لأن الكثافة السكانية بالصين عالية، ولأنها لا تحتمل أي زيادة سكانية قد يترتب عليها اختلال في موازين توفير الخدمات العامة، فقد سنت الصين منذ فترة قانوناً لتنظيم الأسرة يحدد لكل الأزواج إنجاب طفل واحد بصرف النظر عن كونه ولداً أم بنتاً، ولا يتم الإستثناء عن هذه القاعدة إلا في حالة وفاة الطفل إذ يحق عندها للأبوين إنجاب البديل. وما من شك أن لهذه الضوابط آثارها المستقبلية إذا لم يتوافق عدد المواليد الأولاد مع البنات لضمان استمرارية النسل الصيني. ويبدو أن هذا الخلل حادث بالفعل لأن نسبة الرجال حسب الإحصاءات الأخيرة تفوق نسبة النساء مما يجعل الحصول على زوجة صينية أمراً عسيراً. أما إذا تفوقت نسبة النساء على الرجال في زمن ما فسيكون (عدد البائرات على قفا من يشيل) لأن تقاليدهم لا تعرف تعدد الزوجات (مثني وثلاث ورباع). ما دفعني لطرق هذا الباب هو ما تواتر من أنباء في الأيام القليلة الماضية عن أن إحدى الصينيات خالفت النظم وأنجبت طفلاً ثانياً، ففرضت عليها السلطات غرامة مالية قرابة ال 55 ألف دولار أمريكي رغم أنها عاملة مستودع تعادل هذه الغرامة أربعة عشر ضعفاً لراتبها السنوي. ولعل العواقب الأهم لهذه المخالفة الإنجابية تتمثل في أن السلطات ستحرم طفلها الثاني من الحقوق الأساسية كالتعليم والعناية الصحية ما لم تسدد الأسرة الغرامة مما دفع الأم للتفكير في بيع كليتها أو كلية إبنها الأول. وإلى أن تتم تسوية هذا الأمر سيظل الطفل الوليد بدون تسجيل لبياناته ضمن أفراد الأسرة وهو ما أوصل الأمر إلى دائرة القضاء. لا أعتقد أن هذه السيدة هي الوحيدة التي خالفت القوانين في بلد يعتبر تعداد سكانه أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة ولكن يبدو أن هناك من تخالفها وتكون مسبقاً قد هيأت نفسها لسداد الغرامة حتى تضمن لطفلها حياة كريمة، إى أن من يتعمد الإنجاب المتعدد لابد أن يكون ثرياً وقادراً على سداد الغرامة وتربية أبنائه بحكم رفض السلطات تحمل ذلك. وعموما إن الدلائل تشير إلى أن غالبية الصينيين يلتزمون بقانون تنظيم الأسرة خوفاً من العواقب والعقاب, ولعلنا لو توقفنا عند جدوى هذه القوانين سنجد أن عدم الإلتزام بها قد يحدث انفجاراً سكانياً لا يمكن االسيطرة على فيضانه أو التكهن بما قد يفرضه من واقع ضبابي على الحياة الإجتماعية بعد عقود من الزمان خاصة وسط الطبقات الفقيرة والوسطى. وحيث أن الحديث عن الصين أود أن أختم برأي حول الصناعات الصينية المنتشرة في أسواقنا. معروف أن مواطني البلاد ذات الكثافة السكانية يتنافسون على العمل والإبتكار والخلق والتقليد والتوليف الصناعي حتى يتيسر لهم تحقيق عائد يؤمن حياتهم المعيشية. وربما يكون ملاحظاً أن الصين بدأت غزواً انتاجياً وتسويقياً لمختلف القارات وبصفة خاصة قارة أفريقيا التي تعتبر ضالتها المنشودة، غير أن التعجل في الإنتاج قد يعود عليها بنتائج سلبية ما لم يتم تجويد الصناعات وجعلها منافسة لمنتوجات دول العالم الأخرى. وحيث أننا من البلدان التي تستقبل كثيراً من الصناعات الصينية بما في ذلك الزي الشعبي السوداني، فقد لاحظنا تمايزاً من حيث الجودة والخامات بين بعض الأصناف الواحدة. ففي حين تفلح الصين في تجميع وتقليد وتصنيع الأجهزة الإليكترونية الدقيقة بمهارة، تتهاون في صناعات ثانوية أخرى. وعندما نتساءل عن سر ذلك تكون الإجابة أن هناك مستويات في التصنيع وفقاً للقيمة الشرائية، إلا أن هذا النهج قد يفقد الدولة المصنعة مصداقيتها في إظهار قدرتها الفعلية. ولذا حرى بها أن لا تسمح بتصدير الأقل جودة أو الذي لا يخضع لضوابط المقاييس والمواصفات، بل أننا أو أي بلد آخر يلجأ إلى الإستيراد لا يجب أن نتساهل في استقبال ما لا يتوافق مع المواصفات المتفق عليها طالما أنه لا مفر من ذلك. [email protected]