ربما لا يعرف أحد خارج إسرائيل وواشنطن عدد المستشارين العسكريين الإسرائيليين الذين يعملون في خدمات أمنية في دول إفريقية وآسيوية بعد ترتيب تسريحهم من الخدمة في الجيش الإسرائيلي رغم أن نسبة منهم تعمل على شكل ضباط مرتزقة ولكنها لا تقطع صلاتها بالمؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية.. وربما لم يكن الكثيرون يعرفون بهذا النوع من التغلغل الإسرائيلي في أجهزة أمن وجيش دول أخرى لو لم تنشر بعض الصحف الإسرائيلية أنباءً عن وفاة هذا (الضابط) أو ذاك في دولة مثل (الكاميرون) أو (بيرو) أو (جورجيا).. فقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت أمس نبأ مقتل (العقيد) الاحتياط في الجيش الإسرائيلي (آفي سيفان) أو (سيفوني) أثناء قيادته لمروحية عسكرية في أراضي (الكاميرون) التي يعمل فيها مستشاراً عسكرياً في قصر رئاسة الدولة الإفريقية ومسؤولاً عن تدريب حرس الرئاسة.. ويشير سجل العمل العسكري لسيفان إلى وجوده بين مؤسسي قوات الكوماندو الإسرائيلية الخاصة بالأراضي المحتلة والمعروفة باسم (دوبدوبان) أو (المستعربين) التي اعتاد رجالها على انتحال مظهر خارجي عربي للاختلاط بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وتنفيذ عمليات (قتل) سرية وعلنية للشبان أو لرجال المقاومة، وبعد انتهاء خدماته هذه أرسلته قيادة الجيش رئيساً لوفد عسكري إلى الكاميرون لفترة من الوقت تحول بعدها إلى (العمل الخاص) الأمني مع قيادة دولة الكاميرون على حين بدا أنه غطاء لعدم إحراج الحكومة الإسرائيلية وافتضاح دورها التجسسي في الكاميرون، واتخذ (سيفان) لنفسه غطاء آخر حين رافقته زوجته وقرر الاثنان الإعلان عن مشروع لحماية «القرود» كمهمة إنسانية وفرت له استدعاء شبان إسرائيليين وجنود أنهوا خدمتهم للمشاركة في هذا المشروع. يذكر أن الكاميرون كانت قد قطعت علاقاتها مع تل أبيب في عام 1973 أثناء حرب تشرين ثم استأنفت العلاقات معها عام 1986، ففي أعقاب اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عملت إسرائيل على استعادة علاقاتها مع دول كثيرة في إفريقيا. وتشير تقارير إفريقية وإسرائيلية إلى وجود دور متزايد لإسرائيل من نواح أمنية وعسكرية في الدول المحيطة بالسودان وفي أريتيريا وأثيوبيا للإحاطة بممرات البحر الأحمر واليمن. ويتركز الاهتمام الإسرائيلي بإرسال المستشارين الأمنيين والعسكريين الآن إلى جنوب السودان رغم أن هذا الاهتمام كان قد شغل ديفيد بن غوريون أول رئيس لحكومة إسرائيلية في الخمسينيات وفي أعقاب حرب تشرين لمحاصرة مصر والدول العربية في شمال إفريقيا من اتجاهات أخرى تحيط بالدول المغاربية مثل تشاد حول ليبيا بعد ثورة أيلول 1969، ولذلك كان من الطبيعي أن تبعث إسرائيل بمستشارين عسكريين إلى جنوب السودان بشكل سري وقدمت للمتمردين فيه وسائل تدريب وقتال بل أشرفت على بعض نشاطاته الانفصالية في أكثر من مرحلة عبر هؤلاء المستشارين. وقبل سنوات تمكنت إسرائيل من فرض مشاركتها في منظمة (يونيسيف) التابعة للأمم المتحدة واستخدمت هذه المنظمة لإرسال إسرائيليين يحملون صفة مسؤولين في الأممالمتحدة لاستطلاع كل ما يجري في دارفور. وفي مقابلة أجرتها القناة الثانية العبرية قبل فترة ظهرت إحدى السيدات الإسرائيليات لتعلن أنها عملت في (دارفور) لأسابيع كثيرة ونقلت كل ما يجري هناك إضافة إلى محاولتها عقد صلات مع المتمردين في دارفور في جنوب السودان. فإسرائيل تستخدم الآن قنواتها السرية (عبر المستشارين) وغيرهم لجمع المعلومات عن الوضع في بعض الدول الإفريقية المحيطة بالدول العربية هناك بهدف طرح مشاريع الانقسام والتجزئة في السودان وغير السودان، وتستخدم إضافة إلى ذلك قنوات الأممالمتحدة والمشاركة الإسرائيلية في بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة من أجل الغاية نفسها. فمجرمو الحرب المطلوبون للمحاكمة مثل (سيفان) وغيره بدؤوا يتحولون الآن إلى مستشارين أمنيين لدول تسعى تل أبيب إلى استخدامها ضد العرب ومصالحهم وحقوقهم!؟