* أيقظني البارحة تغريد طائر وعتمة الفجر ما زالت تعم الأرجاء.. * لم يكن هناك من طائر يغرد سواه- في تلكم اللحظات- رغم كثرة الأشجار بالحي.. * استشعرت سعادة (نادرة!!) ايقظتها في دواخلي- مع يقظتي الحسية- ذكريات أيام بعيدة خلت.. * من الذكريات هذه ذكرى قصيدة مدرسية- ونحن صبية بعد- يقول مطلعها: طائر يشدو على فنن... جدد الذكرى لذي شجن... قام والأكوان نائمة... ونسيم الصبح في وهن... * فقد كنا ننشدها لحناً على أنغام طيور تغرد من على أغصان أشجار النيم التي تنتشر في باحة المدرسة.. * كانت سيمفونيات عشوائية رائعة تشارك فيها العصافير والقماري والكُرج.. * ومن وحي السعادة (الفجائية) هذه قفزت إلى ذهني تساؤلات عدة: * لماذا ترتبط السعادة لدينا بالذكريات الماضوية- دوماً- عوضاً عن واقع و إن بدا (أليماً) مثل واقعنا الراهن؟!.. * ولماذا يبقى الماضي هذا- بذكرياته- هو (الزمن الجميل) الذي نعجز عن استشعار مثله في كل مرحلة حاضرة من مراحل عمرنا؟!.. * ولماذا ننظر إلى مسببات السعادة وكأنها محفوظة في خزانة خلفية (مفاتيحها) لدى طائر حين يغرد، أو نسمة حين تهب، أو سحابة حين تمطر؟!.. * (يعني) باختصار؛ لماذا نترك ما تجود به لحظات الراهن المعاش من مُسعدات تنسرب منا لنجترها بعد ذلك كذكرى ماضوية (لذيذة) بين يدي طقس ذي صلة أو منظر أو تغريدة؟!.. * صحيح أن (قبح!!) الراهن قد يكون- أحياناً- أقوى من أن يسمح باستشعار نفحة من نفحات السعادة ولكن محض القدرة على الاجترار الذي أشرنا إليه هذا يعني أن في الإمكان عدم الاستسلام (الكلي) لوحشة (الكآبة).. * فطاقة النفس تتجدد بالتفاعل مع الذي حولنا من جمال بينما تخبو وتزوي وتندثر مع طول التعايش مع الإكتئاب.. * بل إن كثيراً من الأمراض (العضوية!!)- بما فيها الخبيث منها- قد يكون سببها (نفسي!!).. * وزميل من زملاء دراستنا حكم على نفسه بالجنون- ثم الإعدام- بسبب حبس نفسه في (سجن) محبوبة من الزمن الماضي.. * فلا هو قدر على نسيانها- وقد كانت هجرته- ولا هو قدر، كذلك، على استحضار ما كان بينهما من لحظات سعادة ليستمد منها (طاقة) تعينه على مواصلة (مشوار) الحياة.. * فلا يعقل ألا يكون هناك طائر غرد فوق شجرة كانا يقفان تحتها.. * أو موجة تكسَّرت عند اقدامهما اثناء جلوسهما على الشاطيء.. * أو نسمة مسائية عطرة هبَّت نحوهما من جهة الحقول.. * ونختم كلمتنا هذه بنصيحة لكل من يريد أن يجرب نعمة (القبض) على لحظات الراهن السعيدة بكلتي يديه بدلاً من ادخارها لقادم من الأزمان ك(ذكريات!!).. * إياك أن تستمع إلى تغريد طائرة وأنت تنصت إلى (آهات جيبك!!).. * أو تطالع عناوين الصحف.. * أو تستحضر تصريحات لوزير المالية !!!!!