انسانة ذكية و حيوية حطمت بإصرار و عزيمة الصورة النمطية للمرأة الافريقية ضحية الحروب, العوز و الايدز , انها السياسية و الاكاديمية الناجحة "ونجارى ماثاى" , الناشطة الكينية فى مجال البيئة و مؤسسة حركة الحزام الاخضر سنة 1970 , التى عملت و لا زالت تعمل من اجل تعزيز الحفاظ على البيئة فى كينيا و افريقيا عامة , تعتبر "ماثاى" اول امرأة افريقية تتوج بجائزة "نوبل" للسلام فى عام 2004 تقديرا لمساهماتها فى التنمية المستدامة و الديمقراطية و السلام . و كانت "ماثاى" قد مثلت دائرتها فى البرلمان ابان حملة استعادة الديمقراطية فى كينيا خلال التسعينيات و عملت نائبا لرئيس "حركة من اجل انتخابات حرة ونزيهة" ,وكانت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية منذ التسعينيات قد حققت نجاحا نسبيا, وفي عام 2002 قدمت "ماثاي" كمرشح برلماني لائتلاف قوس قزح الوطني , الذى ضم طائفة من التنظيمات السياسية بما فيها حزبها "مازنجيرا الاخضر" , و لاحقا عينها الرئيس الكينى الجديد "موى كيباكى" وزيرا مساعدا للبيئة والموارد الطبيعية فى الفترة ما بين 2003 – 2005. ولدت ماثاي فى 1 أبريل 1940 بمنطقة "نييري" في المرتفعات الوسطى في كينيا , و تنحدر من شعب "كيكويو" القبيلة الأكثر عددا فى كينيا , و عندما كانت صغيرة انتقلت عائلتها إلى "الوادي المتصدع" حيث عمل والدها في مزرعة يملكها البيض , ان تجربتها في وقت مبكر من الحياة المرتبطة بالأرض ظلت دافعا قويا لها من اجل تعزيز و صون المناظر الطبيعية , و ان شهودها فى مرحلة طفولتها انتفاضة "الماو ماو" التى سعت لتحقيق استقلال كينيا من الاستعمار البريطاني, و التى واجها الانجليز بعنف مفرط لقمع المتظاهرين كانت محفزا إضافيا لها بعد نضوجها لدعم الديمقراطية و الحرية و السلام . نالت منحة لدراسة علم الاحياء في احدى كليات ولاية "كنساس" بالولايات المتحدة, من ثم نالت درجة الماجستير في علم الأحياء من جامعة "بيتسبرغ" وحصلت في وقت لاحق على الدكتوراه في جامعة "ميونيخ" في عام 1969، عادت إلى "نيروبي" حيث أصبحت أول امرأة في شرق أفريقيا تحصل على شهادة الدكتوراه , و كانت في مجال علم التشريح البيطري , نجاح "ماثاى" الأكاديمي اهلها لتصبح أول امرأة يتم تعيينها في مناصب رفيعة و مختلفة في جامعة "نيروبي" , و باستخدام نفوذ مناصبها , قالت انها سعت للقيام بحملة للحصول على استحقاقات متساوية للموظفات, وكانت العديد من هذه الحملات قد كللت بالنجاح. في بداية السبعينيات أصبحت "ماثاي" قلقة إزاء أثر التدهور البيئي على الثروات الاقتصادية والاجتماعية في كينيا-- إزالة الغابات تسببت فى انهيارات ارضية وجفاف متكرر—الامر الذي اضعف انتاجية المحاصيل و زاد من النقص فى مياه الأمطار, وتفاقمت الصراعات بين القبائل , لقد اضطر الناس للقتال من أجل الموارد الشحيحة, تقول "ماثاى": شعرت أن حماية البيئة تمنع العديد من هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية, وكانت في ذلك الوقت قد قامت بأول محاولة لها لتأسيس هيئة لزراعة الأشجار, الا ان عدم وجود المال حد من نجاح مبادرتها , ولكن جهودها توجت بحصولها لفرصة حضور مؤتمر الاممالمتحدة بشأن المستوطنات البشرية 1976, و هناك ناصرت بشدة برنامج الإكثار من غرس الأشجار لتحسين الظروف البيئية. بعد المؤتمر قادت بنفسها حركة لزراعة الأشجار في جميع أنحاء كينيا , عرفت باسم حركة الحزام الأخضر, وأصبحت حركتها منظمة بيئية بارزة تساند الحفظ على الغابات وزراعة الاشجار في أنحاء أفريقيا, و حصلت حركة الحزام الأخضر على دعم من قبل جمعية الغابات النرويجية وحصلت "ماثاي" فيما بعد على وظيفة منسق , و في أوائل سنة 1980, تم انتخاب "ماثاي" رئيسا للمجلس الوطني لنساء كينيا (NCWK), شغلت هذا المنصب حتى تقاعدت في عام 1987, كان هذا المجلس النسوي عبارة عن تحالف من المجموعات النسائية, و تحت قيادة "ماثاي" أصبح يركز بشكل متزايد على القضايا البيئية. تحدثت "ماثاى" في وقت لاحق حول دوافعها فى الاهتمام برعاية البيئة والمسائل الإنسانية, قالت , "أنا لا أعرف حقا لماذا يهمني هذا كثيرا , أنا فقط لدي شيء فى داخلي يقول لي أن هناك مشكلة , و على ان افعل شيئا حيال ذلك , أعتقد أن هذا هو ما يمكن أن أسميه الله في داخلي" , و تواصل قولها " كل منا لديه الله بداخله , وأن الله هو الروح التي توحد كل الحياة , كل ما هو على هذا الكوكب , يجب أن يكون هو هذا الصوت الذي يقول لي أن أفعل شيئا , وأنا اثق من انه نفس الصوت الذي يتحدث للجميع في هذا الكوكب ,على الأقل جميع الذين يبدو أنهم يشعرون بالقلق إزاء مصير العالم, ومصير هذا الكوكب". فيما بين عامي 1990 و 1992 , على وجه الخصوص ركزت "ماثاي" جهودها فى تنظيم الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية , مما جعلها هى و مجموعتها محل استهداف من قبل الحكومة التى تبغض المعارضين ,و في احدى المناسبات دخلت "ماثاى" مع محتجين آخرين فى إضراب عن الطعام احتجاجا على بناء حديقة عامة , الا ان السلطات تمكنت من تفريق المعتصمين بالقوة . قالت "ماثاي" عن مصاعب الحياة السياسية في كينيا خلال التسعينيات: "غالبا ما يكون من الصعب ان توصف طبيعة الحياة في نظام استبدادي لأناس يعيشون في مجتمع حر , أنت لا تعرف بمن تثق ,أنت تقلق أنه سيتم القبض عليك او اسرتك او اصدقائك وسجنكم من غير اتباع الإجراءات القانونية الواجبة , الخوف من العنف السياسي أو الموت , سواء من خلال الاغتيالات المباشرة او الاستهداف "الحوادث" امر ثابت و متكرر , كان هذا هو الحال في كينيا, وخصوصا خلال التسعينيات". منحت "ماثاي" جائزة "نوبل" للسلام في عام 2004, وقالت مؤسسة "نوبل" فى بيان اعلان الجائزة : وقفت "ماثاي" بشجاعة ضد النظام القمعي السابق في كينيا, و ان اساليبها المتفردة فى العمل ساهم فى لفت الانتباه إلى القمع السياسي, وطنيا ودوليا, و كانت مصدر إلهام لكثيرين في الكفاح من أجل الحقوق الديمقراطية وشجعت النساء بشكل خاص لتحسين اوضاعهن", وفى كلمتها امام لجنة "نوبل" النرويجية و فى احتفال تسلم جوائز "نوبل" , قالت إن انشطتها كانت تسعى إلى تعزيز السلام من خلال تجنب الصراعات المحتملة , أعتقد أن ما تقوم به لجنة "نوبل" يذهب الى ما وراء الحرب بالنظر الى ما يمكن ان تقوم به الإنسانية لمنع الحرب , الإدارة المستدامة لمواردنا الطبيعية سوف تعزز السلام ".10 اكتوبر 2004. اوسلو . بالإضافة لحصولها على جائزة نوبل للسلام نالت "ماثاى" جائزة غولدمان للبيئة , جائزة انديرا غاندي , جائزة صوفية , جائزة المواطنة العالمية , جائزة ارك الذهبية ,جائزة البيئة العالمية و غيرها من الجوائز و الميداليات , و كانت "ماثاي" واحدة من مؤسسي مبادرة نساء نوبل جنبا إلى جنب مع الأخريات امثال جودي وليامز, شيرين عبادي, بيتي وليامز ,و بالإضافة الى نشاطها الدؤوب و قدرتها على الاختراق و خلق المبادرات فى شتى المجالات التى تدعمها ظلت "ماثاى" وفية للمعرفة و التوثيق , فالفت خلال حياتها الحافلة بالعطاء , مذكراتها " لم يقهر" 2006 , وكتاب حركة الحزام الاخضر 1995 , و كتاب تحديدات افريقيا 2009 . كانت شغوفة و معطاءه الى ان وافتها المنية فى 25 سبتمبر من عام 2011 نتيجة لتأثرها بسرطان المبيض , ان العزاء الوحيد لأفريقيا و مناصري البيئة على مستوى العالم سيخلده الوعى و الادراك الكبيرين الذين أنجزتهما "ماثاى" خلال مسيرتها النضالية من اجل تعزيز و حماية البيئة و الديمقراطية و السلام , و ان رفاقها من الحلفاء و المناصرين سيواصلون مسيرة حماية كوكب الارض من التلوث و الانهاك البيئي, و رغما عن ذلك ستظل وفاة "وانجارى" خسارة كبيرة لأفريقيا. 24 ديسمبر 201