ان ما تشهده البلاد حاليا في هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ السودان المهدد بأن يكون أو لا يكون، يتطلب من الجميع المشاركة بالرأي والفكر والعمل حفاظا علي الوطن ومستقبل الاجيال القادمة، بعيدا عن المكايدات وتصفية لخصومات السياسية ، وبعيدا عن التقوقع والانغلاق والاستلاب ، فمصلحة ومستقبل الوطن تسمو وتعلو علي ما سواها من أموروأولويات ،واختلافنا عن الساسة أننا نخوض فيها من منطلق محايد يقول للمصيب احسنت وللمخطئ أخطأ ت، انطلاقا من واعز الضمير والصدق والمواطنة والمصلحة العامة دون محاباة لاحد أوخوفا من أخر، وفي الحقيقة أذا رجعنا للتاريخ علي مر العصور نستقي منه العبر ونستضئ من وهج ضيائه ، فأن أي نظام سياسي له عمر ونهاية ومهما طال بقاؤه في الحكم يوما الي متحف التاريخ علي الة حدباء محمول وهذا يتتطلب تناول المواضيع العامة المطروحة علي الساحة، ومناقشتها بموضوعية، و تبادلا وتلاقحا للاراء والافكار وتحريكأ للبركة الساكنة فيما يتعلق بالهم العام بحيادية تامة ودونما تجريم أو تأثيم، أو شخصنة للمواضيع أو تجريح، بل في إطار نقد بناء ينطلق من مفهوم أن الخطأ شيمة البشر وأن كل أبن أدم خطاء وخير الخطائيين التوابون وإننا جميعا نخطأ ونحتاج إلي من يصفح عنا وكلنا نذنب ونحتاج إلي العفو والصفح والمغفرة ، ولكن بالاعتراف بالحق تنفلق نواة الفضيلة والتسامح، ولنكن جميعا أشبه بشجرة طيبة تطرح ثمارا طيبة اذاقذفها البعض بالحجارة ترد عليهم بإلقاء أطيب الثمر ليس ضعفا اوخوفا، أو استلابا ، بل تسامحا وترفعا، وشموخا وأصالة وطيا لصفحات الماضي وتجاوزا للأخطاء والانفلاتا ت، وتحسسأ وتلمسأ لموضع الداء، وتشخيصه، والمشاركة الجماعية الفكرية الموضوعية في وصف الدواء، أواستخدام مشرط الجراح بالتحليل والنقد الموضوعي واقتراح الحلول الواقعية، فالجرح العميق لا يبرأ علي تقيح وصديد، بل لابد أولا من تنظيف الجرح بعملية مشرطية قد تكون مؤلمة ولكنها ضرورية لحماية بقية الجسد، وفي إطار تسامحي وقبول الرأي الاخر والمجادلة بالتي هي أحسن وصولا إلي المصلحة العامة ،بعيدا عن الانفعالات والآراء المسبقة أو الكيد الشخصي أو السياسي، وليكن شعارنا الاعتدال لجمع الصف،ولم الشتات ارتكازا علي أرضية مشتركة وصولا لجوهر الحقيقة وعلي أساس الرأيِ والرأي الأخر والاستعداد للاعتراف بأخطائنا واكتشافها ،والطموح دائما للوصول إلي أقرب نقطة من الصدق والحقيقة بالسمو فوق المصالح الذاتية الضيقة ، والنظر إلي المصالح في إطار مصالح الأخريين، وتحصين مستقبل الأجيال القادمة من الانتكاسة والعودة إلي سلبيات أساليب وسياسات المراحل السابقة . وفي الحقيقة إن النخب السياسية التي تعاقبت علي حكم البلاد منذ الاستقلال ،فشلت في إقامة نظام حكم عادل وجامع لكل أهل السودان، يحقق الديموقراطية والشورى والعدالة في توزيع السلطة والثروة، والمساواة وبسط الحريات وضمان حقوق الإنسان وكل الحركات المسلحة في السودان كان مبرر تمردها اهمال الحكومات المركزية وتهميشها لمواطني الاقاليم وغرضها المعلن السعي نحو استرداد الحقوق المهضومة في مجال القسمة العادلة للسلطة والثروة. ودلت التجارب علي أن الطريق الوحيد والممهد والمسموع لا يسلك الاعبر رفع السلاح واستخدام القوة في وجه السلطة المركزية الحاكمة ، مماجعل الحركات تجعلها وسيلتها للتعبير عن مطالبها وتحقيق اهدافها، ومن هنا يبدأ المسلسل الدامي بين المتمردين والحكومة يقتل من يقتل وينزح من ينزح ويلجا من يلجا لدول الجوار اوالدول الاخري في العالم وتتازم الاوضاع بين الجانبين وبعد أن يقع الفاس في الراس ويسقط الضحايا ويخرب الزرع والضرع وتدمر البنيات الاساسية القليلة الموجودة، يتم الجلوس الي مفاوضات برعاية دول أجنبية من اجل النظر في المشكلة وكيفية حلها وينتهي مشهد المسلسل المكرر باتفاق سلام يطلق عليه اسم البلد الاجنبي الذي شهد توقيع الاتفاق و يتم فيه اقتسام كيكة امتيا زات السلطة ، وعند التطبيق العملي لا يجني منها المواطن ضحية ووقود الحروب سوي السراب، مما يؤدي الي انفلاق نواة ظهور حركات عسكرية متمردة جديدة لتدور الدائرة الخبيثة تمرد / اتفاق / تمرد في ظل انظمة متغيرة ،ديمقراطية يعقبها انقلاب عسكري ثم ديمقراطية ثم انقلاب عسكري. في عام 2004 صدر تقرير عن التنمية الإنسانية بالدول العربية ؛بدعم من برنامج الأممالمتحدة الإنمائي ؛ والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية؛وبرنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأممالمتحدة . ويشير التقرير إلي ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية علي حكومات الدول العربية ؛لتحقيق التغيير السياسي ؛ويحذر تلك الحكومات من أنها ستواجه نهوضا اجتماعيا فوضويا؛ أن لم تسارع إلي الإصلاح ؛ نتيجة لتفاقم الصراعات المجتمعية؛مع غياب البدائل السليمة لمعالجة المظالم ؛ وتحقيق التداول السلمي للسلطة ؛مما يشجع البعض باعتناق التغيير بالعنف ؛ وما قد يترتب عليه من مخاطر الخسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة ؛بالإضافة إلي ذلك أن أنظمة الحكم اللاحقة ليس من الضمان أن تكون أقرب إلي عقول الناس وقلوبهم .وقد أوضح التقرير؛وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في العالم العربي بصفة عامة ؛ و بصفة خاصة علي بعض الجماعات لأسباب دينية ؛ اوثقافية ؛الغوية؛أو عرقيه واثنية؛اوسياسية الخ .مما يهددبالانفجارات الداخلية وسيادة سياسة العنف . وقد خلص التقرير إلي أن السمات العامة للمجتمعات العربية علي النحو التالي :_ 1/ بالرغم من أن دساتير معظم الدول العربية تنص علي أن سيادة الأمة ،مستمدة من الشعب ؛ الا أن الممارسة الفعلية توضح أن المشاركة الشعبية والديمقراطية ما زالا منقوصين . 2/ أن مصدر الشرعية ليس الشعب ،بل مصدرها رئيس الدولة ؛ الذي يستمد شرعيته ؛من الحركات الثو رية ؛ أو المرجعيات الدينية أو العشائرية أو القبلية . 3/ محاولة بعض الأنظمة تعزيز شرعيتها ؛ بطرح نفسها ؛ بصفتها أهون الشرين؛أو أنها خط الدفاع ضد الفوضى ؛ والا نقسام ؛ وتفكيك وانهيار الدولة . 4/ أن الأساليب المتبعة حاليا ؛ تحول دون وصول الأحزاب السياسية إلي السلطة ؛وبالتالي ا عاقة التغيير المطلوب ؛وأي وسائل أخري مشروعة للمشاركة المدنية في الحكم . 5/ أن الاعتماد علي عناصر التحكم ؛ وتهميش النخب عبر التهديد أو الترغيب ؛أو ابرام الصفقات والتحالفات مع قوي إقليمية أو عالمية ؛يحول دون ظهور القوي السيا سية الجديدة . 6/ أتضح بعد إجراء مسوحات واستبيانات في 5 دول هي (الجزائر والاردن لبنان والمغرب / فلسطين ) أن الناس يفتقدون للحكم الديمقراطي العادل والشفاف ؛والحريات الأساسية ؛ خاصة في مجالات المعارضة الفعالة ؛ وشفافية الحكم ؛ ومحاربة الفساد ؛واستقلالية القضاء؛والإعلام المستقل ؛والصحافة الحرة . وعدم عدالة توزيع السلطة والثروة . وقد اجمع الذين شملهم الاستبيان والمسح علي أن تصورهم للحريات يتطلب تحقيق الأتي : 0 توفير الحريات الأساسية والحقوق المضمنة في المواثيق الدولية 0 الحكم الصالح الراشد عبر انتخابات نزيهة وحرة . 0 عدالة توزيع السلطة والثروة . 0 استقلال القضاء ووسائل الإعلام . 0 مكافحة الفساد . 0 المساواة أمام القانون . 0 المساواة بين الجنسين ويطرح التقرير ثلاث خيارات يخبئها القدر للمجتمع العربي علي النحو التالي : الخيار الأول الاقتتال وآلا ضطرابا ت الداخلية والعنف نتيجة للخلل في توزيع السلطة والثروة ؛بالإضافة إلي التضييق علي الحريات ؛وفي ظل غياب آليات سلمية وفعالة لمكافحة المظالم؛فانه من المتوقع رد الفعل العنيف ؛والاقتتال الداخلي ؛بهدف انتقال السلطة ؛ وما قد يترتب عليه من خسائر بشرية ومادية. الخيار الثاني التبادل السلس والسلمي للسلطة تفاديا للخيار الأول الد موي والكارثي؛لابد من الشروع الفوري في التفاوض السلمي ؛حول إعادة توزيع السلطة والثروة في البلدان العربية ؛ وضمان الحريات للجميع ؛ والمشاركة السياسية الفعالة ؛واحترام حقوق الآخرين وحرياتهم ؛ وتمتع مؤسسات الدولة بالشفافية ؛وتقبل المساءلة والمحاسبة ؛والقضاء المستقل ؛وصولا لتبادل سلس غير منقطع للسلطة ؛ تأمينا للاستقرار والتكافل الاجتماعي ؛ ووصولا إلي قيام الحكم الصالح الخيار الثالث هو الإصلاح من الداخل ؛ ويتم عن طريق الإصلاح التدريجي ؛ بمبادرات إقليمية أو عالمية ؛من منطلق الشراكة وليس الوصاية ؛ وذلك وصولا لتحقيق منظومة المبادءي الأساسية التالية :_ 1/ إلغاء حاله الطوارئ والقيود علي الحريات . 2/استقلالية القضاء . 3/ احترام حريات الرأي / التعبير /الفكر / التجمع / الأديان /الثقافات 4/ إنهاء كافة صور التهميش والتمييز ضد الجماعات والأقليات . 5/ إلغاء حالة الديمومة والسلطة المطلقة ؛والربط بين التعددية وحكم القانون .. 6/ضمان التعدية الحزبية؛ والسماح لجميع التيارات السياسية بالتنظيم والمنافسة في المجال العام . وأختتم هذه المداخلة بالقول بان معظم مشاكلنا في السودان تكمن في اننا لم نستطع التفرقة بين الدولة والحكومة ،فالدولة في ابسط تعريف هي رقعة جغرافية حدودها تسمي بحدودالدولةوالسكان الذين يعيشون فيها هم مواطنو اوشعب الدولة.اما الحكومة فهي الاجهزة التي تقوم بوظائف الدولة السياسية والتنفيذية والتشريعية والقضائية وحماية حدودها الخارجيةوالامن الداخلي وتمثيلها خارجيا الخ .والدولة مسئولية الجمبع وانهيارها انهيار للجميع فالحكومات تذهب وتجئ مهما طال بها المقام والايام دول وكل ما نرجوه بقاء دولة السودان وهذا ما يتطلب الاتفاق علي الحد الادني بين الحكومة والقوي المعارضة الذي يكفل بقاء الدولة وعدم انهيارها وتفتتها وهذا الحد الادني هو التحول السلمي الديمقراطي والانتخابات النزيهة الشفافة وفي اطار من العدالة في توزيع السلطة والثروة .والشفافية والمساءلة وسيادة حكم القانون علي كل من المواطنيين والدولة علي حد سواء فهذا جوهر المشروعية . علينا أن نعترف بأن الاخطاء في حق الوطن كثيرة ومركبة منذ الاستقلال ؛والحقيقة الظاهرة للعيان ان المخاطر الداخلية والخارجية تهدد الوطن بالتفكك والانقسام؛وكفانا ضياع جزء غالي من وطننا في الجنوب ضحينا من أجل الحفاظ عليه بالالاف من المهج والارواح الغالية وعلينا ان لا نكابر ونتعظ لنسلم ما تبقي من الوطن للاجيال القادمة موحدا،فالتاريخ لا يرحم ،وحتي لا يلعننا التاريخ ،ولا يلعننا احفادنا ؛ مما يتطلب منا ألتوافق والتراضي وتحقيق الوحدة الوطنية ،وتصالح الشعب مع نفسه اولا ؛وتصالح الحكومة مع الشعب ؛في اطار دولة المواطنة والحقوق والواجبات ؛ والحكم الراشد والعدالة في توزيع السلطة والثروة ،والعدالة الانتقاليةالتي غايتها طي صفحات الانتها كات الماضيه وفق معادله توازن بين عدم نسيان الماضي والمحاسبة القانونية العادلة لكل مخطئ ؛ وفي نفس الوقت عدم اثاره النز عات الانفصاليه او الانتقا ميه ؛ وهذا يقتضي تقصي الحقائق بكل شفا فيه ؛ وموضوعيه ؛ وحيده ؛ وتجرد من الاهواء الشخصيه ؛ لتقوم العداله بدورها ؛وجبر الضرر ؛ ورد الاعتبار المعنوي والما دي للضحا يا واسرهم . ولنا في تجربة جنوب افريقيا دروس وعبر مع الفرق في الظروف والمررات والمظالم التي كانت سائدة . وقد سبق للراحل المقيم الشريف زين العابدين الهندي منذ ما يقرب من عقد من الزمان أن طرح مبادرة وطنية لكل القوي السياسية السودانية تقوم علي التوافق والتراضي علي ثوابت وطنية ثابتة وراسخة لا تتغير ولا تتبدل بتغير أو تبدل الحكومات لانها أصبحت دستور عرفي شعبي يتعارف عليه الناس ويرتضونه.ولكن للأسف لم تلقي المبادرة الاستجابة المطلوبة والأيام أثبتت لنا بصيرته الثاقبة؛وتوقعاته المدروسة التي تدل علي الافق السياسي الواسع والوطنية والغيرة علي الوطن تغمده الله بواسع رحمته ويقول الشاعر احمد مطر كن ما شئت كن أيا كان من جنس الإنس أو الجان لا اسأل عن شكل السلطة اسأل عن عدل السلطان هات العدل وكن طرزان [email protected]