طوال فترة العشر سنوات التي توقفت فيها عن ممارسة الصحافة، لأسباب تخصني، لم أنشر سوى مقال واحد قبل ثلاثة أعوام تقريباً، عن آثار فيضان خور أبي حبل على المنطقة من السميح بمحلية الرهد (أبودكنة) بولاية شمال كردفان، حتى تندلتي بولاية النيل الأبيض. وقد كتبت ذلك المقال لأن الأفكار التي تتمحورحول هذا الخور العظيم لا يمكن طمرها في رمال التجاهل، ثم إن السيرة الذاتية له، زائداً برنامج إطلالته الجهيرة سنوياً تغري القلم بالتناول المستفيض، خاصة وأنه تربطني بهذا الخور العظيم وشائج القربى، وصلة الرحم ( عدييييييل كده !!)، مثل كل سكان السميح، ويوماً كتبت:[ بنمشيك في العصاري هناك .. نزور نِيم الحَرَم وهشاب / ونقعد فوق تلال دهبِك .. وكِتْ في جوف رمالِك ذاب / نشاهد أبوحبل برويك .. بموية الخير عليك تنساب / تحت كبري الجويسر خور .. عنيد في جرْيَتُو وغلّاب / هناك هارون جنوب روعة .. وتشوف أحمد شمال خلّاب / تشوف داك الحفير نشوان .. بلوم وقماري في أسراب / وفي قوز السرايا هناك .. بواقي حكاية دايرة كتاب/ وتملا العين سهول الطين .. تشيل موية مطرنا خضار .. وصلِّي على النبي المختار]،والأبيات جزء من قصيدة غنائية كتبتها متغزلاً في روعة السميح.. وطني الصغير الجميل، متغنياً بمعالم السياحة الطبيعية المترفة التي يتصف بها خاصة في فصل الخريف، علماً بأن ( الحَرَم) هو حزام من أشجار النيم و الهشاب شمال السميح. أما (هارون جنوب) و(أحمد شمال) فأسماء ترع للري بمشروع أبي حبل الزراعي بالسميح، بينما (قوز السرايا) هو كثيب رملي في المنطقة الطينية جنوب شرق السميح، ويطل على المشروع مما حدا بالإنجليزاتخاذه مقراً إداريا للمشروع آنذاك ! .هذا الخور العظيم الذي يبدأ انحداره من الجبال الشمالية لجنوب كردفان ( الدلنج )،ثم تضاف إليه مياه الجبال الشرقية و عند بلوغها شمال كردفان، وبعد أن يضيف إليه (جبل الداير) ومرتفعات جنوب الخور الأخرى مثل (جبل دمبير ) ما قدر الله لها من مياه، تصبح جملة مياه الخور عند مقسم الرهد حوالي 87.6 مليون متر مكعب !،وعندئذ يقوم الخور بملء (تردة) الرهد، وحفائر السميح و المناطق المجاورة، ويروي مشروع أبي حبل الزراعي بالسميح، ثم يواصل المسيرليملأ (تردة) شركيلا، ومستنقع تندلتي، ثم ينحرف إلى الاتجاه الشمالي الشرقي لتصب مياهه في النيل الأبيض جنوبالدويم في مواسم المطرالجيدة!. هذه مياه الخور (الرسمية ).. أما مياهه المتمردة .. التي ترفض إمساك الخور بتلابيبها لعجزه عن ذلك بحكم محدوديته السعوية، فتغمر وتكتسح سهول السميح الطينية خارج المشروع، وسهول منطقتي أبي حمرة وأمروابة لتصطدم بردمية أمروابة – الرشاد سابقاً فتضطر للتوغل في مدينة أمروابة نفسها في زيارة غير مرغوب فيها !. ثم تغمر المياه تردة شركيلا وسهول تندلتي (قبل السد ) فتدمر الأجزاء الغربية بالذات من المدينة، ثم تتجه شمالاً لتكتسح الزلط .. ( زلط كوستي – الأبيض ) أو (الطريق الغربي للتسويق الزراعي ) كما تقول اللافتة الضخمة المعلقة عند المدخل الشرقي لمدينة ود عشانا التابعة لمحلية أمروابة، وقبله تكتسح السكة الحديدية في عدة أماكن ، في مسيرة صاخبة إلى النيل الأبيض !!. ما دعاني لكتابة ذلك المقال أمر لا سابقة له هناك حدث قبل عامين أو ثلاثة أعوام، هو أن مياه فيضان أبي حبل بلغت حداً من الغزارة استطاعت معه التوغل العاصف إلى داخل السميح من جهتها الغربية الرملية التربة، فاقتحمت المنازل وأحدثت أضراراً اضطر معها القائمون بالأمر إلى إغاثة أهلنا المتضررين (وطبعاً ما حنقول إنُّو الإغاثة الجاية للمساكين المتضررين بعد داك مشت لناس ما مستحقين .. وبرضو ظهرت في السوق .. دا موضوع تاني!!.) . فإن كانت تلك المياه قد فاجأت المسئولين بالمحلية بزيارة غير محسوبة بحسبان أنها لم تحدث من قبل، فلماذا لم يفكر المسئولون في أن المسألة قد تتكرر، وبالتالي يقومون بوضع خطة (مجهبذة ) لاصطياد هذه المياه وتخزينها لأشهر الصيف القاحلة.؟! ( في الخريف الموية ما تعرف توديها وين .. وفي الصيف ما تعرف تلقاها وين !!) .. هذه معادلة مختلة ، تدل على أننا قوم نهدر نعمة الله الكريم باهمال منقطع النظير..( نبكي من التخمة في يوم، ونبكي من الجوع في اليوم التالي )!!.وكل ذلك الحديث الطلي عن حصاد المياه ينبغي تطبيقه عملياً و توظيف مخرجاته للقضاء في المقام الأول على كلمة (عطش ) التي ظلت مرادفاً لاسم الولاية ( من ما الله خلقنا )!، وهو أمر لا مبرر له في كل كردفان .. أكرر .. في كل ولاية شمال كردفان !. إذ كيف تعطش العير و الماء فوق ظهورها محمول ؟!. كيف تعطش كردفان وهي تغرز أقدامها الرملية في حوض بارا الجوفي ، وحوض أمروابة الجوفي ، وتغرف ملء أياديها من حوض خورأبي حبل الموسمي السطحي ، هذا الخور العظيم .. النيل الثالث بعد الأبيض و الأزرق ، والذي يستحق أن نطلق عليه اسم النيل الأخضر بسبب استفادة كل المناطق التي يمر بها زراعياً منه، لكن للأسف الشديد لموسم وااااحد هو موسم الخريف ، وبعده تصبح في الصيف أرضاً بوراً بلقع !!. إن ما يؤرقني ويقض مضجعي على الدوام ، ويشكل لي هاجساً حقيقياً هو هذا التناقض المائي الشائه و الشائن بين خريفنا هناك وصيفنا. فلماذا لا نوفر فائض قرشنا الأبيض لليوم الأسود؟ و( حصَّالة ) التوفير الضرورية لوضع الأمر موضع التنفيذ تتمثل في تنفيذ السد المقترح .. سد أبي حبل بمحلية الرهد الذي أعتقد أن دراساته وخرطه مكتملة وتصديق الشروع في تنفيذه ( ممضي ) لذا أرجو الاسراع بتكوين لجنة عليا ل (تحنيس) المهندس أسامة عبد الله !!. ( ومافي داعي تقولو ليهو ناس الدلنج عاملين سد في (السنجكاية) وناس تندلتي برضوعملو سد .. الناس ديل أحسن مننا؟ ولا خور أبوحبل دا حقهم براهم؟! ). وبالمناسبة المهندس أسامة عبد الله يدرك جيداً جداً أن سد أبوحبل بمحلية الرهد هو أهم سد بولاية شمال كردفان. ذلك لأنه سيوفر الماء الدائم لري أهم مشروع زراعي بالولاية : مشروع أبي حبل الزراعي بالسميح!. على كل حال الكرة الآن في ملعب وزارة السدود و (ناس محلية الرهد). ولا أدري بأي سحر استطاع مسئولو النيل الأبيض إقامة سد تندلتي بتلك السرعة ، بينما لا يزال مشروع سد أبي حبل – محلية الرهد جنيناً في رحم الغيب لا يورث بتأخرميلاده مرارة ( تفقع مرارة ) المسئولين بولاية شمال كردفان .. أما آن لفارس التفريط أن يترجل؟!!. لقد ( هرمنا ) ونحن نتحدث عن ضرورة الاسراع في تنفيذ هذا السد !. أمر آخر ، إن كان السد سيضع حداً لفيضان خور أبي حبل، فإنه سيكون بلا أثر على مياه الأمطار المباشرة في المنطقة الواقعة بعد السد : جزء من السهول الجنوبية لمدينة الرهد وكل سهول السميح، وهي سهول طينية. وأي زيادة في معدلات هطول المطر على هذه السهول سيوفر ماء تكتفي منه المزارع خارج المشروع ، وقد يتوفر فائض لا يمكن استيعابه في امتداد الخور الذي يلي السد بسبب اكتفاء هذا الامتداد مائياً، وعندئذ سيحدث الهدر المائي غير المرغوب فيه ، لذلك أرى ضرورة إنشاء حوض على غرار تردة الرهد في السهل الطيني غرب السميح لامتصاص الفائض المائي للمطر ، بل وتنفيس السد نفسه إذا اقتضت الضرورة، خاصة وأن الفائض المائي للخور في المنطقة الواقعة بعد السد حوالي 53.6 مليون متر مكعب بعد اكتفاء مشروع السميح بامتداده المقترح ..( كانت هذه الفكرة ضمن برنامجي الانتخابي كمرشح للمجلس الوطني بالدائرة (2) مدينة وريفي الرهد في انتخابات 2010م الماضية ). فتخيل الوفرة المائية التي ستحدث ، وما سينتج عن ذلك من برامج تفتح شهية الناس لعطاء يتجاوز سقفه الثريا، ويناطح الجوزاء!.: توفر البنية التحتية المائية – إن صحت التسمية - لقيام مصنع أسمنت السميح (حجوة أم ضبيبينة الأصلية )!!.. لا عطش في أي وقت .. زراعة طول العام .. إدخال الحيوان في الدورة الزراعية .. أعلاف .. ألبان .. توطين زراعة الخضر و الفاكهة .. استزراع الأسماك .. تربية الدواجن .. تربية الضأن الحمري مما يوفر المواد الخام للصناعات المرتبطة بالإنتاج الزراعي والحيواني .. ومايترتب على كل ذلك من نشاط تجاري وحراك فاعل في مختلف الأصعدة التي ستسهم بفاعلية - بإذن الله – في كل ما يتعلق بمعيشة المواطن من استقرار و تطور كمي ونوعي لايتسع المجال للتفصيل فيهما، ولا ننسى الأثر البيئي الإيجابي في مجال إثراء الغطاء النباتي ومعطيات السياحة الطبيعية . لذلك أرجو وبرعاية الأخ معتمد محلية الرهد انشاء صندوق لتمويل مشروع ( تردة السميح )، ودعوة كل ابناء السميح داخل وخارج السودان للإسهام في أن يرى هذا المشروع الإستراتيجي النور، وبعد ذلك ليحوِّل الإخوة بالسميح اهتمامهم إلى مخرجات التحول الإقتصادي الجذري الذي سيحدث، بدلاً من الاكتفاء بحفائر السميح الحالية، والتصارع حول تبعيتها، والعيون على الملاليم .. حسناً .. الملايين القليلة التي تدخل جيوب .. أقصد خزانة ( وين وين ما عارف)!!. وختاماً نقول : إذا كانت النفوس كباراً .. تعبت في مرادها ..ليس الأجسام فحسب ، وإنما الجيوب أيضاً!..[ بريدك يالسميح والناس .. دوام سند البعيد و الجار/ بشيلوك في سواد العين .. وبفخرو بيك كبار وصغار/ بعيد عن أرضك الطيبة .. لقيت الغربة شربة نار/ أنا الفي حضنك اتربيت .. على الحب و الحنين الحار / وانا الزول الرهيف قلبو .. بقيت لي دارنا قيس وكنار/ يغرد لي حلا السمحة .. ويعيش يطراها ليل ونهار/ ولو القسمة فيها خيار .. غير السمحة ما بختار ! ] .. أيها الوطن الطيب : أقسم إني أُحِبُّك!.