النكتة أصبحت مكونا ساخرا لانعكاسات الموقف السياسي في الشارع السوداني ، لايمر حدث الا واستثمره ظرفاء المجتمع اللماحون في اخراج طرفة ربما تكون أكثر بعدا في التعبير عن كثير من المقالات والأعمدة والخطب ! وأحيانا تستوحى النكتة من أخرى قد تنسجم معها في السياق العام ، ولكنها ربما تعارضها في خاتمة المعنى بمضمون أعمق يكون مطابقا للواقع الجديد الشاغل على الساحة ! كان الناس كثيرا ما يتبادلون نكتة ذلك الرجل الريفي البسيط الذي طلب من ضيوفه الغرباء عن قريته بعد أن تناولوا معه الطعام ، الا يغسلوا أياديهم قبل أن يأتي الحلو ، فظلوا مدة حتى أتى صبي يحمل أدوات الغسيل من طشت وابريق وصابونة ، فأمره أبوه قائلا ، عجّل يا الحلو يا بني ، أغسل للضيوف ، فأسقط في يدهم بعد اكتشافهم المقلب ، اذ ظلوا ينتظرون وهم يتلمظون انتظارا لحلو آخر لم ولن يأتي بالطبع ! بالأمس وعلى خلفية الأحداث الأخيرة ، حكى لي صديقي الظريف ، نكتة تصب في ذات المعنى ولكنها تختلف من حيث البعد السياسي ، وقد تصلح رسما كاريكاتيريا أيضا ! فقال ان مجموعة من قادة المؤتمر الوطني كانوا على مائدة غداء بمنزل الرئيس البشير ، وبعد أن انتهوا من تناول الوجبة ، دخلت عليهم احدى زوجاته لتطمئن ان كان الطعام قد أعجبهم ؟ فردوا عليها بالمدح الماطر و الثناء العاطر ، فانتشت كأية سيدة يغرها الاطراء ! وقالت لهم اذن لا تستعجعلوا الذهاب.. ( لان الحلو سيأتي اليكم قبل الشاى) .. ولم تكمل كلمتها تلك حتى عضّ الجميع على طرف جلبابهم و طوّحوا بالشالات الأنيقة بعيدا والبعض ترك مركوبه مقلوبا عند باب الدار ، بينما لم ينتظر آخرون أن ينفتح الباب فتسوروا الحائط كسبا للزمن والروح العزيزة ! وشتان بين الذين حلموا ومنوا مذاقهم بمليعقات حلو ظلوا ينتظرونه وبين الذين هرعوا توجسا من قدوم حلو آخر ، بات علقما في حلق البرلمان والصحافة وقيادة الجيش ومليشيات الشباب المغرر بهم لدخول مناطق لا يعلمون شيئا عن شعابها ! بينما الذين يتناولون فاخر الطعام في سرايات الخرطوم تخيفهم سيرة رجل ، كم اجتهدوا رجما بالغيب ليعرفوا فقط ويطمئنوا ان كان حقا قد مات ليرتاحوا من مرارة سيرته التي جعلتهم يبحثون عن الضبة والمفتاح لاغلاق أسوار الخرطوم عليهم ! ولعلهم قد يموتون من الخوف ..عملا بالمثل السوداني القائل .. ( كتلوك ولا جوك ) فاين أنت أيها الحلو .. فالشعب السوداني كله يتلمظ انتظارا لقدومك الميمون أيا كنت ثورة من الشارع أم ثوريا من الأطراف ، ليتغيّر بك مذاق الحنظل الانقاذي الذي سكن الحلوق بل والقلوب طويلا ! محمد عبد الله برقاوي.. [email protected]