أصبح المشهد السياسى السوداني رتيباً بصورة لم تعهدها البلاد من قبل، فالحكومة سادرة فى غيّها فى تمكين دولة الإستبداد والفساد ومواصلة إنتهاكات حقوق الإنسان فى كافّة المجالات بلا إستثناء، يساعدها فى ذلك، وجود برلمان صُورى هو في الواقع صناعة حكوميّة خالصة، وليس سلطة تشريعيّة، مهمّتها إحكام الرقابة على أداء السلطة التنفيذيّة، والمعارضة فى الجانب الآخر، تُعاني من فقدان وضوح الرؤيا الجمعيّة فى تنفيذ تعهُّداتها للشعب بإسقاط النظام بآليّات واضحة ومُجرّبة من قبل، إذ مازالت هناك أطراف في المعارضة تقدّم رجلاً وتؤخّر أُخرى فى مقاومة النظام، وهناك أطراف أُخرى تعجبها هذه الحالة الإستثنائيّة "الرماديّة " فترسل رسائل متناقضة، تجعل جماهيرها فى حالة من الحيرة والإرتباك والتشويش الذهني فى فهم الواقع،وهذا يؤثّر فى عمليّة تسريع التغيير المنشود. فى الجانب الآخر من النهر تقف القوى التي ترفع شعار التغيير المسلّح، هى الأُخرى تواجه واقعاً صعباً مُركّباً ومصاعب حقيقيّة في تنزيل هذا الأُسلوب فى الواقع السودانى، تجعل من التغيير الكامل والشامل للنظام، عبر البندقيّة مُغامرة ليست محسوبة الجوانب، فحسب، بل إستحالة، وقد يصل العجز عن تحقيق الهدف بالسرعة المرغوبة، والصبر على مراكمة النضال المُسلّح، إلى ملامسة حالة من اليأس، تقود بعض المجموعات المقاتلة إلى دخول مرحلة جديدة من الصراع، تتّسم باللجوء إلى الإقتتال الداخلي وتصويب فوهة البندقيّة إلى أطراف مُعارضة "مُنشقّة" وتكريس حالة من التصفيات والإغتيالات والإنتقام وإثبات الوجود فى مسرح قتالي صغير ومحدود، بدلاً عن تصويب المدافع إلى العدو الرئيس فى المعركة. وهذا حتماً سيفيد الحكومة أكثر ممّا يضرّها، حينما يتقاتل الثُوّار فيما بينهم، بدلاً عن تحقيق شعار وحدة البندقيّة وتجميع طاقات الحركات المُسلّحة!. هذا الواقع الذى يمكن وصفه بعبارة "المازوم" والذى يمكن تسميته بحالة "توازن الضعف"، لا يمكن أن ينتج عنه سوى المزيد من الضعف والإنهاك للموارد والطاقات الثوريّة الكامنة فى الشعب، وبخاصّة فئة الشباب التي لا يُمكن إحداث أيّ تغيير فى الواقع دون مُخاطبة قضاياها وتطلّعاتها بصورة علميّة وعمليّة وجذبها إلى العمل المُعارض السلمي الديمقراطي. المطلوب من المُعارضة وبخاصّة الأطراف الجادّة فيها، إعادة قراءة تاكتيكاتها ومُراجعة أساليبها النضاليّة والإقتراب أكثر من نبض الشعب، الذى وصل بفطرته السليمة إلى ضرورة إسقاط النظام،وهو شعار صحيح يتوجّب الإمساك به والإستعداد لتقديم التضحيات اللازمة فى سبيل إنزاله على أرض الواقع، ومنازلة الحكومة بصورة يوميّة ومدروسة ومُخطّط لها والإستعداد لمواجهة آليّات قمعها بالصمود والتحدّي، وحتماً سيتحقّق التغيير الديمقراطى المنشود وسينتصر شعبنا فى معركة التغيير بإسقاط النظام وبناء البديل الديمقراطى. مدارات فيصل الباقر [email protected]