* لن أدعي علاقة بوردي مثلما فعل الكثيرون- فجأة- عقب وفاته.. * فأنا لم ألتق به- ولا يصح لغورياً أن أقول (لم ألتقه)- سوى مرتين رغم إعجابي بعبقريته الفنية.. * المرة الأولى كانت بُعيد عودته من رحلة استشفاء خارجية بفندق ال(قرين فيلا هوليداي) بصحبة الشاعر الشفيف أزهري الحاج.. * والثانية كانت بداره- المجاورة لدار الأسرة في المعمورة- بمعية الإعلامية القديرة يسرية محمد الحسن. * وبمناسبة الإشارة إلى يسرية هذه فقد كان يظنها وردي (محسية) وهو يحاول إشراكها في حديث عن مدى إجادته النوبية بلهجة ال(أندادي) الدنقلاوية بمثل إجادته لها ب(النوبن).. * ما كان يعلم- وردي- أن وراء (صمتها) ذاك تكمن حقيقة أنها شايقية من جهة الأب ومصرية من جهة الأم.. * وعبثاً حاولت أن تفهم معنى حديثه عن وجودٍ لل(شهودنجي) الذين أشار إليهم في رائعته (صواردة شو) في كلٍّ من السكوت ودنقلا.. *أما ما لم أكن أعلمه أنا أن إجادة محمد عثمان وردي للهجة ال(أوشكرن)- أو ال(أندادي)- مرجعها إلى انحدار جدته من بلدة ناوا جنوبدنقلا.. * والمعلومة هذه يعود فضل إلمامي بها إلى إبن ناوا الشاعر الدبلوماسي الفذ سيد أحمد الحردلو الذي قال لي إني والدة أم وردي-آمنة- كانت تُسمَّى (آمنة نوقور) لإرتباطها ب(بسحر!!) البلدة النيلية الجميلة تلك.. * ومن (السحر) هذا استمد كلٌّ من وردي والحردلو (سحرهما) الابداعي ليستحقا- هما أىضاً- صفة (نوقور) النوبية هذه.. * وحتى نهاية الستينيات ما كان يظن الفرعون النوبي أن الأقدار ستجعل من أرض (المحنَّة) رافداً مهماً لنهر إبداعه الفني ذي (المحنَّة).. * فقد تعرف بالصدفة على إحدى جميلات مدني- خلال إحيائه حفلاً غنائياً هناك- لتضحى شريكة حياته الثانية بكل مافي (التشاركية) الزوجية من معاني (الحنان) و(المحنَّة) و(الحنية).. * ثم لم يُخف فرحه آنذاك- حسب إعترافه- حين اكتشف أنها ذات جذور نوبية (كنزية) وهو المعتد بنوبيته إلى حد المجاهرة بذلك.. * و(الإعتداد) هذا فهمه (خطأً)- في ظني- صديقنا الباحث فكري أبو القاسم رغم نوبيته هو نفسه كذلك.. * فقد وصف إعتداد وردي بذاته هذا- فكري- بأنه ضرب من التعالي والكِبْر والعنجهية.. * وربما الذي جعله ( يجنح!!) إلى (الغلو) الوصفي هذا هو (زيادة الجرعة) الخاصة بالإعتداد لدى وردي عن حدود ( المألوف) النوبي.. * وليس في هذا ما يعيب- حسب تقديرنا- ما دام الإعتداد بالذات هذا هو دون الممقوت (ديناً) من صفات التعالي على الناس.. * ولا أظن أن وردي كان متعالياً وهو الذي يشير - قبيل وفاته- إلى أنيه يحب أن (يتبسَّط!!) مع الناس في مقابل تبسُّطٍ من تلقائهم (دون حواجز) من صنع أنفسهم.. * أي أن بعض الناس يتعاملون معه ب(حذر) من منطلق انطباع مسبق لديهم بأنه ( متعالٍ).. *ثم يكشف وردي عن حقيقة نفسه (البسيطة!!)- أكثر من ذلك- حين يقول أن بيئة منطقته المحسية هى التي يُهرع إليها خياله ملتمساً السعادة عندها عبر إجترارٍ ل(الذكريات).. * بقى جانب في (نفسية) وردي يحتاج إلى تسليط للضوء عليه لمعرفة (مغزى) شغفه بالطير.. * فمنذ أن تغنى بأول أغنية له عنوانها (يا طير يا طائر) طارت طيور كثيرة في فضاءات أغاني وردي أشهرها (الطير المهاجر).. * ثم لم ينس في أخريات أيامه أن ( يُخلِّد!!) الطير هذا في رائعة له نوبية أيضاً هى (صواردة شو).. * يناشد الطير (كوارتي تو وآيِّسي لاق واي) بأن يطير صوب جزيرة وآيِّسي حيث موطن الذكريات الجميلة.. * ونحن نناشد بدورنا- الآن- الطير بأن يطير صوب قبر وردي وهو آئب من وآيِّسي.. * ثم ينشد (هناك) أنشودة (الرحمة!!) له بقدر ما أسعد السودانيين، و(غير) السودانيين.. * وبقدر ما (مقت!!) الظلم والقهر والجبروت والطغيان.. * وبقدرما (أحب) وطنه وغنى له (وطنَّا!!!!!!). الصحافة