المدهش في قصة الإعلامي الطاهر حسن التوم هي الموهبة الإجرامية الفذة التي جعلت منه مذيع يلوك المشاهد الصبر حتى يستمع لأرائه التافهة التي يبديها في برنامجه (وجهة نظر) و (في الواجهة) فهذا الطاهر لولا تنامي ظاهرة انتهازيته في هذا العصر الذي اختلطت فيه معايير المواهب، لما كان شيئا يمكن للمرء أن يوجه نحوه سهام التجريح والتبريح - ليس النقد - لكن دائما تخدمه الظروف لأنه يبدو يأخذ الدنيا وساطة وولد وفي فمه معلقة من الكذب وتربي علي فطرة التسلق وشبّ علي النفاق كوجهة ثقافية ومرجعية مفيدة له و لأمثاله من سدنة الإعلام المأجور الذين لا يليق بهم من وصف إلا وصف (الدجالين الجدد)، فلولا خلو الساحة السودانية الإعلامية من المبدعين العُظام أصحاب المواهب الجديرة بالوقوف والتأمل لما كان صار هذا الأخرق (بعرة) في مؤخرة الفضائيات المحلية التي لم تجد ما تسد به رمق مؤخراتها البرامجية الناتئة الا في هذا العبث الصبياني الذي يصر هو على تسميته بالبرنامج التفاعلي الذي يستقطب أعلي نسب المشاهدة، ففي القول المأثور (الطشاش في بلد العميانين شوف) وتزامناً مع انتشار حمي الذوق الفاسد وعلو كعب المستحيلات بالصورة الماثلة اليوم، لا غرو أن يصير الرجل علماً علي رأسه رماد ومرجع علمي مهم يستلهم طلاب الإعلام منه أبجديات سرعة التسلق ونظريات تحوير الوسائط الإعلامية من أدوات قومية ألي وسائل حزبية تذري رماد التحيز علي عيون الجماهير ، فهذا الرجل إذا لم تخونني معايير الموضوعية بناءاً علي ما شاهدت من برامج حوارية له فهو بطئ الاستيعاب في فهمه لردود مضيفيه وسريع البديهة في سرقة النظر التي تحدد مناطق تمركز الكاميرات المفترض أن تبدي عيوبه ، فهو علي رأس كل لحظة منشغل بتهذيب العمامة أو غارق حتى أخمص قدميه في تشذيب طرف ( الكرفته ) الغير متناسقة مع ألوان القميص ، باختصار هو خارج تغطية محاور الضيف ولا ( تتبله الفولة) في فمه بل يخطف خواتم الحديث خطفا من لسان ضيوفه ، وفي مرات كثيرة يغير من المعني المقصود ويترك المشاهد في حيرة من أمره ، فهو بالنظر لما أسلفت لولا رحمة الصدفة لما كان يستطيع أن يجد فرصة ( رقاصة ) في قناة أثيوبية ناهيك أن يصير مذيع يشغل تسع وتسعون في المائة من زمن البرنامج بحديثه عن عنوان الحلقة وعن أهمية تناولها في مثل هذه الظروف التي يعتقد أنها من الخطورة ما يستوجب استصحاب حيثياتها بغرض الخروج برؤى علمية نحوها ، فهو – أي الطاهر – إذا كان يعاني من الإسهال اللفظي بهذه الصورة الملحوظة فالأجدر به أن يقدم برامج أحادية مثل البرامج التي يقدمها الدكتور محمد حسنين هيكل في بعض القنوات ، علي الأقل يستطيع ان يجد لنفسه الفرصة الكافية التي من خلالها يستطيع أن يقنعنا أنه قاموس لغوي يمشي بين الناس ودكشنري مصطلحات انجليزية يستحق التقدير ، أما يتعمد استضافت المهمين من رجالات السلطة ولا يعطيهم المجال الكافي ليعبروا عن أرائهم التي نعتبرها مهمة فهو صراحة يريد من خلال برامجه أن تأتيه وزارة الثقافة منقادة ، والمتشائم بذلك قد يلحظ في جميع حلقاته يتدثر بثوب المسئولية ويظهر بمظهر الذئب العالم ببواطن نقاط ضعف الفريسة ، ففي الكثير من اللقاءات يأكل أفكار الضيف بنهم قلما يوصف أنه نهم ينم عن الطبيعة القلقة وعن المثالية الحية في التقيد بقوانين المتسلقين ، فهو في أحدي الحلقات بعد أن تنحنح وتقهقر سئل الضيف بالحرف الواحد هذا السؤال : يعني أفترض هسي أنا الطاهر ده جيتكم قلت داير أبقي وزير، بالبساطة دي كدي ممكن توافقوا يعني ! ولعل في مضمون هذا السؤال ما يعتمل بدواخله المريضة من تجاذب وتناقض هو الذي يجعله يبدو في البرامج التي يقدمها مثل العقيد القذافي يستهتر بالضيوف ويقلل من مكانتهم كأنهم أبناء سبعة أو كأنهم ضيوف من كوكب الحلة الجديدة الغارقة حتى أذنيها في وحل السيول والفيضانات . وأخر قولي كما قلت في الأول (البلد الما فيها تماسيح يقدل فيها الورل) هاجر جمال الدين [email protected]