منذ ظهور تنظيم القاعدة وظهور التيارات السلفية الجهادية المتشددة وأنا أصبحت أعتقد يقينا أن من يعتنق هذه الأفكار إنما يظن أنه شعب الله المختار وخليفته لتمكين شرعه على الأرض. ولكن ما لم أضعه في الحسبان هو أن تنقاد المجموعات الإسلامية المعتدلة إلى مثل هذا الاعتقاد! مدخل أول: عندما ذهب الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام علهم ينصرونه بعد أن ضيق عليه قومه القرشيون، وجد منهم ردا أعنف من رد قومه في مكة، وعندها جلس ودعا: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس ..."، أرسل إليه الله سبحانه وتعالى جبريل وبصحبته ملك الجبال، وقال للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، أي دمرت مكة ومن فيها بالجبلين المحيطين بها، فماذا رد الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم -؟ لقد رد بالرد الذي يتغنى به مشايخنا الكرام عن رحمة الإسلام، لقد رد على جبريل بأنه يرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله حقا. إذن، لم يتشف الرسول –صلى الله عليه وسلم- بمن آذوه وضيقوا عليه، بل تمنى لهم الرحمة. مدخل ثانٍ: عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وظهرت الثلة التي تعرف بالمنافقين، نهى ربنا –عز وجل- نبيه أن يستغفر لهم ولا أن يصلي عليهم حال موتهم، ولكن الرسول –صلى الله عليه وسلم- استشف من الأمر الرباني أنه لو استغفر لهم أكثر من سبعين مرة فلربما قبل الله استغفاره لهم، ولكن الله –عز وجل- أتى بعدها بالأمر الجازم :"وإن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم". وهنا أيضا موقف الرسول –صلى الله عليه وسلم- واضح، فلم يتشف فيهم ولم يطلب لهم العذاب، بل ظل على استغفاره لهم حتى أتاه الأمر القاطع. ما دعاني إلى هذا القول هو ما أراه يتردد كثيرا على لسان أئمة مساجدنا ودعاتنا، مثال لذلك: اللهم عليك باليهود ومن هاودهم، وعليك بالنصارى ومن ناصرهم، وعليك بالمجوس وعبدة النار، وعليك بالهندوس،وعليك وعليك وعليك! ألا يتنافى هذا الدعاء وأشباهه صراحة مع قوله تعالى: "وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". كيف لي أن أدعو من أعتقد بوجوب تطهير الأرض منه؟ كيف لي أن أجادل من يعتقد أنني سأقتله في أقرب فرصة سانحة؟ هذه الفرضيات التي نضعها بوجوب خلو الأرض منهم إنما هي الحاجز الأساس لعدم دخولهم في دين الله أفواجا. ما يحدث في عالمنا العربي وما يسمى بالربيع العربي، ما هو الهدف منه؟ أليس أن يعيش الإنسان حرا كريما؟ فكيف لنا ذلك ونحن ممتلؤون غلا على بعضنا واعتقادات الآخرين؟ من سينتصر؟ المجتمع العلماني؟ إذن هذا يعني أن مجتمعاتنا انحرفت عن الدين والعقيدة فحق للتيار العلماني اللاديني أن يتملك زمام الأمور، ووجب على التيارات الإسلامية أن تعمل على بناء المجتمع الذي يُمكن أن يَخرُج من رَحِمِه من ينصر الإسلام. ما دفعني لكتابة هذه الأسطر هو ما أراه من تحامل شديد على فئة دون فئة، وكيف أن أئمتنا يدعون عليهم بالهلاك بدل أن يدعو الله أن يهديهم إلى الطريق المستقيم. لم يكن في يوم من الأيام الانتقام والقتل للاختلاف في المبادئ من سمات الإسلام. ألم يقل النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم- أن المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه؟ ألم يقل النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم- أن من تقابلا بالسيف فكلاهما في النار، فقالو : هذا القاتل فما بال المقتول؟ فقال الحبيب محمد –صلى الله عليه وسلم- لقد كان أحرص على قتل صاحبه. هذه الأمثلة توضح بجلاء أن من ادعى الإسلامية في التوجه وافترض أن له الحق المطلق في التخلص من غيره وإبادته، فهو شر محض لا خير فيه!! للأسف، أصبح عالمنا الإسلامي الحالي بأئمته ودعاته كما لو كان يؤمن بأن من أسلم فهو المهتدي وأن من لم يسلم حتى اللحظة فإنما هم كقوم نوح الذين دعا عليهم نبيهم بالهلاك ولنا الحق بأن ندعو عليهم أيضا بالهلاك. لماذا حين نفكر بسيادة الخلافة الإسلامية مجددا نفكر فيها من محيطنا الضيق، أنها ستكون من الدول العربية أو من الدولة التركية؟ لماذا لا يتوسع فكرنا، ألا يمكن أن تأتي الخلافة الإسلامية -كما يتمنى البعض- من الدول الغربية كأمريكا مثلا؟ ألا يمكن أن يسود الإسلام في يوم ما هذه البقاع ومن ثم تكون لها السيادة على البقاع الأخرى؟ إننا إذ ندعو على غيرنا بالهلاك إنما وضعنا أنفسنا في خانة واحدة مع بني إسرائيل حينما اعتقدوا أنهم شعب الله المختار، وخلفاؤه في الأرض ولا يضاهيهم أحد. إنما نحن عبيد من عبيده، وجب علينا أن نقتدي بهدي نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- وأن ندعو بدعاء الراحمين، بأن ندعو أن يهدي الله الضال، وأن يخرج من أصلابهم من يعبد الله حق عبادته ويمكّن لدين الله في الأرض، ووجب علينا أن نبتعد عن الدعاء المليء بالتشفي والحقد والغل، فإن كان الطرف الآخر على صواب، فإننا بهذا قد احتملنا إثما وليس حسنة. وأخيرا: أستشهد برد سيدنا عليٍّ-رضي الله عنه- عن سؤال أحد تابعيه في الفتنة فيما معناه: منا قتلى وشهداء، وفيهم قتلى وشهداء، من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد. والله من وراء القصد. أبوبكر العبادي [email protected]