* ابتداءً من يوم غدٍ الأحد ستتوقف شركة الطيران الألمانية (لوفتهانزا) عن تسيير رحلاتها من فرانكفورت إلى الخرطوم، بعد خدمةٍ استمرت 52 عاماً متتالية. * (لوفتهانزا) ستلحق رفيقتها الهولندية الشهيرة (كي إل إم)، التي أوقفت رحلاتها إلى الخرطوم مطلع العام المنصرم، وعزت الخطوة إلى ارتفاع تكاليف التشغيل، وصعوبة التحويلات المالية من وإلى السودان. * كتبنا قبل فترة عن أن توالي الأزمات في السلع والخدمات يمثل عرضاً لمرضٍ عضال، أصاب الاقتصاد السوداني كمحصلة مباشرة للأزمة السياسية المستفحلة، علاوةً على تأثيرات ضعف الإنتاج، وتراجع معدلات الصادر، وفقدان عوائد البترول إثر انفصال الجنوب. * أدى ذلك كله إلى تصاعد جنوني في أسعار العملات الأجنبية في مواجهة الجنيه، وجاءت حرب الجنوب لتشعل أوار الأزمة أكثر، وتؤذن بفقدان عائدات مرور النفط الجنوبي، بعد أن ازدادت حدة المعارك في المناطق المنتجة للبترول، وأجبرت الشركات الأجنبية على سحب مهندسيها وفنييها منها، الشيء الذي دفع حكومة سلفاكير إلى الاستغاثة بالخرطوم، طالبةً مدها بمهندسين وتقنيين يجنبونها شرور توقف الضخ نهائياً. * أدت قلة المعروض من العملات الأجنبية إلى تزايد الطلب عليها، وأقدم معظم الميسورين على تحويل مدخراتهم إلى العملات الأجنبية، بينما اتجه آخرون إلى سوق العقار، خوفاً من تراجع قيمة المدخرات، فتصاعد سعر الدولار، ووصل ثمانية جنيهات وعشرين قرشاً في السوق الموازي، والسعر مرشح للارتفاع. * الشيء المخيف في المشهد الاقتصادي السوداني الحالي أننا لم نلمس أي خطة أو إستراتيجية موضوعية وجادة تستهدف معالجة الأزمة المتصاعدة، بخلاف السعي إلى المزيد من الاقتراض الخارجي، حتى بعد أن تخطى حجم الديون الخارجية 45 مليار دولار. * يوم أمس نشرت الصحف نبأً يتحدث عن حصول الحكومة على قرضٍ بقيمة 380 مليون دولار من صندوق النقد العربي، وذكر الأستاذ بدر الدين محمود وزير المالية أنهم سيستخدمون القرض في دعم مدخلات الإنتاج والسلع الأساسية، مطمئناً المشفقين بأن ما يحدث حالياً يمثل محصلةً لمضاربات المتاجرين في النقد الأجنبي، وزعم أن الدولة تمتلك احتياطات مقدرة من النقد الأجنبي. * ذكرنا من قبل ونعيد مرةً أخرى أن الأزمة الاقتصادية الحالية مرتبطة بالأزمة السياسية، ومع ذلك نعتقد أن النهج الذي تستخدمه الدولة في معالجة الأزمة الاقتصادية ضاعف معاناة الجنيه أمام الدولار، وأدى إلى حدوث سلسلة من الأزمات المتتالية في السلع الأساسية، ابتدأت بالغاز، وامتدت إلى الدواء، وشملت الدقيق والجازولين ووصلت وقود الطائرات. * الاعتماد على القروض الخارجية قد يوجد حلولاً آنية للأزمة، لكنها ستكون قاصرة، وستدفع الأجيال القادمة فواتيرها، مثلما دفع الجيل الحالي فواتير الديون الخارجية وفوائدها المتراكمة منذ عهد حكومة النميري رحمة الله عليه. * شد ما نخشى على الاقتصاد السوداني من اعتماده على عقليات مصرفية، تتعامل مع عوارض الأزمة من دون أن تغوص في لبها، وتضع لها حلولاً جذرية مبنية على إستراتيجيات وخطط مدروسة، تستهدف رفع الإنتاج لرفع معدلات الصادر، بدلاً من الاعتماد على (عوينة أم صالح) باستجداء الدعم الخارجي، وانتظار منح الخيرين والمشفقين وبعض الصناديق الخارجية، بعد أن فقدنا المنح والمساعدات التي كانت تأتي من صندوق النقد الدولي، وخرجنا من نطاق مبادرة إعفاء الدول المثقلة بالديون (هيبك) خالي الوفاض. * تفاصيل المشهد الاقتصادي مخيفة، وطمأنات وزير المالية لن تفلح في تهدئة روع المشفقين، لأن ما يشاهدونه بأعينهم لا يبشر بأي خير. * نخشى أن يكون القادم أسوأ.. اللهم لطفك ورضاك. اليوم التالي