هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة الجمعة التي ألقاها الزبير محمد علي في مسجد الهجرة بودنوباوي
نشر في الراكوبة يوم 01 - 03 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة التي ألقاها الزبير محمد علي في مسجد الهجرة بودنوباوي
28 ربيع الثاني 1435 الموافق 28 فبراير 2014
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده رسوله، صلواتُ الله وسلامُه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
يقول اللهُ تعالى في مُحكم تنزيله: (الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)).
أحبتي في الله
العربُ قبل الإسلام عرَفوا الحضارة في اليمن، والشام، والحجاز ولكن لم تكن لديهم حضارة موحدة. وهذه الحضارات العربية على تناثرِها لم تكن ذات تأثير عالمي رُغم أن الأراضي العربية بمقاييسِ اليوم احتضنت حضارات ذات وزن كحضارتي وادي النيل والفرات ولكنها ترجع لأصولٍ غير عربية.
وكانت لدى العرب قيَمٌ كريمة مدحها ويمدحها الإسلام: شجاعةُ عنترة بن شداد، وكرمُ حاتم الطائي، واستغرابُ هند بنت عتبة من زنا الحرة، وانعقاد حلف الفضول القاضي بألا يبقى في مكة مظلوماً. ومع ذلك كانت لديهم مُوبقات:
* الوثنية فقد كانوا يعبدون الأصنام ويتقربون بها إلى الله زلفى.
* سفك الدماء كان سمةً أساسيةً من سمات المجتمع العربي. كانوا يدقون طبول الحربِ لأتفه الأسباب.
* الظلم كان هو المنطقَ الغالبَ لدى العرب، تُمجُده أشعارُهم:
بغاةٌ ظالمين وما ظُلمنا *** ولكنَا سنبدأ ظالمين.
ظلم الضعيف، المرأة، الأطفال.
* العرقُ كان هو أساسَ التمايز بين الناس. معيارُ التفضيلِ بين الناس هو العرق: إلى أي عرقٍ تنتمي؟، والعرقُ هو معيارُ وراثي. وكانوا كثيري التفاخر بالأنساب.
* القانونُ كان مُحابياً للشرفاء والنبلاء مُحاسباً للضعفاء والبسطاء. "كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".
وعندما جاء الإسلام حصلت النقلة الحضارية الكبرى في حياة العرب:
* جعل لهم حضارةً مُوحدة.
* نقل هذه الحضارة من الانغلاق في المحلية إلى الانطلاق نحو العالمية.
* وضعهم في مَركب القيادة بعد أن كانوا ضعيفي السيادة.
* أبقى على ما لديهم من قيَمٍ حميدة وأعطى الالتزام بهذه القيم بعداً روحياً، وأكمل ما افتقدوه من قيَمٍ أخلاقية "إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق".
* نقل عقيدتَهم من الوثنية إلى التوحيد وهي عقيدةٌ يستوعُبها العقل " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا" .
* جعل للدماءِ حرمة " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا".
* جعل العدلَ أساساً لقيامِ المجتمع وبدونِه يختل النظام الاجتماعي " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ " .
* جعل التقوى لا العرق هو معيارُ التفاضلِ بين الناس " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " .
* صار الجميعُ سواسيةً أمام القانون "لو فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطع محمدٌ يدها".
بهذه القيَم صار العربُ رسلَ حضارةٍ، ودعاةَ رُقيٍ وتمدنٍ ما أهلهم لحمل مشاعل العلمِ والفكرِ والأخلاقِ إلى الإنسانيةِ قروناً طوالاً، ولفت انتباه العالم وإثارة دهشتِه، قاذفين باسمِهم إلى الأمام في مسرحِ التاريخ صانعين لذاتِهم بين العالمين مجداً ذائع الصيت لايزال صداه يتردد حتى يومنا هذا.
ولكن مع كل هذا أتى على الأمةِ العربية زمانٌ ضُعفت فيه شوكتُها، وقل عطاؤُها، واستبد حكامُها، واستكانت رعيتُها، وجمد فكرُهاُ، واختل توازنُها الاجتماعي مما جعلها غزالةً سهلة الصيد أمام الغزو المغولي التتاري قديماً ثم الوحش الاستعماري الغربي حديثاً.
ومهما تعرضت الأمة من عوامل الضعف والجمود فإن هنالك عواملَ حفظتها من الذوبان:
* اللغةُ العربية هي لغةُ رسالةٍ عالميةٍ يحتاجُها المسلمون من غير العرب وإن احتفظوا بلغاتهم الإصلية، يحتاجونها في فهم رسالتهم، وفي الالتزام بالشعائر العبادية اليومية.
ثانياً: الأمةُ لها تاريخٌ عريضٌ وأمجادٌ يأبيا النِسيان.
ثالثاً: الوحدةُ التي تجمع شعوب الأمة في رقعةٍ جغرافيةٍ واحدة.
رابعاً: الإسلامُ هو الدينُ الغالبُ بين سكان تلك المنطقة، وحتى المسيحيون العرب ساهموا في بناء الحضارة العربية الإسلامية ويعتزون بانتمائِهم لها.
هكذا تصيرُ الأمةُ برصيدها الثقافي والتاريخي، وبمعينها الروحي والمعنوي عصيةً على الموت والذوبان وإن أصابها الضعف والجمود حيناً من الدهر.
لا نود الخوض في تحليل الأسباب التي أدت إلى هذا السقوط المرُيع لأننا تناولنا هذا الموضوع كثيراً؛ ولكن المهم كيف تستعيد الأمةُ العربيةُ ريادتها الحضارية بين الأمم.
أحبتي في الله
الريادةُ الحضاريةُ للأمة لا يمكن أن تحدث خبط عشواء، ولا بالأماني والأحلام، وإنما بتأسيس مشروعٍ نهضويٍ شامل يعتمدُ الأبعاد الآتية:
البعد الروحي:
لا يمكن أن تحدث نهضة في العالم العربي بمعزل عن البعد الروحي. وإذا نظرنا إلى تاريخ الحضارات التي عرفها العربُ قبل الإسلام، أو التي جاورت الأراضي العربية كان البعد الروحي حاضراً فيها. وحتى النهوض الحضاري للعرب تاريخياً كان العاملُ الروحيُ فيه مركزياً. ولذلك عندما قالت هند بنت عتبة محمدٌ أستولى على جدران مكة رد عليها أبو سفيان "محمدٌ يستولي على القلوب لا الجدران" والقلوب لا تتوحد لبشر، وإنما تُوحدها الروح (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم) . والانتصارات في عصر الإسلام الأول كان ورائها بعدٌ روحي (لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ).
البعد الفكري:
لابد للمشروع النهضوي العربي من اعتمادِ مرجعيةٍ فكريةٍ يستندُ عليها. المرجعيات المطروحة في الساحة أربع:
- المرجعية الإسلامية، وهذه نفسُها يختلف المسلمون حولها إلى مدارس.
- الليبرالية.
- الاشتراكية.
القومية.
المرجعيةُ الفكرية الواعية هي التي تعتمد الإسلام وتقرُ بدورِه في بناءِ النهضة، وتستوعبُ قيمَه ومبادئَه في السياسةِ، والاقتصادِ، والاجتماعِ، والعلاقاتِ الدولية. وتتطلعُ لإيجادِ مُعادلةِ تعايشٍ بين الدينِ والدولة. بين المرجعيةِ الإسلاميةِ وحقوقِ المواطنةِ المتساويةِ، والتعدديةِ الفكريةِ والسياسيةِ، وحقوق الإنسان، والوحدةِ الوطنية.
وتستوعبُ القوميةَ العربية القائمة على أساسِ الثقافةِ، واللغةِ، والجوارِ، والتاريخِ وتسعى لتأطيرِها في وعاءٍ وحدويٍ على ألا يتصادم ذلك مع الإسلام، ومع اللامركزية القطرية، ومع احترامِ ثقافةِ الآخر الذي يُساكن الشعوب العربية.
وتستوعبُ من الليبراليةِ الاعترافِ بحقوقِ الإنسان، وحرياتِه الأساسية، ومبدأ الفصلِ بين السلطات، وآلية السوق الحر على ألا يتناقض ذلك مع الهويةِ الثقافية، ومع الضمان الاجتماعي للشرائح الفقيرة.
وتستوعبُ من الاشتراكيةِ الإعلاء من شأنِ العدالة الاجتماعية، والتكافل الاجتماعي بصورةٍ تتجانس مع الحرية الاقتصادية في الملكية والتنافس.
البعد الأخلاقي:
مهما بلغ مجتمعٌ ما شأواً بعيداً في التقدم العلميٍ، أو التطور الاقتصادي، أو عرف القوةَ العسكرية ولم يعرف الأخلاق فلا يُرجى أن يستقيم بناؤه الحضاري؛ لأن الأخلاق هي أساسُ تماسكِ المجتمعات.
والقانونُ مع أهميته لا يستطيعُ وحده أن يحمي المجتمع من الموبقات التي تنسفُ أمنه واستقراره إذا غاب الضمير الخلقي. والبشرُ لديهم قدرةً هائلةً على التحايل على القانون لا يكبحُها إلا الحس الخلقي الداخلي.
إن الأخلاق والقانون جناحان يكملان بعضَهما البعض، فمتى ما توافر في المجتمع الضمير الخلقي الجمعي والقانون الضابط لإيقاع حركة الحياة أفلح المجتمع وحلق في سماوات الفضيلة وإلا أصابه قول الشاعر:
إذا أُصيب القومُ في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً
وعندما سُئل أحد المسئولين اليابانيين عن سر التطور الاقتصادي والتكنلوجي الذي شهدته بلادُه للدرجة التي وضعتها ضمن قائمة الدول الثماني العظام في العالم أجاب: هذا التطورُ ثمرة لشيئين: الأخلاقُ والتواصلُ بين الأجيال.
العدل
العدلُ هو المِيزان الذي تستقيمُ به الحياة، وبدونِه يختل النظام الاجتماعي قال بن خلدون في مُقدمتِه الشهيرة: "إن الظلم مؤذنٌ بخراب الُعمران".
إن عاملنا العربي يرزحُ تحت نيرِ ألوانٍ شتى من الظلم ولذلك ينبغي أن تتطلع الدعوةُ للعدلِ لتشمل:
- العدلَ الاجتماعي الذي يتطلعُ إلى إنصافِ الشرائحِ المستضعفة، ورفعُ المظالمِ عن المناطقِ المهمشة.
- العدلَ الإنسانيَ الذي يحدُ من الظلمِ الذي يلحقُ بالأطفالِ والمرأة.
- العدلَ الاقتصاديَ الذي يهتمُ بالتوزيع العادل للثروةِ القومية.
- العدل السياسيَ الذي يتطلعُ إلى المشاركةِ العادلةِ في السلطة، وفتحُ البابِ أمام الجميع بلا تمييزٍ دينيٍ أو طبقيٍ أو حزبيٍ أو عرقيٍ أو جغرافي.
- العدلَ الانتقاليَ الذي ينشدُ الاستقرار الاجتماعي ويقفلُ البابَ أمام ثقافة الانتقام والثأر المُفضية إلى الفوضى.
- العدالةُ أمام القانون: مساواةُ الجميعِ أمامه دون تمييز، وسيادةُ أحكامه على الكافة.
إن سيادة مبدأ العدل وجعله شعاراً حقيقياً في شتى نواحي الحياة مِفتاحٌ مركزي من مفاتيح بوابة النهضة.
البعد السياسي:
عاشت الأمةُ العربية قروناً طويلة تحت نيرِ الاستبدادِ حتى بدأ وكأن العربَ استثناءٌ من حركة التاريخ. ومنذ قيام الدولةِ الأموية مروراً بالعباسية والفاطمية والعثمانية ثم الاستعمار الأجنبي فالأنظمةُ الوطنيةُ الذي ورثت الاستعمار بشقيها الملكي والجمهوري لم تعرف الأمةُ في كل هذه العهود غير الاستبداد السياسي مع استثناءاتٍ معدودة، ما خلف تراثاً عميقاً يُعلي من شأن حفظ الأمن والنظام على حساب الحرية والمُشاركة والشفافية وسيادة حكم القانون.
والاستبدادُ يُمثل "أعلى مراتب النفي الذاتي للشعوب"1 وبالتالي فهو مُعيق للتقدم، و"يساوي الجمود بجميع صوره الفكرية والإبداعية والإنتاجية" ولذلك تبرز الحاجة لتجاوز هذا التراث تطلعاً نحو قيام أنظمة سياسية مُتحررة من الوصاية الفردية، أو العشائرية، أو الحزبية، أو الطبقية. أنظمة قوامها: المُشاركة، والمُساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.
البعد الاقتصادي:
تتوافرُ لدى أمتِنا ميزاتٌ تُؤهلُها للصعودِ إلى قمة الصدارة الاقتصادية العالمية:
أولُها: الموقعُ الجُغرافي المُتميَز: حيث تقعُ في وسطِ العالم، وتطلُ على بحارٍ وخلجانٍ مهمة، ويتميز مُناخُها بالتنوع، وتحتضنُ أهم الممرات في العالم مما يعني التحكم في طرق التجارة العالمية.
ثانيها: الإمكانات الاقتصادية الهائلة: حيث تحتضن الأراضي العربية ثرواتٍ طبيعيةً هائلةً في المعادن، والنفط، والغاز الطبيعي، واليورانيوم، والزراعة، إضافة إلى الثروةٍ الحيوانيةٍ والسمكية.
ثالثها: قوةٌ بشريةٌ معقولة.
ولكن هنالك عوامل كثيرة حرمت الأمةَ من الانتفاعِ بهذه الميزات، ولذلك يجب أن يتطلعَ مشروعُ النهضة في العالمِ العربي إلى إيجاد وصفةٍ اقتصاديةٍ تقفزُ بهذه الميزات إلى آفاق التنمية بمعدلات عالية مع العدالةِ في توزيعها.
البعد الثقافي والعلمي:
الواقعُ العربيُ يتطلبُ صحوة ثقافيةً وعلمية تستنهضُ القيًم النابضة في التراث وتسصحبُها في بناء المشروع النهضوي المعاصر، وتستوعبُ الإشراقات الفكرية التي نضجت في بيئاتٍ حضارية أخرى بعد أقلمتِها ثقافياً.
إن أغلبية العربِ مسلمون، ومالم تحدث صحوةٌ في النطاق الإسلامي فلا يُرجى أن يُحقق المشروع النهضوي ثمارَه. كذلك لابد أن تحدث صحوةٌ في الثقافات العربية بصورة تُؤمن على المعاني الإيجابية، وتتحرر من المعاني السلبية لاسيما الاستعلاء الثقافي والعرقي.
أما الصحوةُ العلميةُ فهي مهمة جداً للبناء النهضوي، وبالنظر إلى واقع التعليم في العالم العربي نجد أنه مُصابٌ بعللٍ كثيرة، والمطلوب دراسة هذا الملف بصورةٍ عميقة بهدف الوقوف على المشكلات التي تُواجهُه ومعالجتها تطلعاً نحو استعادة الإسهام العربي في دائرةِ المعرفة العلمية. وهذا لا يحدث إلا إذا عالجنا إشكاليات التعليم، وزدنا من معدل القراءة في الوطن العربي. معدل القراءة لدى المواطن العربي 10 دقائق في السنة مقابل 10 ألف دقيقة للمواطن الغربي. معدل التأليف العربي 1.1% من الإنتاج العالمي، وربما نسبة كبيرة منها لكتب الطبخ، وكيف نُعالج السحر؟!. لابد من معالجة هذا القصور بالصورة التي تزيد من معدل القراءة لدى المواطن العربي، ومعدل التأليف في الساحة العربية.
الأمن والدفاع:
ملفا الأمن والدفاع صارا في عالم اليوم من أهم مقومات الاستقلال الذاتي للأمم. صحيح تحكم العالم مواثيق دولية تفترض قيام العلاقات بين الدول على أساس المودة والتعايش؛ ولكن القرار العالمي نفسَه خاضع لتوجيه الحلفاء الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي لا يُتصور أن تتمتع أمةٌ ما باستقلالٍ ذاتي وبخاصة أمتنُا العربية دون أن يكون لديها ترسانةٌ أمنيةٌ ودفاعيةٌ متطورة.
الاتحاد العربي
تتوافرُ لدى العربِ أمتنُ مقوماتِ الاتحاد من لغةٍ واحدة، وثقافة مشتركة، وتاريخ مشترك، ووجدان شعبي واحد، ورقعة جغرافية واحدة.
في الماضي قامت دعواتٌ للوحدة العربية، واتخذت منحىً تطبيقياً كما حدث بين مصر وسوريا في ستينيات القرن الماضي، ولكن النتيجة النهائية لهذه الدعوات الفشل لأربعة أسباب:
* الأول: لا يمكن أن تُوحد الإرادة العربية بوسائل قسرية بل طوعية.
* الثاني: من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تجتمع الإرادةُ العربية حول خيار آيديلوجي مُعين؛ لأن الساحة العربية حافلةُ بالتيارات المختلفة، وهي تيارات لها أوزانٌ لا يمكن إغفالُها.
* الثالث: لا يُمكن أن تحدث وحدةٌ عربيةٌ حقيقية في ظل أنظمة تُغيَب الإرادة الشعبية.
* الرابع: غياب العامل الديني في معادلة الوحدة العربية.
إن التطلع نحو وحدة عربية يقودُها حزب طليعيٌ أو أيديولوجيةٌ مُعينة أو قائدٌ ملهم صعب؛ ولكن المُمكن في ظل التطلع العربي نحو استكمال التحول الديمقراطي أن يحدث اتحادٌ عربيٌ يُحقق تكاملاً أو تنسيقاً عربياً في مجالات السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والأمن القومي، والسياسة الخارجية بصورةٍ تخرجُ بموقف عربي واحد يُحققُ الاستقلال الذاتي العربي، ويتطلع مع دول العالم الحر إلى الضغط من أجل إصلاح النظام الاقتصادي العالمي، ومن أجل الوصول إلى نظام دولي يخدمُ البشرية جمعاء لا خدمة مُخططيه.
هذه المعاني أيها الأحبة خاطبنا بها منتدى التواصل الشبابي العربي التي انعقد في بيروت في الفترة ما بين 21-23 فبراير بدعوة من المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، والمنتدى القومي العربي بلبنان، بمشاركة 150 شاباً وشابة من 16 بلداً عربياً. وقد قُدمت فيه تسع أوراق كان نصيب السودان منها ورقتان: ورقة قدمتُها عن ضرورة النهضة العربية وشروطها وهذه الخطبةُ تلخيصٌ عامٌ لها، وورقةٌ أخرى قدمها الحبيب الزبير محمد إبراهيم عن العدالة الاجتماعية.
ومع وجود التباين في الرؤى إلا أن آرائنا حظيت بقبول لدى المشاركين من المغرب العربي، حيث طرحوا طرحاً يُماهي طرحنا، وأكدت أوراقهم على ضرورة استيعاب البعد الإسلامي في معادلة الوحدة العربية، وكذلك ضرورة إيجاد معادلة للتعاطي مع المجموعات غير العربية وهم يُساكنون الأمازيق. وكذلك ضرورة استيعاب التعاطي مع البعد الوطني.
أما المُشاركون من المشرق العربي فلم يعيروا هذه المسائل اهتماماً، بل طغت على نبرتهم اللغة الهتافية " لغة المؤامرة الكونية" و"الخطر الصهيوني" و"الملف السوري" وكان النفس العاطفي هو الغالب على مداخلتهم. مما جعل المفكر العربي خير الدين حسيب يقول: " إن أطروحات القوميين العرب قبل عشرين عاماً متطورة أكثر من الخطاب الذي ألقاه بعض الشباب".
عموماً كانت فرصة جيدة لنتعرف عليهم، ويتعرفوا علينا، لنستمع إليهم، ونُسمعهم صوتنا، ونتبادل الآراء والأفكار في مُناخ حر يسوده الاحترام المُتبادل رغم تباين الرؤى، وقد تجنبنا الدخول في نفق الاستقطاب مع وجود المُبررات أحياناً التي تدعو إليه، وقد نال هذا استحسان بعض المشاركين.
الخطبة الثانية
اللهم إني أحمدك وأُثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم، وأشكرك شكر عبد معترفٍ بتقصيره في طاعتك يا ذا الإحسان والنعم، وأسألك اللهم بحمدك القديم، أن تصلي وتُسلَم على نبيك الكريم، وآله وصحبه ذوي القلب السليم، وأن تُعلي لنا في رضائك الهمم، وأن تغفر لنا جميع ما اقترفناه من الذنب واللمم.
قال تعالى ( واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ).
أحبتي في الله
المسلمون في أفريقيا الوسطى جزء من النسيج الاجتماعي الوطني، وهم يُشكلون ما يُقارب ال 20% من النسبة الكلية للسكان، ويُساكنون إخوانهم في الوطن منذ قرون، ويوجد في الأسرة الواحدة المسلم والمسيحي والمؤمن بالأديان الأفريقية دون أن يكون ذلك سبباً في إشعال أي نوع من أنواع الفتنة الدينية.
نعم شهدت أفريقيا الوسطى منذ استقلالها في العام 1960 عدم استقرار سياسي في الحكم شأنُها شأن بقية الدول الأفريقية؛ ولكنها لم تعهد قيام صراعات على أساس ديني كما يحدث الآن من قتل للمسلمين، وتهجيرٍ لهم، وتدميرٍ لممتلكاتهم، وحرقٍ لمساجدهم، وتمثيلٍ بجثثهم في أسلوبٍ يُصادمُ حقوق الإنسان ويعصفُ بالوحدة الوطنية، وربما يقودُ في المستقبل إذا لم يُحتو إلى قيام فتنةٍ دينيةٍ بين المسلمين والمسيحيين.
الخطأ الكبير أن فرنسا قامت بنزع أسلحة المجموعة المسلمة، وكان ينبغي أن يُنزع السلاح من جميع المليشيات المسلحة غير الرسمية مما جعل ظهر المسلمين مكشوفاً أمام الهجوم الذي شنه بعض المسيحيين عليهم.
الحكومة وقوات حفظ السلام عجزتا عجزاً كاملاً عن احتواء الموقف، وإزاء ذلك نقول الآتي:
* المسلمون في أفريقيا الوسطى جزء من النسيج الاجتماعي الوطني، وهم يشكلون نسبة مُقدرة من السكان، وبالتالي فإن التصعيد الحالي يقود إلى التفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
* وإلى جانب ذلك من الممكن جدا أن يجر هذا التصعيد إلى الساحة الوطنية دخول جماعات جهادية في خط المواجهة بحجة حماية المسلمين فتدخلُ البلادَ في أتون حرب دينية لا تبق ولا تذَر. وعليه نناشد:
* الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي بالإسراع لوضع حد لهذه الحرب الهوداء على المسلمين، ونزع السلاح من كل المليشيات غير الرسمية.
* جمعيات حقوق الإنسان ودول العالم الحر بالضغط العاجل من أجل احتواء هذه الفتنة الدينية.
* منظمات الإغاثة الدولية والدول الأفريقية والإسلامية ودول العام الحر عموماً بالتحرك العاجل لإغاثة المنكوبين.
* كما ندعو إلى تقديم كل من ثبت تورطُه في هذه الجرائم غير الإنسانية إلى العدالة صوناً للاستقرار الاجتماعي، ورغبةً في قبل الباب أمام ثقافة الثأر والانتقام المُفضية إلى الفوضى.
* ونُؤكد أن المنتصر في هذه المعركة مهزوم، لأن تفكيك النسيج الاجتماعي الوطني يعود على الجميع بعواقب لا تحمدُ عقباها.
نسألُ الله تعالى أن يحمي المضطهدين في أفريقيا الوسطى، وأن يحفظهم، وأن يُؤمن روعتهم، وأن يعيد الأمن والسلام إلى ربوع وطنهم ليعيشوا مع إخوانهم في الوطن في أجواءٍ يسودُها السلامٍ والوئام إنه قريبٌ مجيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.