رأي وجدت نفسي فرحانة «عديل» عندما قرأت في صحف الجمعة 3 جمادى الآخر الموافق 21 أبريل 3102م خبر انعقاد مؤتمر تطوير العمل القانوني واعتبرته أبو المؤتمرات وأمها كمان فلا تغيير ولا إصلاح في أي مرفق أو مؤسسة يمكن أن يتم دون الإصلاح القانوني. وبعد ان جربنا كل السبل للتغيير وسلكناها بشجاعة وتصميم من أجل الاصلاح والتغيير ولم نصل الى الهدف المنشود، زاد يقيننا بان الاصرار والحزم من اجل اصلاح القوانين وتطويرها وسد فجوة التشريعات لا سيما التي تتعلق بحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو الطريق الذي سيوصلنا الى - على الأقل - بناء الثقة وامكانية التطوير. وأذكر ان الحماس قد فاض بي في إحدى الندوات التي عقدها التلفزيون القومي وقمت باقتراح إنشاء «مفوضية لاصلاح القوانين» ولحسن حظي وسوئه معاً كانت الضيفة التي أشاطرها البرنامج الأستاذة بدرية سليمان - ردت على المقترح بقولها «ماذا تفعل المحكمة الدستورية»، وحرمني مقدم البرنامج من فرصة الرد «فلا يفتي أحد - بالنسبة له - في وجود الأستاذة بدرية» ولو أتاح لي الفرصة لقلت ان طبيعة المحكمة الدستورية مختلفة عن المفوضية التي اقترحتها ذلك ان كلمة «محكمة» تعني التحكيم ذلك أنها لا تنظر الا في المسائل المختلف حولها والمرفوعة لها طبقاً لقانونها ولوائحها هذا من جهة ، ومن جهة أخرى نحن نمر بمرحلة انتقالية كبيرة ونحتاج الى مفوضية لاصلاح القوانين فلو لم يكن الا مسألة الحكم الفيدرالي» لاحتجنا لمفوضية لاصلاح القوانين فكيف بوجود خارطة جديدة واتفاقيات جديدة تأتي لسلطات جديدة كل يوم ناهيك عن سنة التطور الطبيعية. أعود لمؤتمر تطوير العمل القانوني الذي أسعدني باعتباره الخطوة الصحيحة في درب التغيير وارجو ان يكمل مولانا محمد بشارة دوسة السير في هذا الدرب بثقة وحزم فهو الأقدر على ذلك تؤهله نشأته منذ نعومة اظافره في بيئة ادارية صارمة ملازماً لجده السلطان ثم دراسته للقانون، والأهم من ذلك تحمله لامانة «العدل» مكلفاً بها، والعدل وحده القادر على اعادة الثقة للمجتمع السوداني، وقد بدا السيد رئيس الجمهورية عازماً على ايجاد بيئة سياسية قانونية تتيح الفرصة للحوار والتشاور حول تقويم المسيرة الوطنية. كذلك يستطيع مولانا محمد بشارة دوسة ان يكمل مشوار تطوير العمل القانوني دعماً للخطوات التي بدأها السيد علي عثمان نائب رئيس الجمهورية بشأن الحوار الذي يجب ان لا يقتصر على الحوار السياسي بل يشمل الحوارات القانونية والتربوية والاجتماعية من أجل التأسيس لمرحلة تعيد للسودانيين الأمن والطمأنينة. أعود هذه المرة للفرحة العارمة التي اجتاحتني وأنا أقرأ خبر انعقاد مؤتمر تطوير العمل القانوني لأبرر هذه «الفرحة» لأن الفرح بدون مبررات في ظل الظروف التي نعيشها اليوم «عوارة» ولكن من أجل الظروف التي نعيشها «فرحت» وذلك لأن: أولاً: ان السير في اتجاه تطوير العمل القانوني يعني السير في اتجاه بناء الثقة ، وبناء الثقة يحتاج الى وقت ،كما ان نتائج الاصلاح القانوني تحتاج الى وقت ونحن في سباق مع الوقت.. يجعلنا نتخذ من مؤتمر تطوير العمل القانوني عاملاً من عوامل بناء الثقة ولكي يكون كذلك لا بد ان يكون المؤتمر صادقاً وحازماً وصريحاً في قراءته للواقع، وان لا يكون فقط مناسبة لتمرير رسالة. وبذلك يساهم في فقدان الثقة بدلاً من تعزيزه. ثانياً: ينعقد مؤتمر تطوير العمل القانوني والمجتمع السوداني لم يعد يحتمل «الدغمسة» وبات المجتمع السوداني أمام خيارين لا ثالث لهما إما الخضوع أو الثورة ويمكن لمؤتمر تطوير العمل القانوني أن يكون الخيار الثالث إذا توفرت له العزيمة والصدق وإذا قرأ القائمون به الواقع جيداً. ثالثاً: يعيش السودانيون رغم كثرة التشريعات والندوات والمؤتمرات والاتفاقات حالة من القلق والخوف ونقص في الأنفس والثمرات وانكماش في المودة والتراحم لم يعهدوا مثلها من قبل، ذلك ان هذه التشريعات والمؤتمرات والاتفاقات تنقصها الرقابة والمحاسبة ، وان الامر تم إيكاله الى غير اهله وضاعت «الأمانة» لذلك فان تطوير العمل القانوني يجب ان يتناول موضوع المحاسبة وان يتقلد الامانة من يستطيع القيام بها. رابعاً: ان قيام مؤتمر لتطوير العمل القانوني يجب ان ينظر اليه المهتمون بحقوق الإنسان كسانحة للتذكير بضرورة حماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال تطوير القوانين لتتوافق جميعا مع وثيقة الحقوق. وكذلك يجب ان تكون الاولوية لمحاربة الفساد وان يكون المؤتمر فرصة لبناء رأي عام يضغط في اتجاه تعزيز وحماية حقوق الإنسان من خلال اصلاح القوانين ومن خلال انفاذها. إن مؤتمر تطوير العمل القانوني الذي سيعقد يوم الاثنين 41 أبريل 3102م ببرج العدل يمثل الخطوة الأولى في طريق الحكم الراشد. والحكم الراشد ليس وصفة سحرية جاهزة تقدم لأمة من الأمم لتغير بها حالها بين عشية وضحاها. جاءت كلمة الحكم الراشد من اللغة الانجليزية good governanceوقد استخدمته مؤسسات «بريتون ووردز» بعد الحرب العالمية الثانية وهي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووضعته في المجال الدولي - ولكننا لا ننادي بالحكم الرشيد لهذا السبب فقط ولكي نكون «مناسبين في نظر العالم لكننا بحاجة شديد - ومن أجل كرامتنا كشعب - ان ندلل على قدرتنا - ومن خلال تحركات تلقائية على قدرتنا ورغبتنا كمجتمع إنساني راقي - على ترسيخ مبادئ واساليب الحكم العادل في مجتمعاتنا. إن أول ذكر للحكم الرشيد ورد في القرآن الكريم عندما استطاع فرعون أن يحول حلمه الذي فسره سيدنا يوسف عليه السلام الى خطة عمل وتحسب للسنوات العجاف وأخذ المسؤولية على عاتقه وقام بالحصر والتخزين والتوزيع العادل القانوني لكل الشعب واضعا الشرائح الضعيفة في المقدمة مستخدما «القوي الأمين». اننا اليوم كسودانيين نمتلك طاقات هائلة طبيعية وبشرية تحتاج الى إصلاح قانوني وارادة سياسية ولنبرهن للعالم مدى قدرتنا على «تكييف اوضاعنا». إن مسألة تطوير العمل القانوني تكاملت لها الفرص اذ بجانب الارادة السياسية ممثلة في رئاسة الجمهورية، والارادة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل هنا المفوضية القومية لحقوق الإنسان التي تم إنشاؤها بموجب قانون 9002م الذي أعطاها سلطات واسعة في مجال المساهمة في تطوير العمل القانوني وذلك وفقاً للاختصاصيات التي وردت في الفصل الثالث من قانون المفوضية منها على سبيل المثال:- رفع التوصيات والمقترحات والتقارير الى المجلس الوطني والحكومة او أية جهة أخرى بشأن أية مسألة تتعلق بحقوق الإنسان بما في ذلك طلب اعادة النظر في النصوص التشريعية او القرارات الادارية لتتسق مع المبادئ الاساسية لحقوق الإنسان. أيضاً العمل على مواءمة التشريعات والممارسات الوطنية لحقوق الإنسان. إننا نعاني حقيقة من أزمة حادة تتعلق بتطور المجتمع من جهة وضرورة تطوير الحكومة من جهة أخرى لذلك «فرحت» بمؤتمر تطوير العمل القانوني، وان شاء الله الفرحة تدوم. الصحافة