كثير من الناس يخشي من التغيير في نظام الحكم لانه يدخل البلاد في فراغ دستوري ويوقف العمل في كثير من مناحي الحياة خصوصا المشاريع الاستراتيجية ويفتح الباب علي مصرعية لفاسدين جدد أكثر شراسة ونهم من من سبقهم بإعتبار ان هؤلاء شبعوا والقادم لا بد له من أن يشبع ثم من بعد ذلك يلتفت الي مشاكل الناس وهمومها وتطلعاتها إضافة لان الفراغ الدستوري يجلب مخاطر امنية غير محسوبة العواقب . كما ان البلاد تضج بالجيوش الاجنية متعددة الجنسيات وقسم من المعارضة يحمل السلاح في وجه الدولة ويسيطر علي مناطق ذات تأثير كبير علي اقتصاديات البلاد ,كما أن الانتهازيين سرعان ما يساندون القادم ثم يشكلون تركيبة الحكم بما يتوافق مع أهواءهم وأمزجتهم ومصالحهم. مما يتسبب في سرقة الثورة أو فشلها و يجعل البلاد عرضة للاستقطاب الاجنبي والتدخل في أمور ذات شأن سيادي وطني. ونحن ندرك كل هذه المخاطروغيرها ولكننا هنا نحاول أن توضح بعض الحقائق التي من شانها إحداث نقلة نوعية في تفكير الناس واتجاههم لدعم مشروع التغيير المنشود وبعث الطمانينة في نفوسهم بأن مستقبل البلاد والحفاظ عليها لا يتأتي إلا بثورة شعبية شاملة تكبح جماح التعدي علي الحريات وتوقف مسلسلات التخريب والفساد المنظم والمسكوت عنه . ثورة تعمل علي تحرير إرادة الانسان السوداني فيستطيع إتخاذ قراره بنفسه ويحدد مصيره بعلم وحزم. ثورة من أجل نهضة حقيقية شاملة ثورة من أجل إخراج الناس من عوالم الفقر والتخلف والعصبية للقبيلة أو الطائفة ثورة من اجل كرامة الانسان وعزته ثورة من أجل إنسان السودان ليعود له بريقة وألقه وتألقه ومساهمته في الحضارة الانسانية . أولا " قصة الفراغ الدستوري هذه اكزوبة كبيرة يتحجج بها سدنة النظام وعرابوه للحيلولة دون تطلع الجماهير لمشروع التغيير المنشود كما ان النظام الحالي وخلال الاربعة وعشون السنة الماضية لم يبزل جهد في عملية مشروع الدستور ومازلنا نحكم بقوانين الانجليز وكل الدساتير المؤقتة من هديه وموجهاته واهدافه العامة بيد انه كان بإمكانه بدلا من التحدث عن مشروع دستور التعديل في اي من الدساتير المؤقتة التي حكمت البلاد خلال الحقب الماضية وإجراء استفتاء شعبي عليه ليصبح دستورا دائما خصوصا ان معظم القوي الوطنية قد توافقت علي بناء الدولة المدنية واعتماد نظام التعددية الحزبية تحت مظلة دولة فدرالية رئاسية أو برلمانية تسود فيها روح القانون وموجهاته. ثانيا : صحيح أن أي تغيير في السلطة العليا للبلاد ربما يوقف عجلة التنمية ولكن هذا الامر لحين إستكمال الرؤية العامة الموجبة لها والتي ستدفع بها إلي الامام بوتيرة اسرع وأجود من ذي قبل وسيلحظ الجمهور أثرها الفعال فتنشحز همته وتتفجر طاقته فيزيد عطائه وصبره لانه يري بأم عينيه بشريات المستقبل القريب وما صبابة مشتاقٍ علي أمل من اللقاء كمشتاق بلا امل ثالثا: قضية الفساد ومحاصرته ومعاقبة مرتكبوه من القضايا الملحة والمؤثرة علي مستقبل النهضة في اي بقعة من بقاع المعمورة لا سيما إذا اصبحت منظومة الفساد طاغية كما هو الحال في بلدنا هذا من شانه ان يحبط اصلاحات المصلحين ويشجع أخرين علي ارتياد ناديه اسوة باقرانهم الذي كانوا مثلهم يعانون من الفقر والعوز وفجأة اصبحوا من اصحاب الثروات والاملاك . لكن دولة الدستور والقانون المستمدة وجودها من أصوات الناخبيين ذات الحريات العامة المفعلة لا تسمح بمثل هذه الممارسات المميتة لكنها تراقب وتحاسب وتمنع وتحاصر مرتكبيها فيكونون عبرة لغيرهم وبذلك تضيق دائرة الفساد حتي تتلاشي عن الوجود. رابعا : لا تخلو ساحة عمل سياسي أو فكري في كل بلاد الدنيا من الانتهازيين ولعل القران الكريم فطن لخطر هؤلاء وأوصفهم بالمنافين واذا تطلعنا علي تفسير الآيات الولي من سورة البقرة نجدها قد قسمت المجتمع الي ثلاثة فئآت وقد أذهبت في كشف وتعرية سلوك الفئة الثالثة وخطورتها لانها تتزيا بثوب الإصلاح وتطرح نفسها دائما بصورة أشبه بسريان الماء تحت القش أما الفئتان الاولي والثانية فهما واضحتان في قناعتهما وسلوكهما ويعبران عن نفسيهما بصورة صادقة لا ضبابة ولا لبث فيها اي مع او ضد أبيض او أسود لكن وعي الجماهير وتجاربها السابقة مع الطائفية والاسلاميين ستضيق من تأثيرات هذه الفئة الانتهازية المنافقة والتي تظهر خلاف ما تبطن ولا تحركها شفقة ولا رحمة علي وطن تتناقص اطرافه وتتعقد قضاياه ويتشرد اهله في معسكرات النازحين واللاجئين وإنما تحركها مصالحها واسباب بقاءها علي السطح ومواقع صنع القرار بيد ان مناخ الحريات العامة الذي توجده الثورة الشعبية وحرية التعبير يكشف مثل هذه المجموعات ويحجم نفوذها ويصعب عليها تنفيذ أحلامها في سرقة الثورات أو تغيير مسارها. خامسا : الوجود العسكري الاجنبي وخطره علي مجريات الاحداث في البلاد .من ما لا شك فيه ان النظام الحالي قاد البلاد الي مواجهات مريرة مع المجتمع الدولي وعادي معظم دول الجوار وأدخل البلاد في قائمة الدول الاكثر إرهابا وخطرا علي مصالح الغير فكسب معارضوه دعما دوليا غير مسبوق النظير في تاريخ البلاد وشجع إحياء مشروع تقسيم السودان وساهم في ذهاب الجنوب مستقلا عن أرض المليون ميل مربع وتسبب في الوجود العسكري الدولي في البلاد بسبب مراقبة وقف إطلاق النار بين الحكومة وحملة السلاح والترتيبات الامنية بين دولتي السودان وجنوبه. لكن في حال حدوث ثورة فإن الاسباب الموجبة لوجود مثل هذه القوات تكون قد انتهت وانتفت من ما يعجل برحيلها اما في حال استمرار هذا النظام الظالم أهله فربما تتغير أدوارها ومهامها وتكون طرفا موثرا في حسم أي نزاع يحدث وفق أجندتها ورؤيتها ومصلحتها وساعتها سنقول زبحنا يوم زبح الثور الأبيض ولن نجد وطناً نبكيه أو نفديه. خصوصا بعد المعلومات المؤكدة لدعم أمريكا للجبهة الثورية ومطالبتها صراحة للرئيس السوداني بإحترام مطالب الهامش في أن يقيم نظام الحكم الذي يريد ولا يجبره النظام علي التعايش تحت مظلة دولته الدينية .وهذا الأمر يجعلنا نفكر مليا في كيف يحكم السودان؟ وكيف يصل لسدة الحكم ؟ وما هو الفرق بين الدولة الدينية والدولة المدنية التي نسعي لأقامتها علي أساس المواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات وعدم التميز علي أساس الدين أو العرق. سادسا واخيرا: إن مبررات قيام الجماهير بالثورة كثيرة ومقومات نجاحها كبيرة ذلك انه لم يبقي أملا يدعةها للصبر أو التصبر علي نظام يعترف بعجزه علي الاصلاح الذاتي ويقر بفشل مشروعه الحضاري وبتخلي عرابوه عن مساندته ومأزرته بعد خيبة الامل الكبيرة التي سببها لهم بتردي الاوضاع الي الحضيض وتفشي الازمات وسوء الاحوال المعيشية وحروب الهامش والمركز يحدث كل هذا بعد تضحيات جسام قدموها حربا وسلما من أجل مشروعهم الحضاري المغيّب. [email protected]