لا أخال الأخ نائب المجلس الوطني عن الدائرة (2) مدينة وريفي الرهد – شمال كردفان، المهندس عبد الرءوف بابكر، يجهل العوامل التي أدت به إلى الفوز من بين سبعة مرشحين - من ضمنهم العبد لله كمرشح مستقل - في الانتخابات الأخيرة 2010م!. تلك العوامل التي كانت بمثابة أعاصير ظرفية ( مفبركة ) ألقت بنا في وادٍ غير ذي انتخابات، فانتهزت لجانه الانتخابية - التي هي اللجان الشعبية بقضّها وقضيضها – الفرصة التي من ذهب، فباضت وأفرخت بالدائرة!. ولأنه ما عاد ينافس مرشحاً سوى شخصه، فقد فاز فوزاً عظيماً، لكنّه - بالتأكيد- لم ينتصر!!. أنا لا أكتب الآن بهدف تحليل الوضع الذي كان سائداً بالدائرة إبّان الانتخابات إياها، فكل من بالدائرة يعرف ما حدث!. ثم لأن ذلك لم يعد - بحكم مآلات الأشياء – مهمّاً، إلا أنّ ما كان يثير الحيرة على أقل تقدير، هو أنّ الأخ نائب الدائرة .. مرشح المؤتمر الوطني( بجلالة قدره!) لم يكن لديه برنامج انتخابي يخصّ الدائرة التي تشمل كل محلية الرهد الوليدة آنذاك، إلا في الإطار الكلّي لمرشحي المؤتمر الوطني الذين كان يتلخص برنامجهم الانتخابي في شعار (استكمال النهضة)، هذا الشعار الذي إن كان يتناسب مع ولاية الخرطوم وبعض الولايات المحظوظة، فإنه لم يكن يتناسب وواقع الحال بمحلية الرهد التي لم تبدأ بها نهضة أصلاً حتى يتم استكمالها!. فالعاصمة .. مدينة الرهد نفسها مثال حي للحاجة العارمة للتنمية والخدمات، فما بالك ببقية القرى المنسية الموءودة في وحل التردّي وبؤس الحال و المآل بمحلية الرهد، والتي لم تتغير فيها الأساليب الحياتية للأحفاد هناك عن تلك التي كانت تسود أيام أجداد أجدادهم إلا القليل!. بل وحتى هذا القليل لم يكن للمحلية فيه يد، وإنما نتيجة التطور الحتمي للتاريخ!. فسيارات المحلية التي كانت وما تزال تجوب هناك الفيافي و الوهاد، لا يحمل راكبوها سوى دفاتر إيصالات لتحصيل العوائد!. مدينة الرهد عاصمة المحلية من المدن القديمة ذائعة الصيت بالسودان، وقد اكتسبت شهرتها كمدينة تجارية لميزة أساسية هي مصدر اسمها، والذي كان السبب الأساسي في جمع الناس عندها .. الرهد .. مكان الماء..( التُرْدَة) .. المَوْرِد ..المكان الذي يُجْلَب منه الماء، وهو البحيرة الواقعة في جزئها الجنوبي الطيني، والتي يقول تاريخها أن ثلاثة رجال عظماء حازوا الفضل في أن يكون لها وجود: أولهم الشخصية العظيمة ( الطيب هارون) ناظر عموم الجوامعة الذي كان رئيسا لمجلس ريفي شرق كردفان، ومحمد على النجار، المقاول المسئول بالمجلس، و السيد/ سليم حسن سليم الضابط الإداري للمجلس. وقد تم تنفيذ حفر التردة بتكلفة مالية بلغت (3000 )جنيه سوداني مما أثار حفيظة الحكومة المركزية بالخرطوم فقامت باستدعاء الضابط الإداري سليم حسن سليم بحجة ( تبديد ) المال العام، وتم نقله من مجلس ريفي شرق كردفان!. وياله من تبديد هذا الذي أدّى إلى هذا الانجاز الحقيقي الذي أدّى بدوره إلى تحوّل إيجابي ملحوظ في طبيعة المنطقة، وتسبب في خلق كل ذلك الحراك الاقتصادي و الاجتماعي وغيره الثرّ بمدينة الرهد أبودكنة التي قامت ووصلت إلى ما وصلت إليه بفضل هذه التردة العظيمة، فأصبحت هي و القرى المجاورة للتردة سلّة غذاء للمنطقة بإنتاجها الكبير من الخضروات والفاكهة على مدار السنة عبر الزراعة الشتوية والصيفية والمطرية المدعومة بالري الاصطناعي!. ومائية التردة كل فصل خريف يرفدها به كلٌّ من خور أبي حبل( النيل الأخضر كما اسميه )!، و خور ( أم تَقَرْقَر ) القادم من جبال العين المجاورة لمدينة الأبيض عاصمة الولاية، بالإضافة لمياه الأمطار التي تنحدر إليها من المنطقة المرتفعة التي تحيط بها. ويظل الماء متوفراً بالتردة حتى الخريف التالي. لكن نشاط الاستغلال المائي للشرب بالمدينة، زائداً عامل التبخر، يؤديان إلى تناقص مطرد للمخزون المائي فينحسر الماء عن الجزء الشرقي للتردة نسبة لضحالته بسبب تراكم الطمي مع عدم الصيانة، فيكشف عن مساحة واسعة من أرضية التردة يتم استغلالها في الزراعة اعتماداً على لين التربة و المطر. هذا الانحسار يؤدي إلى مشكلة واضحة يعاني منها أهلنا الأعزاء بالرهد، هي حالة التركيز التي يكون عليها ماء التردة في الصيف، مع كل محتويات التردة من الشوائب و الطحالب و( السجم و الرماد !). ومحطة مياه مدينة الرهد ليست مصممة لتنقية الماء!، وكل ما يتم من إجراء وقائي هو إضافة الكلور بسخاء ، وبعدها يتم ضخ الماء في شبكة مواسير المدينة، فيشرب أهلنا بالرهد ماء أخضر اللون ( موية زايد كلور.. ولّا كلور زايد موية؟!)!. وجزى الله خيراً الأخ محمد العبيد أول معتمد لمحلية الرهد لقيامه بخطوة جبارة ومقدّرة تمثلت في الشروع في تسوير التردة منعاً للدخول العشوائي للبشر ودوابهم، بل وحتى عرباتهم التي كان يتم غسلها داخل التردة منذ عقود، ولم يكن هناك مسئول يهتم، وربما كانت عربات المسئولين أنفسهم يتم غسلها هناك!، فتراكمت طبقات من الأوساخ الأوشاب لتتسرب إلى البطون العزيزة لأهلنا بالرهد!. حل هذه المشكلة كان جزءاً من برنامجي الانتخابي هناك، ويتمثل في ضرورة إقامة محطة حديثة لمعالجة مياه مدينة الرهد بهدف توفير الماء النظيف الصحي للشرب، ووداعاً للقارديا و الدوسنتاريا و الاسهالات، وأيضاً اللون الأخضر الذي كانت التردة ( تصرّ) عليه رافعةً شعار( خداري ما بخلّي .. ما بخلّي .. الليلة وين الأخدر اللونو زرعي)!. وقد كنت دوماً أتساءل: ياترى هل يشرب السادة مسئولو الرهد ورأسماليوها الأكارم هذا الماء الأخضر، أم أن " كرستالات موية الخرطوم" على قفا من يشتري!، علماً بأن الكرستالة التي كان سعرها أقل من جنيه بالعاصمة قبل سنوات، لم يكن سعرها هناك .. بمدينة الرهد يقل عن جنيه ونصف إن لم يكن أكثر!!. أما مشكلة انحسار الماء عن الجزء الشرقي للتردة فحلها في تعميق ذلك الجزء بصورة معقولة ليظل الماء متوفراً بصورة متوازنة في كل أجزاء التردة، رغم أننا بهذه الخطوة سنضحي بالنشاط الزراعي الذي يتم داخل هذا الجزء من التردة عقب انحسار الماء، لكن يمكن نقل هذا النشاط إلى موقع مناسب خارج التردة، فالأولوية لتوفير الماء، ثم برمجة ذلك فيا نريد . هناك أمر آخر هو أن مدينة الرهد تتصف بكثافة الرمال المتفككة التي تعوق سير البشر، ناهيك بالسيارات!. فإذا أضفنا إلى ذلك عامل الاتّساخ الذي تتصف به الرمال هناك، حتى أنّ شارعاً مشهوراً كان يسمى ب " شارع الرماد "، وأن حياً كاملاً كان يعرف باسم حي ال" عُضام"- العِظام حالياً، كانا من مميزات الرهد في السابق، لأدركنا الوضع البيئي للمدينة. فاختلاط الأوساخ بالرمال المتفككة و الغبار الناجم عن النشاط الحركي للبشر و السيارات التي ازدادت عدداً، خاصة الصغيرة مثل تكاسي " الأتوس " وغيرها، يحتاج لمعالجة. لذلك لابد أن تضع المحلية في حسبانها وحساباتها سفلتة الشوارع الرئيسة و المهمة داخل المدينة، والتمهيد للسيطرة على الوضع البيئي المتردِّي ببرنامج صغير مهم لإصحاح البيئة يتمثل في توفير مكبّات متحركة للنفايات بالأحياء و السوق، وعدد من السيارات المجهزة لنقل الأوساخ ، وعمال نظافة ( ما بالضرورة يكونو بنغالة)!، ثم ضرورة رفع المستوى المظهري للمدينة بتكثيف التشجير و التنجيل بتناسُب طردي مع توفُّر المياه. وأيضاً ضرورة التنظيم و التخلص من حالة العشوائية وفوضى العرض التي يلاحظها المرء حين يتجول في شوارع السوق، خاصةً الشارع الرئيس للسوق، و الذي لا أحسب أن مسئولي المحلية يمرون به ( بالذات العندهم عيون يعني)!. من الضرورة أن تعيد الرهد صياغة نفسها شكلاً ومضموناً، وقد بدأ ذلك بالفعل ، لكن على استحياء. فهناك اتجاه للتحديث العمراني ستزداد وتيرته كلما تحسنت مصادر الدخل العام والشخصي، كما أن برنامج المحلية المتعلق بنقل جزء من السوق الكبير إلى الموقع عند الواجهة المدخلية لمدينة الرهد ينصبّ في خانة التخطيط الايجابي. فهو يناسب اتجاه التوسعة الكمية و النوعية للمواعين التجارية بالرهد، ويخدم المناطق المجاورة للمستشفى ومدخل المدينة. و.. لأن الحديث عن الرهد لن يكتمل دون التعرّض لمسألة الكهرباء، فإنني أحمد الله الذي قيّض أن تمر الشبكة القومية للكهرباء بالمحلية. وبعد اكتمال ربط المدينة بهذه الشبكة، وهو نقلة حقيقية بالطبع، نرجو من الأخ معتمد المحلية أن يحرص على تغطية الإمداد الكهربائي كل أحياء المدينة، مع أمر مهم جداً هو مجانية الكهرباء ما أمكن لدُور العبادة و المرافق الصحية و التعليمية خاصةً، مع ضرورة إنارة الشوارع الرئيسة ( مسفلتة طبعاً)!. ويتبقى أن نذكر أنّ التطور في الشكل و الاسلوب المعماري لمنازل المدينة يتطلب أن يضع مسئولو الرهد أيديهم معنا بالسميح، والسعي الحثيث معنا لإنشاء مصنع أسمنت السميح .. المدخل الاستراتيجي الأول للتطور التنموي و التحديث العمراني للرهد و السميح ، ولكل قرى المحلية، وأولاً للولاية نفسها. وعندما يتم ذلك، فإن كل تلك المناطق ستحتفل بنهاية عصر " بيوت القش".. وعصر " الزبالة " أيضاً!. [email protected]