصمة.عرض علي الكثير من الإخوة والأصدقاء أن يعيرونى سياراتهم الفارهة ، إلا أنني فضلت سيارات الأجرة علي هذه العروض السخية ،لأننى لا أستطيع أن أقود السيارة وسط حركة السير فى الخرطوم التى لايحكمها قانون ولا ضابط ،بقدر ما تحكمها الفوضى واللامبالاة . نعود الي الي " إطلاق سراح الوطن " الذي بدانا به ما بدأنا.الإنقاذ لاتستطيع إطلاق الحريات العامة ، ولا فك قبضة جهاز الأمن الذي تمدد في مفاصل الدولة دون إستثناء ، حتي أصبح أخطبوطاً. ثم ماذا عن الفساد ، الذي كان يدلنى عليه شباب تخرجوا في الجامعات وحرموا من حق العمل و الحصول علي الوظيفة والحلم والزواج بمن يحبون وتكوين الأسرة.لقد تكونت بينى وبين هؤلاء الشباب الذين يقودون مركبات عامة بشرف وكرامة علاقة صداقة ومحبة لدرجة أن بعضهم طلب رقم هاتفى وأخذ يتواصل معي نكمل ما بدأناه من حوار ممتع حول الوطن وأهل الوطن .لقد أشار الكثير منهم علي بنايات شاهقات مملوكة لرموز السلطة الفاسدة والجائرة.لقد تبرع أحدهم وأخذنى الي مكان ما في "اللاماب "وأشار الي عمارات فخيمات متراصة لأحد رموز السلطة بناها لأفراد أسرته وبعضهم مايزال يدرس في الجامعة! وشاب آخر أعتقد أننى صحافيافأصر أن يأخذي الي شارع 15 بالعمارات لأرى بأم عينى عمارات أنيقات لرجل معروف بفساده وثراءه الحرام .قصدت أن أقول أن الإنقاذ لايمكنها قيادة حوار وطنى يفضي الي حلول جذرية لمشاكل الوطن المزمنة .إن البطانة التي تحيط بالرئيس البشير فضلاً عن أفراد أسرته الملوثة اياديهم بفساد يتحدث عنه القاصى والدانى، لايسمحوا للرئيس البشير بإدارة حوار وطنى حفيقى.حكومة الوحدة الوطنية الحقيقية هي الت تستطيع أن تحدد أجندة الحوار الوطنى مع كافة الفصائل المدنية والعسكرية وألوان الطيف السياسى بأحزابه التقليدية والعقائدية بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والحركة الطلابية والحركة النسوية والشباب .هكذا يكون ممكنا التمهيد لتغيير سياسى يضمن بقاء هيكل الوطن كما هو دون تقطيع لأوصال أخري في دارفور أو جنوب كردفان او النيل الأزرق أو الشرق .نفسها هذه الحكومة القومية التى تستطيع ان تشرف وتراقب وتنفذ إنتخابات نزيهة وغير مزورة.لأنه يستحيل أن تجري إنتخابات نزيهة في ظل نظام المؤتمر الوطنى حيث هو القابض علي كافة الأجهزة التنفيذية وهو المالك للمال العام زوراً وبهتاناً .بدون ذلك سيكون الحديث عن الحوار الوطني كمؤذن يرفع آذانه في جزيرة مالطة .هكذا يظل الباب موارباً للأجندة الأقليمية والعالمية لتفصل وتقسم الوطن علي مقاسها وبمساعدة سياسة الإنقاذ الخرقاءالتي لاتعترف بالآخر وتظل تمارس رذيلة الإقصاء والمكابرة حتي وإن بقي لها من الوطن( حوش بانقا) أو ( الكرفاب )أو ( تميداب النافعاب )لمن لايعرف جغرافية السودان علي مستوي القري ،نعرف القارئ الكريم بهذه القرى بما يلى :(حوش بانقا) مجرد سندة وليست محطة قطار ،عادة لايغشاها قطار كريمة في رحلته بين الخرطوم وكريمة .أما(الكرفاب )فهي قريةصغيرة علي الضفة الشرقية من النيل في منطقة ريفى مروي .أما( تميداب النافعاب )فهى حلة صغيرة في منطقة خلاء شندي . جعفر عبد المطلب [email protected]